لحياة جنسية بلا توتر.. حبوب منع الحمل الطارئة

2025-05-14

بقلم : لينا ناصر الدين

 

هل تَعَرَّضتِ إلى موقف مشابه؟

 

هل انقطع الواقي فجأة أثناء الممارسة الجنسية، ثم قضيتِ اليوم كله في حساب احتمالية الحمل، ثم فكرت بالطرق المختلفة للتخلص منه؟

 

لست لوحدك، نساء كثيرات يقعن بنفس المشكلة كما تقول الأرقام. في سنة 2012، سُجِّلَت 213 مليون حالة حمل عالميًا، 85 مليون منهم كانت غير مقصودة. نصف هذه الحالات انتهى بالإجهاض، و3% بولادات غير مخطط لها، و13% بخسارة الحمل تلقائيًا (إسقاط الحمل).

 

لكن خياراتك لا يجب أن تقتصر على الإجهاض أو الولادة غير المرغوبة، فبعد قرن من الأبحاث والمعارك القضائية؛ توَفَّرَت للنساء حلول أخرى آمنة وسهلة الاستخدام مثل وسائل منع الحمل الطارئة. وتُعرَف أحيانًا بأسمائها التجارية مثل "Plan B"، و"Ella"، وغيرها. 

 

ما هي حبوب منع الحمل الطارئة؟ وكيف تطورت؟

 

تتكون حبوب منع الحمل الطارئة من مركبات اصطناعية، تُعرَف بأسمائها العلمية، مثل ليفونورجيستريل ويوليبريستال، تشبه في طريقة عملها الهرمونات الأنثوية: حيث يُصرَف النوع الأول بلا وصفة طبية، أما الثاني بوصفة طبية في العديد من دول العالم؛ لاختلاف طريقة عمله، وتفاعلاته الدوائية، وتأثيره المتباين على الفئات المختلفة. 

 

تعمل هذه الحبوب عن طريق زيادة سماكة مخاط عنق الرحم أو تغيير بطانة الرحم أو منع وتأخير الإباضة؛ مما يمنع وصول الحيوانات المنوية إلى البويضة وتلقيحها. تصل فعالية النوع الأول إلى 99% إذا تناولته المرأة في الساعات الأولى بعد العلاقة، وتتراجع الفعالية مع مرور الوقت ويمكن تناوله حتى 72 ساعة (3 أيام)، أما النوع الثاني فلا تتأثر فعاليته حتى 120 ساعة (5 أيام). 

 

من المهم أن نعرف أن هذه الحبوب لا تُسبب الإجهاض، ولا تؤثر على بويضة مخصبة أصلًا. ومن جهة أخرى، هي لا تحمي من الأمراض المنقولة جنسيًا (الواقي الذكري أو الأنثوي هو الوسيلة المُثلى لذلك).

 

الجذور العلمية: من التجارب الحيوانية إلى الاستخدام البشري

 

تعود جذور وسائل منع الحمل الطارئة الحديثة إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما اكتشف الباحثون تأثير مستخلصات المبيض المحتوية على الإستروجين على الحمل في الثدييات؛ فاستُعملَت على الكلاب والخيول التي تزاوجت لمنع تكاثرها. في الستينيات، ظهرت بعض الأبحاث عن الموضوع، وأُعطيَت الحبوب لنساء تعرضن للاغتصاب.

 

أما في السبعينيات، استُخدم لأول مرة خليط من الهرمونات الصناعية من الإستروجين والبروجستين، وظل مستخدمًا حتى تم تطوير ليفونورجيستريل (الهرمون الصناعي المشابه للبروجستين). وفي ذات الفترة، تم تطوير اللولب النحاسي، وهو الخيار الطارئ الوحيد غير الهرموني، لكنه يحتاج إلى اختصاصي/ة لتركيبه بعد العلاقة الجنسية، ويعمل بطريقة مشابهة للحبوب.

 

وفي عام 1984، كانت المملكة المتحدة أول بلد يشرع استخدامها، لتلحقها بلاد أخرى وتنتشر في معظم دول العالم بقوانين وتشريعات مختلفة.

