المثلية الجنسية والأفكار المسبقة



2017-04-02
نحن، مثلييات ومتحرّرات الجنس، نواجه كلمات، ادّعاءات وأفكارًا كثيرة، وهي جميعًا غالبًا ما تكون مجحفةً بحقّنا، كمجموعة كبيرة ومتنوّعة من النساء، الرّجال ومَن بينهما، إذ أنّنا نتميّز بالاختلافات، كأيّ مجموعة أخرى.
إنّ كلّ تلك تشكّل آراء مبنية لتكسِر، تفكّكَ وتُحدّدَ صورة مجموعة كاملة ومتنوّعة من النّاس، ولتحوّلها إلى صوره واحدة، ضعيفة وغير مقبولة. كما أنّ جميع هذه الآراء مبنية على أفكار مسبّقة، وهذه هي حال الأفكار المسبّقة، التي هي مجموعة معتقدات راسخة قائمة على معلوماتٍ مغلوطة، لطالما استوعبت من البيت، المدرسة، الجيران، والمجتمع بجميع مؤسّساته. هذه المعلومات والمعتقدات تنمو حتى تصبح بمثابة أمر مبدأيّ عند الفرد، دون أن يطرح أيّ تساؤل بشأن مصداقيّتها، ودون فحصها بشكل واعٍ وموضوعيّ.
هنالك عدّة أفكار مسبّقة وغير صحيحة عن المثليّة الجنسيّة، وسنتطرّق، في هذه النشرة، إلى بعضٍ قليلٍ منها.

الميول الجنسيّة ليست اختيارًا:

 

هنالك فكرة مُسبّقة تعتقد أنّ المثليّة الجنسيّة هي أمر اختياريٌّ. ويمكن للمثليّات تغيير ميولهنّ الجنسيّة متى شئنَ. هذا الاعتقاد خاطئ جدًّا.
مع أنّ الميول الجنسيّة تتطوّر وتتبلور في مرحلة جيل المراهقة، فقد دلّت الأبحاث أنّ المثلية الجنسية قائمة منذ الصغر، أو حتى تعود إلى مرحلة النموّ في الرّحم.
الوعي للميول الجنسية غالبًا ما يكون قبل أيّة تجربه جنسيّة - أو حتى في سنوات الطفولة، أي ما بين 3 و 5 سنوات.[1]
نحو عشرة بالمئة من المجتمع مثليّات ومثليون. وهذه النسبة متماثلة رغم اختلافات الثقافات والحضارات و الأخلاق الاجتماعية.

وكما أنّ المثليّة الجنسيّة موجودة في جميع الحضارات، فكذلك نجدها في المملكة الحيوانيّة والنباتيّة، أيضًا. حيث وجد العلماء أنّ هناك نحو 1500 نوع حيوان ونبات مثليّ الجنس في الطبيعة.[2]

لا علاقة بين العلاج النفسيّ والمثليّة الجنسيّة:

هنالك فكرة مسبّقة تعتقد أنّ المثليّة الجنسيّة هي مرض نفسيّ. في عصرنا الحاضر، يفنّد العديد من الأبحاث الاستطلاعية والتجريبية وجود أية صلة بين المثليّة الجنسيّة وبين العلاج النفسيّ.[3]

في سنة 1973، قامت المنظّمة الأمريكيّة للأمراض النفسيّة بإزالة المثليّة الجنسيّة من القائمة الرسميّة للأمراض والاضطرابات النفسيّة والعاطفيّة. في سنة 1975، قامت المنظّمة الأمريكية للعلاج النفسيّ بالخطوة نفسها. في سنة 1992، وكردّ على وصمة العار والتمييز المصاحبة للمثليّة الجنسيّة، توجّهت المنظّمة الأمريكيّة للأمراض النفسيّة إلى كلّ المنظّمات الصحيّة العالميّة، وإلى الأطبّاء النفسيين المستقلّين، مطالبةً إيّاهم بإبطال القوانين التشريعيّة في بلادهم التي تعاقب مثليي الجنس الناضجين الذين يمارسون الجنس على انفراد (أي ليس بشكل عموميّ).
 

