كيف نرى أنفسنا في المرآة؟

بقلم : مي الحسيني



2022-02-01

ما تراه/ينه في المرآة ليس بالضرورة صورتك الحقيقية! لا تفزع/ي! فلا يتعلق الأمر بسحر أو خداع بصري وإنما يتعلق بطبيعة المشاعر التي تشعر/ين بها حول جسدك والأفكار التي تراودك عنه. يشير مصطلح التصور الجسدي أو الصورة الجسدية إلى المشاعر التي يشعر بها الفرد والأفكار التي يتبناها عن جسده والتي قد تكون إيجابية أو سلبية، وتؤثر بدورها على طريقته في التعامل مع جسده وعلى حياته الاجتماعية.

ولعل تعبير التصور الجسدي هو الأدق في هذا السياق، إذ أنه في الكثير من الأحيان لا تتوافق الصورة التي يتمتع بها الفرد عن نفسه مع صورته الحقيقية التي يراها الناس، لأنها تتعلق بـ"تصوره" لجسده أكثر من كونها ترتبط بسمات جسدية ملموسة.

يتكون هذا التصور على مدار سنوات طويلة من حياة الأفراد وتؤثر فيه العديد من العوامل المحيطة خاصة في مرحلتي الطفولة والمراهقة.

 

صورة واحدة وأكثر من مرآة

لا يتكون التصور الجسدي الإيجابي أو السلبي صدفة، وعلى الرغم من أن أي منا يرى صورته في المرآة بعينيه هو أو هي، إلا أنها تكون انعكاسا لانطباعات وأفكار وسلوكيات اختبرناها في مراحل مبكرة من حياتنا، وكانت كل منها بمثابة مرآة نرى صورتنا من خلالها.

 

1- مرآة الوالدين والأسرة

فكما نتأثر بأفكار ومشاعر أبوينا فيما يتعلق بكل الموضوعات، تنعكس رؤيتهم ومعتقداتهم حول الجسد علينا، ويتأثر تصورنا لأجسادنا في مراحل مبكرة من العمر.

تزيد احتمالات عدم الرضا عن الصورة الجسدية إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما شديد الحرص حول وزنه ويسعى باستمرار لإنقاصه أو يعاني من قلق مفرط تجاه زيادة الوزن أو يضع قواعد صارمة للأبناء حول كمية ونوعية الطعام الذي يتناولونه خوفاً من السمنة. زيادة الوزن أو نقصانه ليسا هما الجانبين الوحيدين الذين قد تؤدي المبالغة في التركيز عليهما إلى اضطراب الصورة الجسدية، إنما التعليقات المستمرة على الشكل الخارجي والمظهر الشخصي للنفس وللآخرين سواء بالنقد أو الثناء، والمقارنة بين طلة أحد الأبناء وإخوته. 

من ناحية أخرى، على الرغم من أهمية تنمية الثقة في النفس شكلاً وموضوعاً لدى الأطفال والمراهقين، إلا أن المبالغة في الثناء على الشكل والتغزل في جمال الأبناء يرتبط أيضاً بنمو تصور جسدي سلبي لاحقاً. إذ يؤدي ذلك إلى المبالغة في السعي للكمال للحفاظ على الصورة الجسدية المحببة، ويشكل ضغطاً مستمراً خوفاً من فقدان إعجاب الآخرين.

 

2- مرآة المجتمع والإعلام

فالمعايير التي يضعها المجتمع ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للجمال و"الشكل المثالي" تلعب دوراً كبيراً في درجة الرضا عن صورة الجسد، على الرغم من كون هذه المعايير وهمية ومتغيرة طوال الوقت. على مر العصور تغيرت معايير الجمال بشكل درامي، سواء فيما يتعلق بالقوام، أو لون البشرة أو طبيعة الشعر أو غيرها من المواصفات الجسدية، إلا أن ما لم يتغير إلى حد كبير هو استمرار سعي الملايين للتوافق مع هذه المعايير بحثاً عن القبول والإعجاب.

 

