هل أنت مستعد للزواج؟ والأهم.. هل تتمتع بهذا الامتياز؟

بقلم : د. محمد عصام



2021-11-20

منذ أن أتممت العام الرابع والعشرين وأنهيت دراستي الجامعية والجميع يتساءل "إمتى هنفرح بيك؟" إذ يكاد يكون الزواج في العديد من بلادنا العربية هو الخطوة الأساسية لأي شاب أو فتاة في عشرينيات العمر. من هذا المنطلق، يتحول الزواج من قرار شخصي لفردين إلى مهمة مجتمعية يصبح للكل الحق في المشاركة في إتمامها بنجاح، وفي الوقت ذاته تُفرَض العديد من الضغوط الاجتماعية على العزاب والعازبات والمطلقين والمطلقات بوصفهم مَن "لم ينجحوا في إتمام المهمة".

 

وفي خضم هذه المعركة يُغفِل الكثيرون السؤال الأهم وهو: هل أنا مستعد/ة للزواج؟

 

يُعرَف الزواج على أنه رابطة اجتماعية قائمة على اتفاق مصالح الزوجين لبناء أسرة جديدة، تكون الأسرة فيها بمثابة مؤسسة اجتماعية تحميها الأنظمة السياسية والدينية. ويقول الدكتور النفسي محمد طه في أحد حواراته الصحفية إن الإجابة على هذا السؤال صعبة، فبالإضافة للشروط القانونية والدينية فهناك ثلاثة شروط أساسية تحدد قدرة الشخص على الزواج. الشرط الأول هو القدرة على الالتزام في العلاقة وتشمل القدرة على تحمل المسؤولية والالتزام العاطفي بالطرف الآخر والرغبة في مشاركة الحياة اليومية وتفاصيلها مع فرد آخر. أما الشرط الثاني فهو الاستقرار النفسي والمادي وألا يكون الزواج نتيجة لضغط مجتمعي أو يتم فقط لأنه "المفروض". والشرط الثالث والأخير هو تقبل احتمالات النجاح والفشل، وأن الشخص الآخر ليس بداية أو نهاية العالم، والنظر للطلاق دومًا بوصفه خيارًا مطروحًا في حالة عدم رغبة أحد الطرفين أو كلاهما الاستمرار في العلاقة. 

 

ولكن على الرغم من توافر تلك الشروط عند الشخص، يظل نجاح الزواج مرتبطًا بوجود الشريك/ة المناسب/ة ومدى الجاهزية للارتباط به في الوقت الحالي. يصعب على الكثيرين تحديد هذه الأمور، في ظل الضغوط الاجتماعية للإسراع بالزواج قبل تجاوز المرحلة العمرية التي حددها المجتمع لذلك، سواء أكانوا عزابًا/عازبات أو طرفًا في علاقة عاطفية. هناك العديد من العلامات التي تشير إلى أنك وجدت الشريك أو الشريكة المناسب/ة ومنها:


- تتشاركان نفس القيم: تساعد القيم المشتركة على استمرار العلاقة لفترات أطول. ولا يعني ذلك الاتفاق تمامًا على كل القيم أو المواقف الأخلاقية، ولكن احترام قيم الشريك/ة وتفهمها حتى وإن لم تتفق معها.


- يمكنكما مناقشة كل الأمور والمواضيع الحساسة بدون حرج: بداية من مناقشة الأمور المالية مرورًا بالقضايا الاجتماعية المثيرة للجدل، وصولًا إلى التفضيلات والرغبات الجنسية. مناقشة تلك الموضوعات وغيرها بأريحية دليل على كون العلاقة مستقرة وأن مساحة الأمان لقبول اختلاف الشريك/ة متاحة.


- متفقان على الخطوات الحياتية الكبيرة خلال السنوات العشر القادمة: ويشمل ذلك العديد من الأسئلة مثل هل تحلمان بالسفر حول العالم؟ أم ترغبان في تكوين بيت مستقر؟ هل تطمحان لاستكمال الدراسة لعدد من السنوات أم العمل وبناء خبرات وظيفية؟ هل تحلمان بالإنجاب؟ ما الوقت المناسب لذلك؟ وما عدد الأطفال؟ هل تفكران في الهجرة أو العمل في الخارج؟ بالطبع لا يملك أحد الإجابة على تلك الأسئلة بشكل مطلق أو أبدي، ويظل العديد منها مرتبطًا بعوامل خارجية مختلفة، إلا أن مناقشة تلك الأسئلة بوضوح وبأمانة هو مؤشر على رغبة الشريكين في رسم حياة مشتركة معًا لسنوات قادمة، ويفسح المجال للنظر للعلاقة من جوانب متنوعة.

 

-  الاعتراف بأخطائك للطرف الآخر أو الاعتذار عنها بأريحية ودون خجل: إذ يشير ذلك إلى أن العلاقة بينكما لم تعد علاقة شرطية قائمة على الثواب والعقاب (تفعل/ين هذا لتحصل/ين على ذاك)، بل علاقة "تفاعلية" تسمح بالمشاركة والتجربة والأخطاء، لينمو وعي الشريكين وشخصيتهما معًا. 

