
مقالات
الاغتصاب الزوجي.. جريمة تحميها الثقافة المجتمعية
2025-03-25"كنت صغيرة ولا أعي ما يحدث معي حين أخبرتني أمي أن عليَّ القبول بطلبات زوجي الجنسية حتى لا يهجرني". أخبرتنا سلمى عادل* البالغة من العمر 22 عامًا قصتها وهي ترتجف كأنها تسترجع مشاهد مؤلمة.
قررت سلمى خلال العام الماضي أن تتخلص من كل مخاوفها وتتجه إلى مؤسسة نسوية طالبة الدعم والمشورة القانونية، بعد استمرارها لنحو 7 سنوات في إقناع أسرتها أنها تتعرض لممارسات غير طبيعية أثناء علاقتها الحميمية مع الزوج، تصل إلى حد الضرب والإجبار على ممارسة العلاقة وإصابتها بجروح تبقيها في الفراش لأيام متصلة.
سلمى ليست الوحيدة التي عانت من الاغتصاب الزوجي وآثاره السيئة التي تمتد لسنوات في ذاكرتها، خاصة مع رفض المجتمع المحيط بها الاقتناع بأنها تتعرض لعنف، وتشجيعها على تحمله والقبول بما يحدث لها من انتهاكات.
تعرف الأمم المتحدة الاغتصاب الزوجي على أنه ولوج مهبلي أو شرجي أو فموي بطابع جنسي غير توافقي، ويقرن عادة برفض أحد الطرفين، لذلك يطالب الكثيرون حول العالم بتجريمه.
لا تجرم مصر الاغتصاب الزوجي رغم ما تعانيه النساء من آثاره الكارثية على صحتهن الجسدية والنفسية، وفق ما أكدته المحامية بالنقض هبة عادل، رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، في حديثها معنا. ترى عادل أن طريقة تعامل البرلمان المصري مع الاغتصاب الزوجي منغلقة، كاشفة أن قوة عمل القانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأة المكونة من عدة مؤسسات حقوقية نسوية طالبت بتجريم واضح للاغتصاب الزوجي ولكي يتم تبني عرض مشروع القانون المقدم وقبوله طولبوا بحذف النصوص المتعلقة بهذا الأمر وهذا ما حدث بالفعل، ونتج عنه قبول المقترح المقدم وكأن "الاغتصاب الزوجي" أمر غير ملح، والسبب في ذلك أن هناك موقفًا برلمانيًا من التعامل معه لكونه من القضايا الشائكة.
وحتى الآن لا توجد أية مناقشات بشكل قانوني أو غير رسمي في البرلمان بشأنه بل أن هناك بعض الآراء التي تستند إلى رؤية دينية سطحية ومنها أن العلاقة بين الزوجين مصنوعة برباط مقدس وكسرها بممارسة على غير رضى أحد الأطراف لا يرقى لمستوى الاغتصاب ولكنه رفض للعلاقة يترتب عليه إنهائها.
كما أن مصر ليست الوحيدة التي لم تعمل على وضع تجريم واضح للاغتصاب الزوجي. وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة هناك 43 دولة لا تتناول تشريعاتها المحلية قضية الاغتصاب الزوجي.
ففي لبنان يتم التعامل القانوني مع الوقائع تحت شعار "لا جرم بدون نص ولا عقوبة بدون نص"، وفق ما قالته محامية الاستئناف غدير أحمد، مؤسسة ومديرة مبادرة معا أقوى، في حوارها معنا، مؤكدة أن الاغتصاب جريمة يعاقب عليها القانون باعتباره إكراه غير الزوج بالعنف والتهديد على الجماع ويعاقب عليه بالأشغال الشاقة لمدة 5 سنوات على الأقل، ولكن هذا لا ينطبق على الاغتصاب الزوجي.
أضافت غدير أن قانون العقوبات لا يدرج الأزواج في تلك الجريمة، وحتى بالرجوع لقانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري (قانون العنف الأسري رقم 204/2020) لا يوجد تجريم له وعادة ما يستند للأضرار المرافقة للاغتصاب الزوجي كالضرب والكدمات وغيرها من الأمور التي تثبت بتقرير طبي، وهنا تتم المعاقبة على الإيذاء المرافق له دون الاعتداد بوجود اغتصاب زوجي.

