تحرش وأشياء أخرى.. معاناة الصحافيات في العالم العربي

تحرش وأشياء أخرى.. معاناة الصحافيات في العالم العربي

2025-03-06

بقلم : مرح الحصني

تُعد الصحافة من أكثر المهن تحديًا، لكنها تُصبح أكثر تعقيدًا بالنسبة إلى النساء في العالم العربي، حيث تواجه الصحافيات سلسلة من العراقيل، من التحرش إلى التمييز المهني والاجتماعي.

نستعرض في هذا التقرير قصصًا واقعية لصحافيات عربيات تحدثن عن معاناتهن في ميدان العمل الصحافي، مع استعراض الآفاق المستقبلية والحلول الممكنة لهذه المشكلات.

 

التحرش في بيئة العمل

 

‎"عبثًا لم أستطع إنهاء المحادثة إلا بوضعي بين خيارين إما ترك العمل وقطع مصدر رزقي أو أن أصبح الصديقة المقربة لرئيس التحرير".

بهذه الكلمات تلخص الصحافية اللبنانية سارة (45 عامًا) تجربتها المؤلمة التي دفعتها إلى مغادرة الصحافة نهائيًا ومنع ابنتها من دخول المجال نفسه. تعرضت سارة لتحرش لفظي وجسدي متكرر من مديرها في العمل، ما جعلها تشعر بعدم الأمان.

‎تشير الإحصائيات إلى أن ما عانته سارة ليس حالة فردية؛ إذ أظهرت دراسة لمؤسسة سمير قصير أن 90% من الصحافيات اللبنانيات تعرضن لمضايقات في العمل، بينما تعرضت 70% منهن لتحرش جنسي. كما أظهرت دراسة أخرى أطلقتها WAN-IFRA أن واحدة من كل ثلاث صحافيات في العالم العربي تتعرض للتحرش.

رغم هذه الأرقام المقلقة، تمتنع الكثير من الصحافيات عن الإبلاغ خوفًا من الفضيحة أو "التريند"، وفي هذا السياق تؤكد لنا سارة أن انسحابها من عالم الصحافة ليس ضعفًا وإنما حالة يأس من تحسن الوضع وخاصة أن معظم الصحافيات يخفن من الإبلاغ عن حوادث التحرش خشية الفضيحة، وتذكر تفصيلًا مهمًا دارجًا في ساحة السوشال ميديا قائلةً: 

"أخاف من التريند، وأخاف أن أصبح تريندًا إذا ما تحدثتُ بصوتٍ عالٍ عن التحرش وتعرضي لهُ في عملي الصحافي، لأن التريند بشكل من الأشكال هو فضيحة أونلاين سهلة التناقل، وأنا آسفة لأنني لن أصبح جزءًا من الحل الذي سيقف في وجه هذه التجاوزات، ليس لأن حياتي الشخصية أهم من المهنية، بل لأنني متأكدة أنني سأحارب في الساحة وحدي".

 

التفاوت في الأجور والمناصب

 

تُعد الفجوة في الأجور والترقيات بين الإناث والذكور إحدى أبرز المشكلات التي تواجهها الصحافيات. تحكي زينب (27 عامًا)، صحافية سورية، كيف درّبت شابًا دخل المؤسسة من خارج المجال الصحافي ليصبح مديرها خلال فترة وجيزة، وبراتب أعلى من راتبها.

وعن ذلك تقول زينب: "دربتهُ وأعطيتهُ كلّ خبراتي فأصبح مديري".

تشعر زينب بالإحباط من التبرير القائم على أن "الرجل أكثر قدرة على تحمل المسؤولية"، وتقول: "من المؤسف أننا ما زلنا حتى اليوم نعاني من مشكلة التفاوت في الأجور على أساس الجنس، ومن المؤسف أن يحدد أجري من خلال جنسي وليس من خلال جهدي".

 

التمييز بناءً على المظهر الخارجي

 

تروي نور (29 عامًا)، صحافية سورية، كيف تعرضت للتهميش بسبب ارتدائها للحجاب. تذكر كيف بذلت جهدًا لمدة يومين للإعداد لمقابلة مع وزير الكهرباء، ثم صُدمتْ بمنح فرصة اللقاء لزميلتها غير المحجبة.

