
مقالات
هل يمكن أن تمنعك العذرية من الدخول في علاقة عاطفية؟
2025-03-06تروي مريم أحمد*، 38 عامًا، قصتها كالتالي:
"أنا قعدت سنين طويلة جدًا بخاف من جسمي، بخاف منه ومش بلمسه وطبعًا أعضائي الجنسية مش بقرب منها، وبعدين سبت بيت أهلي والتوقيت ده ف حياتي خدت قرارات كبيرة فيه عمومًا، بس خروجي من بيت أهلي خلى عندي مساحة من الاستقلالية وبدأت أفكر في علاقتي بجسمي وخوفي منه وأنه لغاية امتى هتفضل علاقتي بجسمي كده؟… ما اظنش أن الأشخاص بتفقد عذريتها بموافقتها من غير ما يعدوا بمرحلة تغيير حقيقي وتفكير كمان طويل لأنه قرار ليه توابع طبعًا".
يعتبر مفهوم العذرية موضوعًا حساسًا ومعقدًا في مجتمعاتنا العربية، تتداخل فيه الجوانب الثقافية والاجتماعية والنفسية. ويؤثر مفهوم العذرية على العلاقات العاطفية بشكل كبير، حيث يمكن أن يتسبب في اتخاذ قرارات حاسمة من قبل الأفراد، سواء كانوا رجالًا أو نساء. في هذا المقال، سنتناول تأثير العذرية على العلاقات، ونستعرض المخاوف التي قد يواجهها الشركاء، وكيف يمكن أن تؤثر هذه العوامل على الديناميكيات العاطفية.
مفهوم العذرية
العذرية تُعرَّف غالبًا على أنها حالة عدم ممارسة الجنس، لكنها تتجاوز ذلك لتشمل جوانب نفسية وثقافية واجتماعية ودينية. يختلف تعريف العذرية من ثقافة إلى أخرى، حيث يعتبرها البعض عنصرًا من عناصر الشرف، بينما ينظر إليها آخرون كخيار شخصي.
في كثير من المجتمعات وخاصة في المجتمعات العربية يسيطر هوس العذرية على الأفراد ويعرقل خياراتهم الشخصية، حيث يرتبط مفهوم العذرية بالضغوط الاجتماعية التي تحث الأفراد على الحفاظ على عذريتهم حتى الزواج.
تعتبر العذرية أيضًا موضوعًا يثير الكثير من الجدل، فبينما يُنظر إليها كمصدر للفخر في بعض الثقافات، تُعتبر في ثقافات أخرى عبئًا نفسيًا. هذا التباين في الآراء يحثنا على البحث لفهم كيفية تأثير العذرية على العلاقات.
وللعذرية ميزان ثقيل في السياق الاجتماعي وخاصة للنساء في المجتمعات المحافظة، حيث تعتبر علامة من علامات البراءة والنقاء والعفة.
وفي سياقات اجتماعية أخرى يحتفي الأشخاص بفقدان العذرية حيث يعبر ذلك عن وجود حياة جنسية للفرد.
فالعذرية مفهوم مركب ومختلف حسب السياق الاجتماعي والشخصي والديني أيضًا، وهو ليس تعريفًا جامدًا بل أنه متغير حسب القناعات الفردية والشخصية.
في قصة مريم يظهر بقوة كيف كان فقدان العذرية قرارًا شخصيًا بعد فترة من الاستقلال، وهو ما يؤكد أن مفهوم العذرية متغير، فمريم نفسها لم تكن لتتخذ قرارات متعلقة بالعذرية في سن أصغر وظروف اجتماعية مختلفة.
تأثير العذرية على العلاقات
يحكي علي إبراهيم، 30 عامًا، ويقول:
"أنا اتجوزت مراتي وهي مش عذراء، عمومًا يعني ده ما كانش فارق معايا في حاجة، لما كنا متصاحبين قبل الجواز حكتلي على تجاربها السابقة وأنا كمان حكيتلها، وده ما كانش بيمثلنا احنا الاتنين أي شيء وبالتالي ما وقفناش أصلًا عند الموضوع، بس هي حكتلي أن أهلها سألوها تاني يوم جواز إيه الأخبار وهي قالتلهم كله تمام وخلاص الموضوع خلص".