وعلى الرغم من وجود صحوة تشريعية في تونس لحماية النساء ومنها قانون العنف الممارس على النساء والصادر في عام 2017، وإقامة فرع أمنى باسم العنف ضد المرأة في كل معتمدية يمكن للنساء اللجوء له، إلا أن محامية تونسية، رفضت ذكر اسمها لأمانها الشخصي، أكدت أنه لا يوجد تجريم واضح للاغتصاب الزوجي تحديدًا.
وهناك طفرة في حقوق النساء في المغرب فقد تمت مراجعة مدونة الأسرة في عام 2004 وتلاها مراجعة أخرى في العلاقات الرضائية والقبول بها دون وثيقة زواج بحسب ما أكدته مقصود الزيتونية، رئيسة جمعية "بينهن" للنساء المقاولات لجهة مراكش آسفي، التي أوضحت أن القانون الجنائي يعاقب على الجرائم الجنسية مثل الاغتصاب والتحرش، إلا أنه لا يحتوي على أية نصوص تتعلق بالاغتصاب الزوجي.
تضيف مقصود أن الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي واضح فـ "كل من اغتصب شخصًا بالقوة، أو بالتهديد، أو بالإكراه، يُعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات"، إلا أنه لا يوجد نص صريح يعالج حالة الاغتصاب داخل الزواج بشكل منفصل أو يحدد العقوبات المتعلقة به.
وهناك دول تعاني تحت وطأة الحروب والنزاعات ويمارس فيها العنف بشكل أكثر تعقيدًا ومنه الاغتصاب الزوجي دون أى تصور عن التشريعات الرادعة للجرائم بشكل عام، وأكدت فريدة المحمد* العاملة بإحدى المؤسسات الحقوقية السورية، أنه لا يوجد تجريم بسوريا للاغتصاب الزوجي، معتبرة أن الوضع المحلي مزر للغاية والنساء به يعانون من أبشع أنواع العنف بلا أي حماية لهن.
وأرجعت ذلك لتحكم العديد من الفصائل في الأمر وعدم وجود حكومة واضحة أو إطار قانوني يحتكم إليه الأفراد وهو ما ترتب عليه ارتفاع وتيرة الاعتداءات والانتهاكات، وتزيد هذه الانتهاكات مع النساء، لكونهن الطرف الأكثر هشاشة في تلك المناطق.
ثقافة المجتمع تبارك الاغتصاب الزوجي
روت سلمى "ضحية الاغتصاب الزوجي التي سبق وأشرنا إليها" أنها ذهبت بعد الزواج بشهر لتخبر أمها أن زوجها يجبرها على ممارسة العلاقة الحميمية ويضربها، وأخبرتها والدتها أن هذا طبيعي".
وفي أحد الأيام ذهبت لبيت أمها مصابة بكدمات وأخبرتها أن زوجها غير طبيعي، فما كان من أمها سوى أن قالت: "داري على شمعتك دى رجولة"، ولم تفهم تلك العبارة ولكنها اضطرت للقبول والعودة ومع مرور الوقت وجدت صديقاتها من النساء يروين ماذا تعني تلك "الرجولة"، أو ما وصفوه بـ "الفحولة"، ولمست أن عددًا منهن لا يقبل بها وأخريات يتمنونها وكأن الأمر مختلف عليه.
وأوضحت لنا استشارية العلاقات الأسرية نادية جمال، أن أزمة الاغتصاب الزوجي أنه يحول العلاقة التي تتوج مشاعر الطرفين وتجسد المحبة والاحتواء والأمان لمصدر خوف وتوتر بل وإيذاء نفسي وبدني، والسبب غياب الثقافة الجنسية، مؤكدة أنها استقبلت حالات عديدة في عيادتها تعاني من تلك الانتهاكات ومنها حالة فتاة استخدم زوجها معها العنف لفض غشاء البكارة في ليلته الأولى تحت ضغط الأهل، مما أسفر عن إصابتها بصدمة رافقتها لأكثر من عامين تمنعها كليًا عن إتمام أية محاولة لممارسة العلاقة الحميمية معه.

