غشاء البكارة... صك البراءة الاجتماعية



2017-04-02

صحيفة الأخبار. عدد الاثنين ٢٧ تشرين أول ٢٠٠٨



«عذرية الفتاة» لا تزال السؤال الأهم عند معظم الشباب الشرقي، لما يتداخل في تلك الإشكالية من موروثات اجتماعية وقبلية ودينية، وفي ظل الهوس الجنسي بجسد المرأة و«سوابقه»، تتجه فتيات كثيرات إلى التخلص من آثار علاقات جنسية عبر إجراء عمليات جراحية لترميم غشاء البكارة


كانت رشا تدرك صعوبة موقفها في مجتمع محافظ، وذلك بعدما فقدت ما يُزعم أنه «أغلى ما تملكه البنت»، حيث حدث أن قادها عشيقها إلى تخطي «حدود» كانت ترسمها دائماً لعبث أي عاشقين.
تتأكد رشا مجدداً أنك لن تذكر اسمها الحقيقي في أي مقال، تعيد قراءة ما دُوّن على الأوراق، لتتابع قصتها بخجل الأنثى: «كانت صدمتي كبيرة، لم أستطع أن أخرج نفسي من صورة جريمة شرف أو تخيل طردي من المنزل أو تخيل «كلام الناس» و«الفضيحة»، ولم أجد حلاً إلا نصيحة صديقتي بإجراء عملية تقطيب غشاء البكارة».
هبة لها قصة مختلفة، إنها ضحية تحرش أفقدها بكارتها، لجأت إلى العملية ضمن حلقة علاج للخروج من الآثار النفسية لما تعرضت له، «لا شيء يمكن أن يعالج النقص الذي أشعر به في نفسي، ربما كانت وسيلة لأقتنع بأن كل شيءٍ يُعوّض أو لأضمن حياة عاطفية وزوجية مستقبلية طبيعية دون تعقيدات الشرف والنظرة الدونية».

تجري عمليات ترميم غشاء البكارة وسط تكتمٍ وفي سريةٍ يلتزم بها الطبيب. نحن أمام عالم مغلق على قصصٍ تحكي ما يضج به مجتمع «ينظر إلى شرف الفتاة من خلال ثقب عذريتها، وغالباً ما يكون الزواج فيه فحصاً لعذرية الأنثى»، كما تردد رشا.
الدكتورة سهى نصر الدين بيطار، الاختصاصية في الجراحة النسائية والمعالجة النفسانية، تجزم بأن الجذر الأساسي لقيام الفتيات بعمليات ترميم غشاء البكارة هو هوس الشاب العربي بقضية عذرية الشريكة، والرقابة على ماضيها، لتكون معظم الحالات المراجعة ضحية ابتزاز اجتماعي، وضغوط عائلية أو حتى ضحيةً لتهديد يطال مستقبلها أو حياتها «وهنا دور الطبيب في محاولة إقناعهن بعدم اللجوء إلى هذا الخيار ومواجهة واقعهن، إلا أن معظم الفتيات اللواتي يطلبن ترميم البكارة، هن في حالة يأسٍ ووصلن إلى طريق مسدود».

كيف تتم العملية الجراحية «تقنياً»؟ تشرح بيطار أن «الغشاء يتكون من دائرة من الأنسجة تلتف حول المهبل، وعند المجامعة تتمزق الدائرة من مكان أو اثنين. يقوم الجراح بوصل الطرفين السليمين من الدائرة شرط وجود كمية كافية من الأنسجة في حالة سليمة».
تتراوح كلفة العملية بين حدود 500 دولار، ويؤكد الأطباء عدم حاجة الفتاة إلى موافقة الأهل، كما أن القانون المدني اللبناني لا يتعرض لهذا الموضوع، مما يجعل الجراحة سليمةً قانونياً على الأقل، ولكن ذلك لا ينفي أن الفتاة تمارس احتيالاً أخلاقياً «وإن كان لا بد من أن نتفهم ظروف الأنثى في مجتمعنا الشرقي»، هكذا تنتقد بيطار الشباب المتعلق بخرافة الشرف في جسد المرأة «حسناً، بإجراء العملية تكون الفتاة قد وجدت حلاً لاضطرابها النفسي، ولكن كيف نحل هوس الشاب بدم البكارة ليلة الدخلة؟».

