ما هي المثلية الجنسية؟



2015-08-27
ما هي المثلية الجنسية؟
 
بتعريف بسيط، المثلية الجنسية هي المشاعر الرومانسية والجنسية والتقارب الحميم بين أفراد من الجنس نفسه. هو ميل جنسي، كما التغاير الجنسي (الانجذاب إلى أفراد من جنس مختلف) أو الثنائية الجنسية (الانجذاب إلى أفراد من الجنسين) وهي جميعها تعابير طبيعية عن الجنسانية الإنسانية.
 
لأن المثلية في مجتمعنا لا تزال تُعد كانحراف أو كحالة غير طبيعية، نجد أنه من الشائع أن يخلط الناس بينها وبين الممارسات الجنسية المؤذية كالبيدوفيليا pedophilia، أي الرغبة الجنسية الموجهة للأطفال دون عمر المراهقة وبغض النظر عن جنسهم. هذه المسألة تطرح سؤالين مهمين يؤثران على طريقة رؤيتنا للمثلية: أولا، ما الذي يشكل سلوكًا شاذًا؟ وثانيًا، ما هو السلوك الجنسي المنحرف من وجهة نظر علمية؟ لا يوجد سلوك معيّن أو ظاهرة معينة شاذة بجوهرها، فالشذوذ يؤشر ببساطة لكل سلوك يخرق ويتعدى على ثقافة معينة أو أدبيات سلوكية؛ وبما أن العادات الاجتماعية في تقلب دائم نستطيع أن نقول كذلك هو الحال بالنسبة لمفهوم الشذوذ. فمثلا، النساء اللواتي لبسن البنطال اعتبرن لفترة طويلة كشاذات وغير طبيعيات، غير أنه الآن أصبح من البديهي ارتداء البنطال للنساء، فالمعايير التي تحدد ما هو مقبول اجتماعيًا قد تغيرت. ربما قد يكون هذا المثال بريئًا، لكنه محكوم بالمنطق نفسه الذي يحكم تفسير السلوكيات الجنسية (كتب الطبيب هاري بنجامين في هذا السياق: "هل نعلم نحن ما هو طبيعي؟ أنا لا أعلم. أعتقد أننا فقط نعلم ما هو اعتيادي").

البيدوفيليا هي إحدى هذه الاضطرابات والانحرافات الجنسية، فقد يخلط الناس بينها وبين المثلية لأن الأفراد الذين ينتمون إلى فئة مهمشة غالبًا ما يعانون من تنميط اجتماعي ويصورون على أنهم خطر على أفراد المجتمع، وخصوصًا الأفراد الأكثر عرضة كالأطفال، فيعاني المثليون على هذا الأساس لأنهم يصوّرون بظلم كبير على أنهم خطر على الأطفال دون سن المراهقة بالرغم من أنه لا يوجد أي إثبات حول صحة هذا الزعم.

إلى جانب اعتبار المثلية كشذوذ اجتماعي وبالتالي كسلوك غير مقبول في المجتمع، يستخدم الناس تسميات مرتبطة بالانحراف الجنسي حين يتكلمون عن المثلية. حين ننظر إلى بعض من التعريفات العلمية التي تتناول الانحرافات الجنسية، سنجد أنها أبعد ما تكون عن المثلية الجنسية. فحسب دليل تشخيص وإحصاء الاضطرابات النفسية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders – DSM IV) وهو المرجعية المعتمدة عالميًا للأمراض النفسية تعد الانحرافات الجنسية، أو "البارافيليا" paraphilia اضطرابات تتمثل في سلوك أو نشاط جنسي يكون الوسيلة الوحيدة للإشباع الجنسي على الأقل لمدة ستة أشهر، والتي إما تتسبب اضطرابًا عياديًا أو خللا اجتماعيًا أو مهنيًا أو تؤثر سلبيًا على جوانب أخرى من الحياة، وإما تخرق مبدأ التوافق الجنسي بين الناس (كالاعتداء الجنسي أو البيدوفيليا).