في سنة 1998، قامت المنظّمة الأمريكية للأمراض النفسيّة بإطلاق بيان توضيحيّ: "المنظّمة الأمريكيّة للأمراض النفسيّة تعارض أيّ علاج نفسيّ، مثل العلاج عن طريق الحوار، المرتكز إلى أنّ المثلية الجنسية هي مرض نفسيّ، أو إلى الاعتقاد المسبّق بأنّ على المعالَج/ة تغيير ميوله/ا الجنسيّة".[4]

من المستحيل تغيير الشعور الداخليّ نحو الميول الجنسيّة إن الفكرة التي تقول إن في إمكان العلاج أن يشفي المثليّة الجنسيّة هي فكرة مسبّقة و مغلوطة.

الميول الجنسيّة تظهر عند غالبيّة الناس في بداية جيل المراهقة من دون أي تجربة جنسيّة مسبّقة. حتى أن بعض الأشخاص أفادوا عن محاولاتهم المتكرّرة عبر السنين لتغيير ميولهم الجنسية، لكنّ مصير هذه المحاولات كان الفشل. لهذه الأسباب، يعتبر الأطبّاء النفسيون والطبيبات النفسيّات الميول الجنسية عند غالبيّة الناس بمثابة اختيار باطنيّ وغير إدراكيّ، ولا يمكن تغييره حسب الرغبة.

قامت المنظمة الأمريكية للأمراض النفسيّة بإصدار العديد من البيانات الرسمية والتصاريح العامة مؤكّدة أن العلاج التحويلي (العلاج النفسي بهدف تحويل الإنسان من مثليّ إلى مغاير الجنس) هو غير أخلاقي، وأنّ العلاجات التي تدّعي شفاء المثليّة الجنسيّة هي علاجات تستطيع منع التصرّف المثليّ، لكنها لا تغيّر الشعور الداخلي عند الإنسان نحو ميوله/ا الجنسيّة الأساسية.[5] إذ من المستحيل تغيير الشعور الداخلي تجاه ميول أساسيّة عند شخص ما.

الرؤية السائدة في علم النفس وطبّ النفس هي أنّ الاضطرابات النفسيّة عند مثليّات ومثليي الجنس هي نتيجة لاضطهاد المجتمع لمثليّات ولمثليي الجنس وعدم تقبّله لهم. ولذلك، فإنّ علم النفس وطبّ النفس يوصيان المعالِجات النفسيّات والمعالِجين النفسييّن بمساعدة مثليّات ومثليي الجنس عبر التغلّب على هذه الضّغوط الاجتماعيّة، والعمل على تقبّل أنفسهم، وبناء حياة سعيدة ومُرْضِيَة كمثليّة أو كمثلي جنس.[6]

من بين كلّ عشرة أشخاص هناك مثلي جنس واحد أو مثليّة الجنس :

دلّت آخر أبحاث كنسي على أنّ مثليي الجنس ومثليّات الجنس يشكّلون نسبة 10% من المجتمع، ما يعني أنّه من بين كلّ عشرة أشخاص هناك مثلي جنس واحد أو مثلية جنس واحدة.[7] من الجدير بالذكر أنّ هناك صعوبة في قياس العدد الدقيق، حيث إنّ وصمة العار المُنسوبة إليهم تزيد من صعوبة تحديدهم، فالكثيرون منهم يحاولون كبت ميولهم الجنسية وإخفاءها خوفًا من ردة فعل المجتمع. كما أن هذه النسبة، وفق الأبحاث، لا تتغيّر بين الثقافات أو الحضارات أو القوميات المختلفة، بغضّ النظر عن المبادئ الأخلاقيّة المختلفة لديها.[8] لذا فأن الفكرة المسبقة والسائدة أن المثلية الجنسية معدومة أو شبة معدومة في المجتماعات العربية مخطوئة جدا، وكما ورد هنا، أيضا في المجتمعات العربية نسبة المثلية الجنسية 10 بالمئة.

