#حكايات_تشبهنا: الحكاية الرابعة: جميلة



2021-02-28

الحكاية الرابعة: جميلة

 

 

البعض يمتلك الشجاعة الكافية والمساندة لكي يكتشف من هو، يظهر بألوانه الحقيقية ويتألق بها، والبعض يمتلك الجراءة الكافية لمواجهة الظروف وتحدي الجميع… والبعض يمتلك الكلمات ليحكي حكايته، الحكاية التي لم تكتمل بعد… ولا يعرف هل سيكون من أصحاب المساندة أم المواجهة. كل ما أعرفه أن كل الحكايات تشكل خيطاً فريداً في مشغولة الحياة… دورك أن تبرز الخيط وتجعله بلا شبيهه ولا قرين. تجعل هذا الخيط، "أنت".

 

تبدأ الحكايات بذكريات تمحورت حولها الأحداث، حكايتي تبدأ بنهاية حكاية. عشت مع أهلي ٦ سنوات، انفصلوا بعدها وعشت مع والدتي. كانت علاقة أبي وأمي مضطربة، كان يعنفها ويضربها أمامي وأنا صغيرة. كانت بينهم مشاكل كثيرة، أكبرها كانت حينما قرر والدي الزواج من سيدة أقام معها علاقة وكان يصلح الوضع بهذا الزواج. وبعد ذلك قرارات ظالمة لأمي. انتهت علاقتهم والظلم استمر حتى بعد الطلاق، حرم أبي أمي من كل حقوقها مقابل أن تأخذني معها، تركت الزواج بملابسها فقط دون أي حقوق. 

ظلت مشاكل المصاريف والمسؤوليات تطاردنا حتى قررت والداتي الزواج، ولأن القانون المصري لا ينصف المرأة في الحضانة عند زواجها بأخر، قررت والدتي أن يكون زواجها عرفياً حتى تبقى حضانتنا التي جاهدت من أجلها معها واحتفظت بسر زواجها حتى لا يأتي أبي ليأخذني منها .

 

حاول أبي مرة الضغط على أمي حتى لاتطلب نفقات منه، قام بحبسي في منزله لما يقارب شهر. قال لي "اعتبري مامتك ماتت." وبعد صراعات عدت لأمي بدون رغبة أبي .تواصل معي هاتفيا لفترة وجيزة ومن ثم انقطع أبي عني حتي وصلت ال 20 عام. عشر سنوات لم أعرف عنه شيئاً، لو كان صادفني في الطريق لم يكن سيعرفني من تغير ملامحي.

 

في أول سنة جامعة قررت الذهاب لمراجعة طبيب نفسي بعد تعرضي لضغط شديد في الثانوية العامة ألقي بي في متاهات ومشاعر غريبة كنت اختبرها للمرة الأولى. كان أشدها قسوة شعوري الدائم بأنني عديمة القيمة وغير جيدة كفاية لفعل أي شيء واستسلامي الدائم لوضع نفسي في خطر الموت. كنت أعبر الشارع مغمضة العينان و أقوم بإيذاء نفسي بكل الطرق، كان كل ذلك لمحاولة العفو عن نفسي. بعد ذهابي للطبيب تلقيت تشخيصي بجملة "اضطراب الشخصية الحدية". لم القي دعم في البداية على قراري لمواجهة نفسي واضطرابي. كانت أمي تدعو "يا رب تموتي، وروحي انتحري'' وأشياء من هذا القبيل, ربما كان يراودها شعور بالذنب تجاه اضطرابي. أخذت وقت طويل للاعتراف بحالتي بعد أن ارهقت وتدهورت صحتي كثيراً بسبب معاملتها، بعد ذلك وافقتني وذهبت معي للأخصائي وبدأت رحلة العلاج.

 

مازلت في رحلة اكتشاف نفسي وآخر ما توصلت له هو اعترافي الصريح بميولي، أني أنا lesbian، الموضوع صعب مع الاضطراب وصعب في مصر وصعب مع الدين، أنا الآن متصالحة مع الفكرة وليست لدي مشاكل مع التوجهات المختلفة، لكن قبل ذلك كنت أشعر أني منافقة، وعندما أكون في علاقة وأهلي لا يعلمون أشعر بأني أحيا حياتينومع الاضطراب أشعر بذلك طوال الوقت بدون فعل شيء. لو كان باستطاعتي أن ألغي شيء من حياتي سيكون ذلك.