كما يخلط الناس بين المثلية الجنسية وبين الهوية الجندرية (هوية النوع الاجتماعي) التي في غير موضعها، فيصوّر الرجال المثليين على أنهم يرغبون في أن يصبحوا نساء، والمثليات على أنهن يردن أن يكن رجالا. الميول الجنسية (الانجذاب إلى جنس معين) هو غير الهوية الجندرية التي تحدد نظرة الفرد إلى نفسه كامرأة أو كرجل. المتغيرون جنسيًا أو المتحولون جنسيًا هم في العادة من تكون هويتهم الجندرية لا تطابق حالاتهم الجسدية. فيخلط الناس بين هاتين الحالتين بسبب ربط الناس بين المثليين من الرجال والأنوثة، والمثليات من النساء والذكورة. بالرغم من أن بعض المثليين والمثليات قد يظهرون بشكل يطابق الفكرة الشائعة إلا أنهن يعرّفون عن أنفسهم كرجال ونساء1.
 
ما الذي يسبب المثلية الجنسية؟
 
يدور هذا السؤال في أذهان العديد من الأهل لأسباب عدة: قد تكون صورة ابننا النمطية قد تبددت في نظرنا، أو قد نشعر أن ما يقوم به الأبناء هو أمر خاطئ تمامًا، وأيضًا أن أحدًا ما قد قام بدفع ابننا إلى المثلية الجنسية، أو نفكر أن المثليّة تعود إلى سبب بيولوجي.

تم النقاش كثيرًا عن مسببات المثلية: هل هي جينية أم بيولوجية؟ أقيمت العديد من الأبحاث لاستنتاج أسباب المثلية، غير أن المسببات الجينية والاجتماعية تبقى مجهولة حتى الآن. لكننا نستطيع أن نجزم أن المثلية الجنسية ليست بخيار، والعديد من المثليين يؤكدون أن كونهم مثليين هو أمر يقع خارج نطاق الاختيار2.

لقد ابتعدت الأبحاث المعاصرة عن محاولة فهم المثلية الجنسية كظاهرة بحد ذاتها وتوجهت نحو التركيز على الميول الجنسي كمفهوم شامل. إننا بالكاد نفهم من وجهة نظر علمية ما يسبب المغايرة الجنسية، لذلك فإن السؤال عن سبب المثلية يتعداها ليشمل الميول الجنسية بأوجها كافة. إن قاعدة أي مجتمع هي التنوع الجنسي، فمن الغريب جدًا أن نجد مجتمعًا يظهر فقط سلوكًا جنسيًا واحدًا وموحدًا.

في غياب المعلومات العلمية المحايدة عن المثلية، تصبح المثلية الجنسية كما تتناولها الأساطير والمعتقدات الخاطئة أمرًا شائعًا. يعتقد بعض الناس أن المثلية الجنسية تصيب الفرد الذي تعرّض في طفولته إلى التحرش الجنسي أو الفرد الذي أقام علاقة غير ناجحة مع الجنس الآخر، وبالتالي نستطيع "تصحيح" هذه التجربة في ممارسة أخرى. هذه المعتقدات غير صحيحة لأن الإنسان لا يتحول إلى مثلي من خلال تجربة واحدة. التحرش الجنسي بالأطفال وتجارب أخرى سيئة مرت في حياة العديد من الأشخاص وضمنهم المغايرون، ولم يغيروا من ميولهم الجنسية3.

يعتقد البعض أن اختلالا في الهرمونات هو من مسببات المثلية من دون معرفتهم بوظيفة الهرمونات الفعلية. هنا نستطيع أن نجزم أن الهرمونات التي يتكلمون عليها تحصر باثنين: هما: التيستسترون (testosterone) والاستروجن (estrogen)، أي المواد العضوية التي تحدد الرغبة الجنسية للإناث والذكور كما الخصائص الثانوية المرتبطة بالجنس البشري كالشعر على الوجه والثديين. هذه الهرمونات متواجدة بشكل طبيعي عند النساء والرجال وبشكل متفاوت. فوجود التيستسترون عند النساء بشكل متزايد يؤدي إلى ظهور الشعر على الوجه مثلا ووجود الاستروجين بنسبة عالية عند الرجال يؤدي إلى صوت أكثر رفعًا وغيرها من الخصائص. إن هذه الهرمونات غير مرتبطة على الإطلاق بالميول الجنسي4.


شائعات أخرى تحيط بمسببات المثلية، وتتضمن نموذج العائلة غير التقليدي (الأم المسيطرة والأب الخنوع)، أو التصرف الأنثوي عند الرجال والمسترجل عند النساء، أو الإقناع والإغراء من قبل مثليين آخرين، أو الاضطراب العقلي. كل هذا تم رفضه من قبل العلم الحديث وأطباء الصحة النفسية، فإن الميول الجنسية تأتي جراء تفاعل العديد من العوامل بدرجات متفاوتة لا نعلم تفاصيلها حتى الآن. إن العديد من المغايرين تنطبق عليهم هذه النماذج والعوامل التي قد تسفر عن نتائج مختلفة.
 