وعن ذلك تقول نور: "كان من الجارح جدًا بالنسبة لي أن يتم ضرب جهدي بعرض الحائط، والحديث إليَّ بشكل مباشر عن موضوع الحجاب، دون النظر إلى العمل الذي بذلته، ودون أخذ حماسي اتجاه الموضوع بعين الاعتبار، ولكنني على يقينٍ تام أنني لستُ مضطرة إلى تغيير شكلي من أجل عملي، ولستُ مضطرة أن أقدم في سبيل العمل أكثر من خبراتي وجهدي ونشاطي، وأنا على قناعة أن النجاح لا يتطلب من النساء تقديم التنازلات مهما كان نوعها، وإذا تخليت اليوم عن حجابي في سبيل سير عملي، سأضطر بشكل من الأشكال أن أستمر في تقديم التنازلات المتواصلة".  

 

الاسم المستعار ووصمة المجتمع

 

في مصر، تضطر الصحافية أماني (23 عامًا) إلى نشر مقالاتها باسم مستعار لتجنب الإحراج الذي قد يسببه تناولها لمواضيع حساسة مثل الجنس ومجتمع الميم. تتحدث أماني عن المعاناة النفسية التي تواجهها بسبب نظرة المجتمع:

"في إحدى المرات قال أحد المقربين لوالدي إن مقالاتي تشير إلى أنني أعاني من اضطرابات، فيما تذيع إحدى السيدات في الحي أنني مسترجلة ولا أصلح أن أكون زوجة أو ربة منزل، لأنني كما أبدو لها أنشر أفكاري التحررية ونظرتي عن تجاوزات المجتمع، ومن تعترض على تقاليد المجتمع لا تصلح إلى أن تكون مربية فيه".

وتكمل قائلةً: "أنا أعلم حق العلم من أنا، وأعلم جيدًا تفاصيل المجتمع الذي أعيش فيه، وسأسعى إلى أن أكون جزءًا من التغيير مهما كان هذا التغيير بطيئًا، حتى لو اضطررت إلى العمل باسم مستعار طوال مسيرتي المهنية".

تشير هذه القصة إلى الحاجة إلى فصل الكاتب عن القضايا التي يطرحها، حيث يخلط المجتمع أحيانًا بين الواقع  والمرآة التي تعكسه.

 

آفاق للحلول

 

تُظهر التجارب التي بينَّاها سابقًا أن الصحافيات العربيات يواجهن تحديات عديدة، تمتد من التحرش إلى التمييز الاجتماعي والمهني. ونرى أن النصائح التالية قد تساعد على مواجهة تلك المشكلات:

            1.        خلق بيئة آمنة للإبلاغ عن التجاوزات

يجب توفير آليات سرية وفعالة داخل المؤسسات الصحافية للإبلاغ عن التحرش، مع ضمان حماية الضحايا ومحاسبة المتورطين.

            2.        تفعيل قوانين المساواة في الأجور والمناصب

يتطلب الأمر تعزيز التشريعات التي تضمن حقوق النساء في العمل، بما يتيح لهن التقدم على أساس الكفاءة والخبرة فقط.

            3.        التوعية المجتمعية والإعلامية

الإعلام بحاجة إلى تسليط الضوء على هذه القضايا، ليس فقط لتوثيق الانتهاكات، بل لتغيير النظرة الاجتماعية التي تهمش دور الصحافيات.

            4.        فصل المضمون عن المظهر

يجب أن تكون الكفاءة المهنية هي الأساس الوحيد لتقييم الصحافيات، بعيدًا عن المظهر أو اللباس.

في النهاية، الطريق نحو بيئة عمل آمنة وعادلة للصحافيات يبدأ بتكاتف الجهود المؤسسية والمجتمعية، فالمعركة ليست فردية، بل قضية تستحق الاهتمام والدعم الشامل.

مقالات شبيهة

#حكايات_تشبهنا: الحكاية الرابعة: جميلة
#حكايات_تشبهنا: الحكاية الرابعة: جميلة
المزيد ...
لم نتوقع وصرنا حذرين.. الرجال أيضًا يتعرضون للتحرش
لم نتوقع وصرنا حذرين.. الرجال أيضًا يتعرضون للتحرش
المزيد ...
جرائم الشرف بعدسة إسلامية معادية للاستعمار
جرائم الشرف بعدسة إسلامية معادية للاستعمار
المزيد ...