 

كيف تعمل؟ ومتى تستشيرين الطبيب/ة؟

 

بالرغم من أن هذه الحبة العظيمة أعطت النساء سلطة أكبر على أجسادهن، إلا أنها غير مناسبة للجميع؛ فزيادة الوزن تقلل من فعالية حبوب ليفونورجيستريل، لكنها لا تؤثر على النوع الثاني. أما بالنسبة للولب النحاسي فهو خيار فعال حتى 5 أيام بعد العلاقة الجنسية، ويمكن تركه لفترات طويلة تصل إلى 10 سنوات، لكنه غير ملائم للنساء اللواتي لديهن أكثر من شريك جنسي بسبب خطر الإصابة بالتلوث أو الالتهاب الجنسي.

 

 

من المهم استشارة الطبيب/ة أو الصيدلاني/ة إذا كنت تستخدمين نوعًا آخر من وسائل منع الحمل العادية ونسيت تناولها أو أخطأت بطريقة استعمالها، لتتأكدي كيف تتناولينها ثانية بشكل آمن.

 

هناك أيضًا فئات أخرى يجب أن تستشير الطبيب/ة لمعرفة النوع المناسب لها، مثل المرضعة، أو المصابة بأنواع معينة من السرطان (مثل سرطان الرحم)، أو المصابة بمتلازمة نقص المناعة المكتسب (HIV)، أو بمتلازمة فاكترل، أو من تعاني من اضطرابات في الكبد، أو حساسية تجاه بعض المكونات، أو من تتناول أدوية تؤثر في فعالية الحبوب، مثل بعض أدوية الاكتئاب أو الصرع.

 

هذه الحبوب قد تتسبب ببعض الآثار الجانبية الخفيفة والمؤقتة، المشابهة لوسائل منع الحمل المعتادة، مثل:

 

  • الغثيان
  • ألم في البطن
  • إرهاق
  • صداع
  • تغيرات في الدورة الشهرية
  • حساسية الثدي
  • الشعور بالدوخة

 

لكن إذا حدث نزيف شديد مع ألم في المعدة، أو نزول دم متقطع وغير طبيعي، من المهم مراجعة الطبيب/ة لمعرفة السبب.

 

فما الجرعة المناسبة؟

 

لا توجد إجابة واحدة، فهي تختلف من نوع إلى آخر. من المهم قراءة النشرة المرفقة (ولا نرميها مثل العادة!)، لأنها قد تكون حبة واحدة فقط أو حبيتن بتركيز أقل تؤخذان بفارق 12 ساعة. وإذا حدث استفراغ خلال أول 2-3 ساعات، يجب تناول الجرعة مرة أخرى.

 

في بعض الأحيان، عندما يتعذر الوصول لحبوب منع الحمل الطارئة بسبب سعرها (يتراوح ما بين 11 -50 دولار) أو لعدم الموافقة على تداولها في بعض الدول، تلجأ النساء إلى استعمال حبوب منع الحمل العادية بتراكيز عالية تختلف حسب النوع، تجد في هذه القائمة أشهر الأنواع. عندما يتعذر عليك إيجاد الاسم التجاري، يفضل سؤال الصيدلاني/ة أو الطبيب/ة عن الجرعة المناسبة.

 

التحديات القانونية والمجتمعية

 

هل تعرف النساء في العالم العربي عن هذه الحبة العظيمة؟ الحقيقة لا الرجال ولا النساء يعرفون عنها الكثير. الأردن كمثال، حسب مسح السكان والصحة الأسرية لسنة 2017، فقط 28% من السيدات المتزوجات المشاركات في المسح سمعن بوسائل منع الحمل الطارئة، و18% من الرجال. 

 

المسح لا يغطي اعتقادات أو احتياجات النساء غير المتزوجات، وهي من المحظورات التي نحتاج إلى العديد من المقالات للتحدث عنها.

 

القطاع الطبي ليس أفضل حالًا؛ فبحسب دراسة شارك بها 100 صيدلاني وصيدلانية عام 2016 في أماكن مختلفة في الأردن، تَبيَّن وجود نقص في المعرفة بجميع وسائل منع الحمل الطارئة، فضلًا عن المعلومات المغلوطة حول فعاليتها وبروتوكولات استخدامها. لكن الشيء الإيجابي، حسب نفس الدراسة، أنه بعد شرح طريقة عملها أبدى الصيادلة حماسة تجاهها وتجاه بيعها.