لم يكن للعذرية وزن في علاقة علي بزوجته ولكن هذا ليس الشائع في مجتمعاتنا العربية، فيمكن أن تلعب العذرية دورًا حاسمًا في اتخاذ قرارات النساء والرجال بشأن الاستمرار في العلاقة أو الانفصال. بعض الشباب قد يشعرون بالضغط المجتمعي أو الشخصي الذي يجبرهم على اشتراط العذرية في الشريكة، ما يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات، فقد تكون عذرية الشريكة معيارًا في تقييم العلاقة من قبل بعض الشباب، في حين أن آخرين قد يتجاهلون هذا العامل.
على الجانب الآخر، تشعر الفتيات أحيانًا بأن عذريتهن هي ما يُحدد قيمتهن في نظر الشريك. قد يؤدي هذا الوعي إلى ضغوط إضافية، حيث تخشى الفتيات من ردود فعل الشريك إذا فقدن عذريتهن قبل الزواج، ويمكن أن تتسبب هذه الضغوط في اتخاذ قرارات غير مدروسة قد تؤثر على صحتهن النفسية والعاطفية، فمثلًا قد يدفع فقدان العذرية الفتيات إلى الموافقة على الزواج دون وجود توافق، أو يدفعهن إلى التنازل عن حقوقهن لأنهن فقدن عذريتهن، أو يتعرضن لاستغلال من الشريك يعصف بصحتهن النفسية.
تخوفات النساء
تحكي آلاء عامر، 22 عامًا، وتقول:
"أنا ما سبقش ليا اني مارست الجنس قبل كده، لما ارتبطت كنت بحضن صاحبي أو أبوسه وخلاص، وما اظنش اني هقدر أعمل ده في يوم من الأيام من غير جواز، أنا شايفة أنه حرام أعمل ده وحتى لو مش حرام فهو ليه عواقب زي الحمل مثلًا وأنا ما احبش اتحط في موقف زي ده من غير جواز رسمي".
تواجه الفتيات العديد من المخاوف المرتبطة بالعذرية، منها:
- القلق من فقدان العذرية
قد يؤثر هذا القلق على ثقة الفتاة بنفسها وقدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة. الخوف من فقدان العذرية يمكن أن يؤدي إلى شعور بالذنب أو العار، مما يزيد من الضغط النفسي.
- ردود فعل الشريك
تخشى الفتيات من كيفية استجابة الشريك في كل ما يتعلق بعذريتهن. قد تكون هناك مخاوف من فقدان الشريك أو تعرضهن للانتقاد، مما يزيد من الضغوط النفسية.
الضغوط الاجتماعية
كما ذكرنا سابقًا أن العذرية هي مفهوم فردي وعليه فهو يؤثر في حياة كل فرد بشكل مختلف، ويتباين هذا التأثير على حسب التزام الشخص باتباع العادات والتقاليد المجتمعية.
في قصة آلاء، نرى كيف ترفض فقدان عذريتها لأسباب اجتماعية ودينية، تمنعها تلك الضغوط من أن تحظى بحياة جنسية، لكنها تستسلم أيضًا لتلك الضغوط لأن وازعها الديني قوي.
تعاني الفتيات من ضغوط مجتمعية تتعلق بالعذرية، وقد يشعرن بأن الخيارات المتاحة أمامهن محدودة بسبب هذه الضغوط، التي يمكن أن تؤدي أيضًا إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة، كالدخول في علاقات غير صحية أو عدم التعبير عن مشاعرهن الحقيقية.
العذرية والعلاقات العاطفية
تؤثر العذرية أيضًا على الرغبة في الالتزام. قد يشعر البعض بأن الحفاظ على العذرية يُعزز من قيمة العلاقة، بينما يرى آخرون أن العذرية ليست شرطًا أساسيًا للالتزام. هذا الاختلاف في الرؤى يمكن أن يؤدي إلى توترات في العلاقات.
في بعض الحالات، قد يؤدي الحفاظ على العذرية إلى تأخير الدخول في علاقات جادة، حيث يشعر الشاب أو الفتاة بالقلق من كيفية التعامل مع هذه المسألة.