واعتبرت نادية أن النساء لا يتحدثن عما يشعرن به داخل العلاقة لأنهن لا يعين أن من حقهن فعل ذلك، وعدد منهن يتجهن إلى لاستمتاع الذاتي "العادة السرية" كسبيل تعويضي عن رغبتهن التي لا تتحقق مع الشريك، مؤكدة أن الكثيرات بالفعل يتعرضن للاكتئاب ويكرهن جسدهن وأنوثتهن بسبب تلك الممارسات.
وسلمى لم تكن تقبل بالعلاقة الحميمية لخوفها من ممارسات الزوج وأخبرته بذلك فضربها قائلًا لها: "مش بمزاجك"، وهنا قررت أن تغادر بيت الزوجية وهو ما لم تقبله أسرتها لأنه يحصل على حقه الشرعي وأجبروها على العودة إليه.
اللجوء إلى التقاضي في جرائم الاغتصاب الزوجي
تجبر الكثيرات على القبول بما يمارس عليهن من عنف لخوفهن من الوصم الاجتماعي وهو الأمر الذي يعرض أرواحن في بعض الأوقات للخطر، ففي مصر أكدت المحامية هبة عادل، أن النساء لا يقدمن شكاوى قضائية في مسألة الاغتصاب الزوجي لأنه لا يعد جريمة ولا عقاب عليه وبشكل عام نسبة البلاغات في قضايا العنف الواقع على النساء متدنية.
كاشفة أنهم في مؤسسة المحاميات المصريات يستقبلون عددًا من الشاكيات الراغبات فقط في معرفة الإطار القانوني وأن عددًا منهن لا يرين أن تلك الممارسات عنف ولكنهن يتضررن منها معتبرة أن هناك ثقافة سائدة أقوى من أنين النساء اللائي يرين أنهن مذنبات وملعونات حال رفضهن لأزواجهن لأنهن لا يرين، كما هو الحال بالنسبة للمجتمع، أن للمرأة أي حق في قبول أو رفض العلاقة الحميمية.
والأمر ذاته يتكرر في لبنان، فترى المحامية غدير أحمد أن المسلمين والمسيحيين اتفقوا في بلادها على عدم تفضيل الكشف عن العلاقات الشخصية، والأزمات الخاصة بالأسرة يتم التعامل معها في إطار الأسرة دون اللجوء للمحاكم، لأن هذا يعتبر أحد أنواع "الفضائح" خاصة في المجتمعات المحافظة لكونه يسيء لسمعة العائلة.
تضيف غدير أن المجتمعات الشرقية محافظة وتخاف على تكوينها، وتتأثر بفكرة الشرف والعار، ويدعم ذلك عدم وجود قوانين حامية أو حتى معرفة بالقائم منها، إلا أن لوجود القانون ضرورة فربما يساعد النساء على البوح والشكوى كما حدث عند إصدار قانون يجرم التحرش الجنسي الذي ساند الكثيرات وساعدهن على نيل حقوقهن وغياب القوانين تفتح المجال لسلطة الأسرة والأعراف.
ولا يختلف الوضع في تونس والمغرب عما يحدث بمصر ولبنان فالنساء يعانين في صمت لأن مجرد البوح بالانتهاكات التي تتم داخل جدران الأسرة أمر مرفوض وموصوم مجتمعيًا ويغذيه غياب القوانين، بينما في "سوريا" الأمر أكثر تعقيدًا لأن الكثيرات يرون أنه لا بديل أمامهن عن أسرهن نظرًا للأوضاع المضطربة هناك وبعضهن يجدن العنف تنفيسًا يقوم به الأزواج المقهورين بفعل النزاع والخطر والأوضاع الاقتصادية السيئة.
أما سلمى فقررت الإفصاح عن مخالفة زوجها للشرع الذي تستند إليه أسرتها وأخبرتهم أنه يجبرها على الإيلاج من فتحة الشرج وردة فعلهم كانت على غير توقعها فضربوها لأنها: "تفشي أسرار الفراش"، وهنا اتجهت إلى مسار التقاضي للخلاص منه.
* الأسماء مستعارة بناء على رغبة صاحباتها
مقالات شبيهة