 

هناك العديد من الأسباب التي قد تفسر الأرقام السابقة، منها أسباب عامة تنطبق على الكثير من مواضيع الصحة الجنسية مثل قلة التربية الجنسية في المدارس، ونقص المحتوى باللغة العربية وإن وُجِد فهو مليء بالمغالطات، إضافة إلى جزء آخر مهم وهو القوانين والأنظمة.

 

 

القوانين في العالم العربي

 

في جولة سريعة على القوانين الناظمة للإعلانات على جوجل وجدت أنه يمنع عرض الإعلانات المتعلقة بمنتجات منع الحمل أو الخصوبة في 23 بلدًا، 17 منهم عربية! وهذه عينة من المعلومات التي جمعتها عبر الانترنت بالإضافة إلى شهادات من نساء من كل دولة، مما يُظهِر تباينًا كبيرًا بين التشريع والتطبيق (لحسن الحظ): 

 

  • الإمارات العربية المتحدة: الوصفة الطبية ليست مطلوبة لشراء حبوب منع الحمل في دبي والإمارات الشمالية (أي الشارقة، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة، والفجيرة)، إلا أنها مطلوبة في أبو ظبي. عند الاتصال بالصيدليات، تأكدتُ أن الوصفة الطبية غير مطلوبة لشراء الحبوب العادية أو الطارئة.
  • السعودية: تتوفر حبوب منع الحمل العادية والطارئة لكنها تتطلب وصفة طبية بحسب عدة صيدليات تواصلت معها. مع ذلك، أكدت بعض النساء تمكنهن من شراء حبوب منع الحمل دون أن يكنّ متزوجات أو يحملن وصفة طبية أو شهادة زواج. 
  • تونس: أصبحت حبوب منع الحمل الطارئة قانونية عام 2001، وبعد 4 سنوات أصبحت متاحة بدون وصفة طبية، مثلها مثل حبوب منع الحمل العادية. يمكن شراؤها من الصيدليات أو من خلال برامج تابعة للاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة. 
  • المغرب: أصبحت حبوب منع الحمل الطارئة قانونية عام 2008، ويمكن شراؤها من الصيدليات بدون وصفة طبية وفقًا لتجارب عدد من النساء هناك. الوصفة الطبية بحسب القانون المغربي ضرورية، لكن غالبا لا تُطلَب.
  • الأردن: متاحة منذ عام 2023، وهي متوفرة في الصيدليات. حسب القانون الأردني فالوصفة الطبية ضرورية لشراء حبوب منع الحمل العادية والطارئة؛ لكن نادرًا ما يُسأَل عنها للحبوب العادية، أما بالنسبة لحبوب منع الحمل الطارئة فتباينت تجارب النساء هناك بين من يطلب وصفة ومن لا يطلب.
  • لبنان: تتوفر حبوب منع الحمل العادية والطارئة في البلد، وحسب القانون هناك نوع واحد من حبوب منع الحمل الطارئة يوصف بلا وصفة. لكن النساء يشترين كل الحبوب عادة بلا وصفة طبية.
  • مصر: تتوفر حبوب منع الحمل العادية والطارئة في البلد، وحسب القانون تُصرَف حبوب منع الحمل العادية والطارئة بوصفة طبية. لكن النساء يشترينهن غالبًا بلا وصفة طبية.

 

الخاتمة: خيارك، حقك

 

بالنهاية، كتبت هذا المقال لأؤكد لكل امرأة أن لديها خيارات. ورغم أن موضوع الحمل والولادة شراكة، إلا إن النساء هُنّ الفئة الأكثر تأثرًا بالحمل وتبعاته على حيواتهن. حبوب منع الحمل الطارئة ليست رفاهية، بل هي جزء من الحقوق الصحية والجنسية التي نصّت عليها الاتفاقيات الدولية وأهداف التنمية المستدامة التي صادقت عليها كل دول العالم.

 

هي مثل الشمعة التي نحتفظ بها في البيت لوقت الطوارئ إذا انقطعت الكهرباء. ليس بالضرورة لنستخدمها، لكن وجودها مهم لوقت الحاجة!

مقالات شبيهة

تأثير التغير المناخي على صحتنا الجنسية والإنجابية
تأثير التغير المناخي على صحتنا الجنسية والإنجابية
المزيد ...
ملخّص بانواع وسائل منع الحمل ونسبة نجاحها
ملخّص بانواع وسائل منع الحمل ونسبة نجاحها
المزيد ...