التعرض للاعتداء الجنسي لا يحوّل الانسانة لمثليّة الجنس:

إن مثليّات الجنس، كغيرهن من النساء في المجتمع، يتعرضن لاعتداءات جنسيّة في مرحلة ما في حياتهن الا ان ذلك لا "يحولهن" لمثليات الجنس. فالإحصائيات تدل على أن واحدة من بين كلّ ثلاث نساء تتعرّض لاعتداء جنسيّ في مرحلة ما في حياتها.[9] لذلك، فالربط بين الاعتداءات الجنسيّة والمثليّة الجنسيّة هو مغلوط وخاطئ من أساسه. إن النساء اللاتي يتعرّضن لاعتداءات جنسيّة يجدن صعوبة في التعلّق بالرجال بعد ذلك، لكنّ هذا لا يعني أنّهنّ سيكنّ مثليّات جنس، بسبب ذلك.[10]

العلاقة الجنسيّة لا تحدد الميول الجنسيّة:

كما ذكرنا سابقًا، غالبًا ما يكون الوعي للميول الجنسية قبل أية تجربه جنسيّة - أو حتى في سنوات الطفولة، إلا أنّ هناك مَن يعون الميول الجنسيّة في جيل متأخّر، وذلك بسبب النظرة السلبيّة السّائدة التي تكبت وتكبح هذا الشعور.
يقوم بعض مثليّات ومثليي الجنس بممارسة علاقة مع الجنس الآخر للتغطية على ميولهم الحقيقيّة خوفا من المجتمع ونظرته لهذه الميول، لذلك فهم يقيمون علاقة جنسيّة مع الجنس الآخر رغم عدم انجذابهم له/ا.
وفي بعض الحالات، يعي الأفراد ميولهم المختلفة، رغم تجاربهم المغايرة جنسيا ورغم عدم انجذابهم للجنس الآخر. كما أنّه يوجد من بين المغايرين جنسيًّا مَن يمرون بتجربة مثليّة، غير أنّ هذا الأمر لا يغيّر ميولهم الجنسيّة.

 

هل المثليّة الجنسيّة هي مرحلة زمنيّة تمرّ عند الزوّاج:

كثيرًا ما يقال لمثليّات الجنس: "كيف تعتبرين أنك مثليّة الجنس وأنت لم تمارسي الجنس مع رجل." والجواب: "وأنتم، كيف تعرفون أنّكم مغايرين الجنس إذا لم تمارسو الجنس مع نفس جنسكم؟"

قد تنجح بعض العلاقات الزوجيّة بين مثليّة/مثلي الجنس مع الجنس الآخر، لفترة ما، لكنّ العديد من هذه العلاقات الزوجيّة مليئ بالإحباط والتعاسة والوهم والغشّ وعدم تحقيق الذات لدى الزوجين، ما يؤدّي في النهاية إلى انهيار الحياة الزوجيّة، وشعور الزوجين بجروح عميقة تحتاج إلى وقت طويل للشفاء.[11]

ليس بالضرورة أن تأتي مثليّات ومثليو الجنس من طفولة مدمّرة وبيوت مهدومة:

ليس كلّ إنسان عاش طفولة صعبةً يختار أن يكون مثليّ الجنس، حيث أنّ هناك العديد من مغايري الجنس الذين أتوا، هم أيضًا، من بيوت مدمّرة. كما أنّه لا يوجد اليوم أيّ بحث يثبت وجود علاقة بين مثليات ومثليي الجنس وبين البيوت التي جاءوا منها. وليس هناك أيّ بحث يثبت أنّ من شأن خلفيّات اجتماعيّة معيّنة أو اعتداءات معيّنة أن تشجّع أو تقلّل من المثليّة الجنسيّة، وكما يبدو فإنّ هناك عوامل أخرى غير العوامل البيئيّة تؤثّر على، وتساهم في، تحديد الميول الجنسيّة.[12]

مثليّات الجنس لا يكرهنَ الرّجال:

