في واحدة من جلسات الأصدقاء دار الحديث كالعادة عن المشاكل التي تقابل معظمنا في العلاقات، وعادة ما تنتهي هذه الحوارات إلى الحديث عن جسد المرأة. ولكن في هذه المرة أردت أن أغير دفة الحوار المعتادة، وأن أعكس المسار، لذلك سألت عن علاقة الرجل بجسده، تلك العلاقة التي لا نتحدث عنها كثيرًا. هنا تحول محور الحديث إلى "عذرية الرجل"، وكيف يفقد كل رجل عذريته، وما الذي يعنيه مفهوم العذرية لدى الرجال؟

اندهش أغلب الموجودين عندما ذكرت أن فحوص العذرية لا تقتصر -كما يشيع- على النساء، بل تمتد إلى الرجال، إذ توجد طرق للفحص متوارثة بين الأجيال وقائمة حتى الآن في بعض المجتمعات، رغم خرافة وعدم جدوى هذه الفحوص، التي يكون الهدف منها سيطرة المجتمعات على أجساد الرجال والنساء، وفي حالة الرجال، تكون هذه الفحوص أكثر خفاء وسرية من الممارسات التي تجري على النساء.

فحوص عذرية للذكور

على مر التاريخ، تعددت أساليب كشوف العذرية لدى الرجال، رغم عدم وجود أي أساس علمي أو طبي لها، والفحص الأول يكون عن طريق البحث عن قشرة بيضاء تكون أعلى رأس القضيب، ويظن البعض أنها تسقط مع أول علاقة جنسية، وإن كانت في الحقيقة تسقط أثناء النظافة أو الإمتاع الذاتي.

الفحص الثاني يركز على مدى استقامة البول، والحقيقة أن ميل البول قد يحدث بسبب تضخم البروستاتا.

الإختبار الثالث وهو الخرافة الأشهر في الوطن العربي ويركز على وجود بقع حمراء أو حبوب في منطقة الأذن، لكن لا يوجد أي رابط طبي بين الجهاز التناسلي والأذن بأى شكل.

غالبًا ما يكون الغرض من فحوص العذرية السيطرة على الجسد وانتهاك خصوصية الفرد، والتأكد من أن الأفراد متوافقون مع المعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع، وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن فحوص العذرية هي شكل من أشكال الاعتداء على الجسد، وعلى الرغم من أن الحديث هنا يتعلق بأجساد النساء، لكن الأمر متطابق لدى الذكور.

أول مرة للرجل

استكملنا الحديث عن تعريف العذرية لدى بعض الأصدقاء. "عذرية الذكور" تحديدًا كان مصطلحًا غريبًا على أذن بعض الحاضرين، وترتب عليه أنهم لم يستطيعوا  تحديد تعريف له، لكن عبد الله* والذي يعمل في مجال التسويق، يقول إن انتهاء العذرية يحدث عند ممارسة الرجل علاقة حميمية مع الأنثى بعد الزواج. ولكنه لا يعتقد أن العذرية لها علاقة بالرجولة أو النضج، فهناك من يستطيع التحكم في شهواته حتى موعد الزواج، أو يفرغ هذه الشهوة بطرق أخرى، ولكنه يكون ناضجًا مع ذلك.

عندما جاء الحديث لحسن* وهو يعمل في مجال التسويق الإلكتروني قال إن عذرية الشاب في مجتمعنا المصري لا تستمر طويلًا، ففي فترة المراهقة تجد كل من حولك يجربون بعض الأفعال الجنسية لذلك تحاول تجربتها أيضًا، وغالبًا هذا يكون نابعًا من أنك تريد التجربة وليس نابعًا من المشاعر بينك وبين الشريكة، خاصة أن الشاب إذا أحب بنتًا في مجتمعنا يرى أنه لا ينبغي أن يحدثها في هذه الأمور، لتظل طاهرة، ولأنه يدرك أن الممارسات الجنسية مع هذه الفتاة التي يحبها ستزيد من شعوره بالذنب.