 
هل أستطيع أن أعرف إذا كان أحد أبنائي مثليًا منذ صغره؟ ما هي العلامات؟ كيف أستطيع أن أوقفها أو أن أساعده؟

يعتقد العديد من الأهل أن باستطاعتهم رؤية العلامات التي تنذر بالمثلية عند أطفالهم وهم لا يزالون في مرحلة الصغر، وبالتالي يستطيعون التدخل لإيقافها. قد نفكر في أنفسنا "لو فقط منعت ابني من اللعب بدمى الفتيات لربما استطعت أن أوقف المثلية في الوقت المناسب". غير أن "إيقاف" المثلية هي باستحالة تغيير لون العيون بالرغم من سعي البعض إلى كبحها، فالمثلية تكون موجودة لدى الشخص المثلي كما التغاير الجنسي موجود لدى الشخص المغاير.

بالإضافة إلى هذا، إن الاعتقاد بإمكانية اكتشاف الميول المثلية لدى الأطفال هو أيضًا أمر خاطئ. تقود الشائعات عن المثلية الأهل إلى الاعتقاد بأن الأطفال الذين يعبرون عن دور اجتماعي مخالف لما هو سائد ممكن أن يصبحوا مثليين أو أن سلوكيات كهذه قد تسبب المثلية، لكن العديد من الأبحاث التي تم إجراؤها حول البناء النفسي للطفل تؤكد عدم صحة هذه المعتقدات، فالأطفال يولدون من دون تعقيدات لما يعني أن يكونوا فتيانًا أو فتيات. هذه المفاهيم يكتسبونها وهم في عمر صغير جدًا، دون أن يلقنه بالضرورة أحد لهم، فالأطفال يتعلمون بسرعة فائقة كما يلتقطون من المحيط الذين يعيشون به الطرق الفضلى للتصرف أكانوا ذكورًا أم إناثًا. فبعكس ما يعتقد الناس، لا يرتبط الصبيان باللعب بالسيارات أو الفتيات باللعب بالدمى بسبب دافع غريزي. فإذا قررت طفلتك اللعب بشاحنات أو مسدس أخاها عوضًا عن لعب "بيت بيوت" هذا لا يكون مؤشرًا لشيء. فاللعب بألعاب الجنس الآخر أو حتى تبني سلوكيات الجنس الآخر (وضع حلى أو مكياج الأم أو ربطات عنق الأب) هو جانب طبيعي في حشرية الطفل5.

كما أن الجنسانية لدى الأطفال مرتبطة بالحشرية أكثر مما هي مرتبطة بكيفية رؤية الراشدين للميول الجنسية والضوابط الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بها. يلامس الأطفال بعضهم، يلعبون لعبة "الطبيب" مع أطفال من الجنس نفسه أو من جنس آخر ولكن بفهم مختلف لهذه المواضيع عن الراشدين. من المبرر أن نفهم الموضوع من هذه الطريقة حين نرى أطفالا يلعبون مع بعضهم على هذا النحو، وليس كانحراف أو سبب للمثلية. فحقيقة الواقع أن أغلبية الأطفال يلعبون بهذه الطريقة ولا علاقة للأمر بميولهم الجنسية بل بما يتعلق بفهمهم وحشريتهم للمعرفة6.
 
_____________________________
 
 

1 Friedman, R. & Downey, J. (2003). Sexual Orientationand Psycho-analysis. NY: Columbia University Press.

2 Ridley, M. (2003). Nature via nurture: Genes, experience, and what makes us human. NY: HarperCollins.
3 Oaks (1995).
4 Ridley, M. (2003). Nature via nurture: Genes, experience, and what makes us human. NY: HarperCollins.
5 Frayser, S. & Whitby, T. (Eds.). (1995). Studies in Human Sexuality: a selected guide. Libraries Unlimited.
6 Jackson, S. (1982). Childhood and sexuality. Blackwell Publishing.
 
_____________________________
 
* المصدر:
"أحبهم... ولكن"- دليل الأهل في التعامل مع أولادهم المثليين والمثليات
إعداد: رشا مومنة
إشراف تقني ومراجعة: جمعية العناية الصحية وجمعية حلم