 

- انتهيتما من فترة الاختبارات: إذ يلجأ العديد من الأشخاص إلى وضع الشريك/ة في "مرحلة اختبار" في الشهور الأولى للعلاقة. خلال هذه الفترة يجرب أحد الطرفين، على سبيل المثال، افتعال مشكلة ومراقبة ردة الفعل أو التعبير عن رغبات غير مألوفة أو مناقشة قضايا معينة لاختبار مدى تقبل الشريك/ة للاختلاف في الرأي. قد يكون ذلك أمرًا صحيًا في الشهور الأولى للتعارف، ولكن يُنصح بالانتهاء من هذه المرحلة سريعًا، ليحل محلها الوضوح والصراحة وعدم الإحراج في التعبير عن الاحتياجات والآراء دون اختبارات. 


- تتعاملان مع فكرة الانفصال كخيار متاح دومًا وليس كسلاح للتهديد في وقت الخلاف: أو كورقة ضغط في أي مناقشة ساخنة حول قضية معينة، إذ يشير ذلك إلى ضعف العلاقة، وعدم رغبة أحد الشريكين، أو كلاهما، في تفهم دوافع الآخر واحترامها والوصول إلى حلول وسط. 

 

الزواج كامتياز للأغلبية.. فقط 

 

قد تتوافر كل المؤشرات السابق ذكرها في علاقتك بشريك/ة حياتك، إلا إن الزواج يكون الخطوة التالية، فقط إن كنت مغاير/ة الجنس.

 

الزواج هو امتياز حصري للأغلبية العددية من المغايرين جنسيًا في الوطن العربي، إذ لا يُسمَح قانونًا بزواج المثليين. ويتجلى إنكار المجتمع العربي لحقوقهم في التساؤل المستمر عن الأسباب التي قد تدفع المثليين والمثليات للرغبة في الزواج، بينما يمكن لرجلين أو سيدتين ممارسة حياتهما الجنسية في سرية، لا يمنع المجتمع إقامة رجلين أو سيدتين في مسكن واحد، كما لو كان الجنس هو الدافع للزواج بوجه عام!

 

الحقيقة أن الأمر أبعد كثيرًا عن ذلك، فالمجتمع كله مبني على مؤسسة الأسرة والعديد من الحقوق المدنية والقانونية مرتبطة بها كالتبني، والميراث، وتقرير المصير في أمور متعددة كالموافقة على إجراء العمليات الطبية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تبقى عدم القدرة على الزواج أو تكوين أسرة أو تبني أطفال هي السلاح الأول للأهل للضغط على أبنائهم من مجتمع الميم بدعوى: "هتموت لوحدك ومش هتلاقي حد يراعيك.. ولا ابن ولا زوجة"، أو دفعهم لزواج مغاير فقط لإرضائهم أو استكمال الصورة الاجتماعية المثالية، لتكون صفقة خاسرة ومليئة بالمعاناة والظلم للجميع. 

 

أخيرًا، لا يختلف الزواج المغاير والمثلي كعلاقة تشاركية بين شخصين يرغبان في مواصلة حياتهما معًا، إلا أن القيود الاجتماعية في الوطن العربي تجعل زواج المثليين أمرًا بعيد المنال. نتيجة لذلك، تكون وطأة الضغوط الاجتماعية على الزواج أكثر حدة على المثليين وغيرهم من الأقليات الجنسية، ويُترك أمامهم خياران كلاهما أَمَرّ من الآخر. الخيار الأول هو الاستسلام للضغوط والموافقة على زواج مغاير وكبت الميل الجنسي الحقيقي أو ممارسته بالتوازي في سرية، أما الثاني فهو المعاناة المستمرة من الوصم والإذلال والضغط النفسي من المحيطين.

 

نصل بذلك إلى الحقيقة الحزينة لكل مثلي/ة عربي/ة يحيا في أرجاء وطنه: الزواج هو خيار الأغلبية فقط.. حتى وإن وُجد الشريك/ة المناسب/ة.

 

في النهاية، الزواج تجربة حياتية ينبغي أن يبذل كل طرف فيها كل استطاعته لتكون ناجحة وسعيدة. إذا كان الزواج اختيارًا متاحًا لك، فتزوج/ي فقط عندما تكون/ي مستعدًا/ة لها وراغبًا/ة في اختبارها مع شريك/ة حياة ملائم لطموحاتك وطريقة حياتك. خوضا التجربة كاملة معًا بحلوها ومرها، ولكن تقبلا فكرة أن الزواج ليس رباطًا أبديًا، وأنه فقط "تجربة" قد تستمر طويلًا أو تنتهي بعد فترة من الوقت، وأن ذلك لا يعني الفشل، وإنما هو إحدى النهايات المحتملة لها.