 

 

هذا التناقض بدأ من كوني كنت متدينة جداً وكنت أرتدي الحجاب، لقد ارتديت الحجاب 11 سنة وخلعته من ثلاث سنوات. ميولي متعارضة مع فهمي للدين وقتها، وكان طول الوقت لابد من اختيار شيء ومفاضلته على الأخر. حتى وصلت للمرحلة الجامعية، وكانت لدي صديقة مقربة جداً، بعد فترة تطورت مشاعري تجاهها وأحببتها. صارحتها بمشاعري الحقيقية وكان رد فعلها مؤلماً، عاملتني بشكل سيء وقالت لي "روحي اتعالجي، وما تكلمنيش تاني."

انهرت... هي كانت الحب الأول في حياتي، لمدة ست شهور لم أعرف التصرف بأي شكل، لم أقوى على فعل شيء. حتى عدنا للحديث مرة أخرى، أصدقاء فقط، ولكن بداخلي لا يزال الموضوع لم ينتهي.

 

وفي تلك السنة دخلت في علاقات كثيرة، لم تكن متوازنة، كنت أحاول التجاوز، ولم أنجح. طول الوقت أشعر بأني قد أترك فأنهي العلاقة أولاً، أو أنهيها قبل أن تتحول لشيء جاد.

أنا لازالت خائفة من المواجهة، لا أواجه نفسي بكل مشاعري… أنا ماضية في طريقي، منهكة من كثرة معاركي، وخائفة أن أكون وحيدة. أشعر أن مازال لدي الكثير لأعرفه عن ميولي وعن نفسي.

 

لقد حاولت الانتحار في الثلاث سنوات الأخيرة؛ في المرة الأولى تناولت حبوب منومة كثيرة ثم استيقظت بعد ٦ ساعات وجسدي "منمل". اتصلت بصديقتي الفجر لتأتي معي المستشفى. في هذا اليوم، وقفت أبكي، كنت خائفة أن تعرف أمي… لم أكن خائفة من الموت. اضطررت أن أرشي الممرضة لتعطيني العلاج وأرحل لأن الطبيب عندما اكتشف أني حالة انتحار صرخ وأراد تحرير محضر وقال "هاتولي  أهلها."  أخذت العلاج وذهبت للمنزل وأتت صديقتي معي وغيرت ملابسي ونمت.

 

حاولت أكثر من مرة بعد ذلك، مرتين أو ثلاثة مرات… لكن الأمر أصبح عادياً… أنا لا أريد أن أفعل ذلك مرة أخرى، وأريد محو هذه المحاولات من ذاكرتي.

 

عندما أفكر في حياتي، أول شيء يخطر ببالي أني أحب الكتابة وصناعة الأفلام، ومهتمة جداً بدراسة "الجندر". سأكمل دراستي الجامعية العليا في مجال أحبه، وأسعى للحصول على منحة دراسية في جامعة جيدة… أنا أرى نفسي شخصية أكاديمية في مصر، مهما سافرت وترحلت سأعود إلى هنا.

 

أنا أريد التصالح مع نفسي أكثر، أريد أن أكون "أنا" فعلاً... كل شيء يمثلني أنا. ربما يكون الاستقلال المادي عائقاً الآن، أنا عملت في وظائف مؤقتة خلال الدراسة، وليس لدي عمل دائم حالياً. مازلت في بيت أهلي، ولهذا فإن القرار عائد لهم، لأنهم يتكفلون بمصروفاتي، بعد التخرج والعمل سيكون هناك وضع أخر.

 

أتمنى ممن يقرأوا قصتي الآن أن يعرفوا أنه مهما كانت الخبرات التي نمر بها صعبة، أو أن اختياراتنا كانت متأرجحة بين الصواب والخطأ، هناك دائما حلول… في قمة الأزمة والإرهاق يمكننا عمل أشياء رائعة تبقى في الذاكرة، ومهما تعرقلنا في الطريق فإن القيام واستكماله هو سبيلنا للأمام.