لعل السبب وراء ذلك هو وجود صناعات يقوم ربحها بالكامل على تصدير فكرة عدم الرضا عن شكل شيء ما في جسدك وأنه يمكنك دوماً أن تبدو/ين في صورة أفضل، وعلى رأسها صناعة مستحضرات التجميل والعناية بالشعر والبشرة وإنقاص الوزن ومشدات الجسم وغيرها. كذلك تلعب بعض الاتجاهات الاجتماعية الحديثة دوراً مؤثراً في تحديد المعايير "المثالية" أو الرائجة للمظهر بصورة غير مباشرة مثل موضة الشعر المجعد التي بدأت بدعوة الفتيات إلى "حب شعرهم الطبيعي" ثم تحولت شيئاً فشيء لحركة متعصبة ضد الشعر الأملس وكل من تختار طراز مختلف لشعرها! واقترنت لاحقاً بالترويج لمنتجات بعينها كجزء من صناعة الجمال. مثال آخر على ذلك هو الحميات الغذائية الرائجة مثل حمية "الكيتو" “Keto” أو الحمية النباتية والتي تبناها في بداية رواجها العديد من المؤثرين بوصفها الحل السحري لإنقاص الوزن والتمتع بصحة أفضل. كون هؤلاء المؤثرين يتمتعون عادة بجسد يتوافق مع المعايير الاجتماعية للجمال يرسل رسالة غير مباشرة لكل من لا يتبع هذه الحمية أنه لا يتوافق مع تلك المعايير الجديدة للجاذبية والترند، وتؤثر سلباً بالتالي على شعوره بالرضا عن مظهره. فإذا كنت تشعر/ين بالفعل بعدم الرضا عن صورتك الجسدية سواء بسبب وزنك أو طبيعة بشرتك أو شعرك، ولا يمكنك مجاراة ترند الشعر المجعد أو حمية الكيتو أو اتباع النظام الغذائي، فإنك رغماً عنك ستشعر/ين بالمزيد من عدم الرضا عن ذاتك وتنخفض درجة ثقتك في جاذبيتك الشكلية والموضوعية.

 

3- مرآة الأصدقاء والأقران 

فالطريقة التي ينظر بها الأقران لمظهرك الجسدي تؤثر كثيراً على تصورك الجسدي، لا سيما إن اقترنت بتعليقات إيجابية أو سلبية. تكون أهمية هذه المرآة في أوجها في مرحلة المراهقة، خاصة مع التغيرات الجسدية والنفسية والرغبة في اختبار مشاعر الحب والتمتع بجاذبية لدى الآخرين. كذلك تلعب وتيرة النمو الجسدي دوراً كبيراً في الرضا عن الجسد لدى المراهقين/ات، فالبلوغ والنمو الجسدي المبكر قد يقترن بالخجل من المظهر الجسدي، وكذلك تأخر البلوغ ونمو الأعضاء، خاصة الأعضاء الجنسية. لا يعني ذلك أن تأثير هذه المرآة يتوقف بانتهاء المراهقة، إلا أنه يتحدد بشكل كبير بالدوائر الاجتماعية التي يكون الفرد جزءاً منها وما إن كانت تولي اهتماماً مبالغاً للشكل والمظهر أم لا، أو تنطوي على مقارنات مستمرة مع الآخرين.

 

4- مرآة الشريك

مما لا شك فيه أننا بشكل أو بآخر نسعى لإعجاب الشريك/ة. يرتبط تأثير الطريقة التي نرى بها أنفسنا في عيني الشريك/ة برغبتنا العميقة في الشعور بالجاذبية لديه/ا أكثر من أي شخص آخر. النقد المستمر من جانب الشريك للجسد أو ملمح محدد به أو المظهر بشكل عام يكون له تأثير سلبي عميق عن الرضا عن الصورة الجسدية، والعكس صحيح. يقترن ثناء الشريك/ة على المظهر الجسدي للطرف الأخر وجاذبيته العامة والجنسية بدرجة أكبر من الرضا عن المظهر الجسدي.

 

5- مرآة الذكريات والتجارب الصادمة
يتردى التصور الجسدي للفرد عادة عند تعرضه لتجارب صادمة مثل الاعتداء الجنسي والأذى الجسدي المستمر أو حادث يؤثر على قدراته الجسدية أو يترك أثراً مزمناً، أيضاً، يؤثر التعرض للتنمر المستمر في مراحل مختلفة من العمر سلباً على الرضا عن الصورة الجسدية. مرآة الذكريات والتجارب الصادمة تعكس بداخل من تعرض لها شعوراً مستمراً بالقبح وكراهية الجسد أو انعدام القيمة، يحتاج عادة لعلاج نفسي للتخلص منه.


أي المرايا نختار لتجاوز الآثار السلبية للمرايا السابقة على صورتنا الجسدية؟
مرآة الوعي يمكن أن تسهم إيجابياً في تأثير المرايا السابقة في مراحل لاحقة من حياة الأفراد، لكنه أمر غير يسير أو مؤكد، إذ أن السعي لنيل القبول والإعجاب من المحيطين وخاصة الأشخاص الذين نهتم لآرائهم هو طبيعة بشرية. 

ربما يكون الحل هو نمو الوعي الجماعي وفلترة الأفكار النمطية عن الجسد والجمال والكمال.. فهل يمكن تحقيق ذلك في يوم ما في ظل النمو المتزايد لاقتصاد وشعبية المؤثرين والترويج المستمر لنمط معين للجمال والطلة الحلوة؟ ربما يتحقق ذلك يوماً ما أو لا يتحقق أبداً، ولكن يمكن لكل منا بالتأكيد أن يخلق محيط أفضل لحياته يبتعد فيه بـ"وعي" عن الأفكار التي تشعره بالإحباط تجاه جسده، سواء من خلال المحيطين به أو عبر منصات التواصل الاجتماعي أو غيرها.