كون مثليّات الجنس يحببنَ النساء وبناء علاقات معهنّ لا يجب أن يعني أنّهنّ لا يحببنَ الرّجال. لقد اخترن فقط عدم القيام بعلاقات جنسيّة مع الرجال، لا أكثر. والاعتقاد بأنّ المثليّات لا يحببنَ الرّجال نابع من الرّجال أنفسهم، حيث إنّ المثليّة الجنسيّة تسبّب للعديد من الرجال عدم الرّاحة وعدم الثقة.[13]

مثليّات الجنس يختلفنَ عن غيرهنّ في ميولهنّ الجنسيّة فقط لا غير:

إن حبّ النساء للنساء لا يعني أنّهنّ يردن أن يكنّ رجالاً. هذه الفكرة هي فكرة مغلوطة ولكنها سائدة، وسبب ذلك هو وجود جهات تريد أن تصوّر النساء بصورة عنيفة ورجوليّة وقبيحة. إن محاولة تصويرنا على هذا النحو البشع يسهّل عليهم التقليل من مكانتنا ونبذنا، بحيث نظهر وكأننا لسنا نساء حقيقيّات، إذ كيف يمكن أن نكون نساء حقيقيّات دون أن نحبّ الرّجال؟! النساء مثليّات الجنس مختلفات، وأشكالهنّ مختلفة، كما أنّ أشكال مغايرات الجنس مختلفة، أيضا.[14]

الآراء المسبّقة تأتينا من كلّ حدب وصوب لكنّ الاختيار يعود إلى كلّ واحد وواحدة منّا. فنحن مسؤولات ومسؤولون كأفراد تجاه أنفسنا خصوصًا، وتجاه المجتمع عمومًا، وعلينا أن نفحص وندرس هذه الأفكار والآراء التي تعرّضنا لها من بعض الجهات.
من الصّعب بناء علاقة سليمة مع شخص أو موضوع ما، إذا بدأت هذه العلاقة من نقطة الآراء المسبّقة. كما أنه من الصعب التغاضي عن الآراء المسبّقة والاضطهاد العنصري، لكنّ ذلك ليس أمرًا مستحيلاً أيضًا.[15]
علينا أن نسأل أنفسنا كيف قمنا باتخاذ موقفنا من المثليّة الجنسيّة؟ على أيّة معلومات اعتمدنا، ومن أين أخذنا هذة المعلومات.
كم مرّة كنّا موضوعيات/ين في حواراتنا حول هذا الموضوع؟! كم مرّة سمعنا وجهة النظر الأخرى حتى النهاية، ثمّ اتخذنا في نهاية الأمر موقفًا جديدًا فعلاً من هذا الموضوع؟
 

[1]http://www.bodymindsoul.org/Coming%20out%20and%20sexual%20orientation%20concerns/understanding_sexual_orientation.htm; http://www.auburn.edu/aglbc/ally.htm

[2] http://www.world-science.net/othernews/061024_gay-animals.htm

[3] http://psychology.ucdavis.edu/rainbow/html/facts_mental_health.html

[4] http://www.healthyminds.org/glbissues.cfm

[5] http://www.twu.edu/O-SL/counseling/SelfHelp042.html

[6] http://www.twu.edu/O-SL/counseling/SelfHelp042.html

[7] http://psychology.ucdavis.edu/rainbow/html/facts_mental_health.html

[8] http://www.auburn.edu/aglbc/ally.htm

[9] تحالف مراكز الدعم للمتعرّضات لاعتداءات جنسيّة.

[10] http://www.twu.edu/O-SL/counseling/SelfHelp042.html

[11] http://www.someone-to-talk-to.net/myths_about_homosexuality.htm

[12] http://www.someone-to-talk-to.net/myths_about_homosexuality.htm

[13] Kat Harding; The Lesbian Kama Sutra (Pag 29); Thomas Dunne Books; 2005

[14] Kat Harding; The Lesbian Kama Sutra (Pag 29); Thomas Dunne Books; 2005.

النشرة الاخبارية السابعة لجمعية اصوات