بعض الشباب قد يتجنبون الارتباط بشريكة فقدت عذريتها، بينما قد تشعر الفتيات بأنهن ملزمات بتقديم تنازلات للحفاظ على العلاقة.
على الرغم من أن الامتناع عن النشاط الجنسي قد يمنح بعض المزايا الصحية، إلا أن بحسب دراسة بحثية فالتأخر في الانخراط في النشاط الجنسي قد يؤدي إلى عواقب سلبية بين الأشخاص مثل الفرص المحدودة للعلاقات الرومانسية.
لا تدعو الدراسة الشباب إلى الانخراط في الأنشطة الجنسية وممارسة أكبر قدر ممكن من الجنس إذا كنت تريد العثور على الرومانسية، ولكنها تؤكد على معنى النشاط الجنسي وأهميته وأن الدور الاجتماعي للرجل والمرأة يتغير بشكل جذري.
نصائح للتعامل مع الضغوط المرتبطة بالعذرية
تشغل العذرية مساحة كبيرة من تفكير الشباب والفتيات، وفي حين أن وجودها من عدمه قد يعرقل دخول الأشخاص في العلاقات العاطفية ويعطل حياتهم الجنسية، إلا أن هناك بعض النصائح التي قد تساعد في تجاوز هذا الأمر ومنها:
- تعزيز الثقة بالنفس: يجب على الشباب والفتيات العمل على بناء ثقتهم/ن بأنفسهم/ن، وعدم السماح لضغوط المجتمع بتحديد اختياراتهم، فعلى الرغم أن قرار الانخراط بعلاقة جنسية يترتب عليه الكثير من الأمور، إلا أن تعزيز الثقة بالنفس يضع حدًا لضغوط المجتمع ويوفر على الفرد الكثير من الصراعات. وبحسب نتائج دراسة بحثية، شهد المشاركون في نشاط جنسي لأول مرة زيادات في الجاذبية الرومانسية والرضا الجنسي. بالإضافة إلى ذلك، بعد الممارسة الجنسية لأول مرة، شعر المشاركون بقدر أقل من الاكتئاب والقلق، واستخدموا الكحول والمخدرات بشكل أقل.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن قرار الانخراط في علاقة جنسية يترتب عليه كثير من النتائج وخاصة في المجتمعات المحافظة، لذا يجب توخي الحذر والتأني في اتخاذ القرار وعدم الاستسلام للضغوط التي قد يمارسها الشركاء.
- التواصل المفتوح: يُعتبر التواصل الصادق والمفتوح بين الشريكين أمرًا حيويًا لتجنب سوء الفهم والمشاعر السلبية. يجب أن يشعر الشركاء بالراحة في مناقشة الموضوعات التي تتعلق بالعذرية والضغوط المرتبطة بها.
- التثقيف الجنسي: تعزيز المعرفة حول العذرية والحياة الجنسية يمكن أن يُساعد الشباب على اتخاذ قرارات مدروسة. يجب أن يكون التعليم الجنسي شاملًا ويتضمن موضوعات تتعلق بالعذرية، وممارسة الجنس، والعلاقات العاطفية.
إن تأثير العذرية على العلاقات موضوع معقد يتطلب فهمًا عميقًا للعوامل النفسية والاجتماعية، ولا تضيف العذرية قيمة للشريك أو الشريكة ولا يعتبر فقدانها تدنيًا أخلاقيًا، إنما هي قرار فردي مستقل يتخذه الأفراد ويتحملون تبعاته جميعها، فعلى الرغم من محاصرة الضغوط الاجتماعية النساء والرجال وتحكمها في حياة الأفراد الجنسية، إلا أن النصائح السابقة قد تساعد الأشخاص للتصدي إلى تلك الضغوط.
ولكن علينا أن نضع في الاعتبار أن النساء تعاني في مجتمعاتنا العربية أكثر من الرجال بسبب الميراث والتقاليد الشائعة حول مفهوم العذرية، وقد يدفع بعضهن ثمن الانخراط في نشاط جنسي، لذا يجب دائمًا التريث عند اتخاذ القرار لضمان سلامتهن الشخصية.
* جميع الأسماء مستعارة بناء على رغبة المصادر
مقالات شبيهة