ربما يكون من مساوئ ثقافتنا أننا لا نعرف الكثير عن جسد الرجل أو نفسيته، وعلى الرغم من أننا وضعنا تلك النقطة تحت الميكروسكوب بالنسبة للمرأة سواء بالفحص السريري أو التحليلات الاجتماعية والتاريخية، في المقابل أهملنا هذا الجزء لدى الذكور بشكل شبه نهائي.

ومن خلال تطور النقاش بين الأصدقاء وجدنا أن مجتمعاتنا ترى أن ممارسة الجنس من أهم علامات الرجولة، ما يؤدي إلى انتشار فكرة أن كسر حالة العذرية هو بوابة الدخول إلى مرحلة الشباب، وعند إتمامها يشعر الذكر بالفخر بنفسه، وإذ فشل في فعل ذلك تتوالي سلسلة من قلة الثقة بالنفس، كما صُوِّر في فيلم "النوم في العسل" الذي ألفه وحيد حامد (1996)، إذ انتحر العريس عندما لم يقدر على ممارسة الجنس في أول مرة مع العروس بسبب ضعف الانتصاب، فكان الموت له أهون من مواجهة العروس والأهل بعد ذلك.

أعداد ليست قليلة في  مجتمعنا لا يمارسون الجنس في بدايات المراهقة وعندما تطول هذه الفترة لعدة أسباب اقتصادية أو اجتماعية إلى ما بعد 35 عامًا يشعر المرء أنه تقاعس. سن 35 محورية لأن أعلى نسبة زواج في مصر تكون بين الفئة العمرية من 25 إلى 30 عامًا، لذلك عندما يتجاوز الرجل في مجتمعاتنا هذه الفترة بسنوات، يشعر أنه أخفق في اللحاق بأقرانه.

 لا شك أن المرأة في مجتمعنا العربي تعاني بشكل كبير مع سؤال العذرية، ولكن الرجل يعاني أيضًا، فإذا لم يمارس الجنس يُطلَق عليهم "خامًا" ويشعر أنه غير قادر على الانسجام مع من حوله، إما إذا مارس الجنس خارج إطار الزواج فينبذه البعض لأنه مارس فعلًا مخزيًا أو "حرامًا". فكثيرًا ما يوضع الجنس في مجتمعاتنا في تابوت، فلا يمتلك الكثير من الشباب المعرفة الصحية اللازمة عن هذا الموضوع.

العذرية.. قرار شخصي

تعريف العذرية لدى الرجال يميل إلى الاتجاه الجسدي، فالشائع أن الرجل الأعذر هو من لم يمارس الجماع من قبل، ولكن هذا لا يمكن إثباته بفحص أو دليل مادي، ولا يعتمد إلا على سردية الرجل عن ذاته، وثقة من حوله فيه.

في نهاية جلسة الأصدقاء وصلنا إلى أن العذرية صورة ذهنية لدى كل شخص منا وتتغير باختلاف البيئة والنشأة وصورته عن نفسه وعن شريكه، وكسر حالة العذرية هو قرار شخصي ويستلزم موافقة حرة، وعلينا أيضًا تفهم أن تعريف العذرية متباين، واستيعاب هذا التباين يساعدنا على تكوين علاقات صحية أكثر.

لذلك على المستوى الفردي يفضل عند اختيار الشركاء اختيار أشخاص يتوافق تفكيرهم مع تفكيرنا وقيمنا الثقافية، ويتوافق أيضًا تعريفهم للعذرية مع تعريفنا.

أما على المستوى المجتمعي فعلينا أن ندرك أن غياب الثقافة الجنسية لا يصنع رجالًا خبراء في الجنس، ولا يجعل من الرجال الآخرين عذارى، إنما يؤدي إلى وجود رجال حائرين بين التجربة الفعلية التي تجعلهم يكتشفون أنفسهم والآخر، وبين الخرافات الرائجة والمواد الإباحية التي تعطي تصورات غير واقعية ومزيفة، لتظل الحياة الجنسية مليئة بالتوتر والقلق لعدم دراية الشركاء بأنفسهم والآخرين.

* الأسماء مستعارة بناء على رغبة المصادر