هذا الهوس يظهر في أعراف اجتماعية هدفها التباهي بـ«فحولة» الشاب و«نقاء» الفتاة، وتمثّل عذرية الفتاة سبباً مهماً لجرائم يشهدها المجتمع العربي، وتسمى «جرائم شرف» (؟!)، فحسب مركز قضايا المرأة في القاهرة، تُقتل سنوياً ألف امرأة في مصر وحدها في قضايا «شرف»، أما في لبنان، فتقول الدكتورة عزة شرارة بيضون في كتابها «جرائم قتل النساء أمام القضاء اللبناني» إنه «في بلادنا، كما في بلدان أخرى، تُقتَل نساءٌ، أحياناً، لأنهنّ فقط نساء، ولو كانت هذه النساء رجالاً لما قُتلْن، والذين يرتكبون جرائم القتل هذه هم، غالباً، من الرجال»، وتشير أيضاً إلى أن العنف اليومي ضد النساء مشرّع صراحة في بعض القوانين المدنية اللبنانية، كتنظيم الأحوال الشخصية للطوائف التي تنصّب الرجل قائماً على شؤون المرأة، دون تعيين لحدود سلطته، كما تكمل متحدثة عن جرائم الشرف من الناحية القانونية في لبنان، حيث يكاد القانون يشرّعها حسب المادة 562 من قانون العقوبات التي تنصّ على أنه «يستفيد من العذر المخفّف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جُرم الزنى، أو في حالة الجُماع غير المشروع، فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه بغير عمد».

الدكتور فيصل القاق، الأستاذ في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية، يشير إلى وجود 12 نوعاً ـــ شكلاً من غشاء البكارة، الذي يمثّل امتداداً لقناة المهبل، وأحياناً، يتمتع هذا الغشاء بخواص مطاطية تختلف من امرأة لأخرى، وهذا ما يلغي شرط النزيف عند المجامعة الأولى، وخصوصاً إذا تمت العلاقة بطريقة صحية تراعي الشروط النفسية للأنثى. وافق القاق على دراسة إنكليزية تظهر أن بين 40 إلى 60% من الفتيات العذراوات لا ينزفن عند التمزق الأول لغشاء البكارة، ساخراً من كون العضو الذكري في مجتمعنا مشاعاً، أما جسد المرأة فهو ملكية خاصة للعائلة، يستعمل في التسويق و«تجارة الزواج»، لذا يدافع القاق بشراسة عن عمليات ترميم البكارة، رافضاً وصفها بالاحتيال، ويتساءل عن موقف الرجل الذي يهتم بحياة المرأة الجنسية قبله، فهل للأخيرة الحق بالتحكم بماضيه أو بماضي جسده؟


 

التربية الجنسية لتعزيز السلامة العامة
في التسعينيات من القرن الماضي، أعدّ المركز الوطني للبحوث العلمية مناهج دراسية جديدة، وطُرحت حينها فكرة إدخال مادة التربية الجنسية لتُدرّس في المدارس، حينها، تدخلت سلطة الإكليروس اللبناني للحفاظ على الجنس كـ«تابو» ممنوع على العامة دراسته، وأدت ضغوط المرجعيات المسيحية والإسلامية إلى بعثرة المخططات التربوية المؤهلة للنهوض بالعقل الشرقي للمجتمع. وبدل أن تُقرّ هذه المادة كمادة تثقيفية، دفع المنهج المتعلق ببعض التفاصيل الثقافية الجنسية المخصصة للصف الثالث المتوسط، على سبيل المثال، إلى منهاج الصف الثانوي، بما يحمل ذلك من استخفاف بوعي التلامذة وتخلّف عن ركب العالم الحديث الذي يأخذ في فك أسرار وعي المراهق منذ صغره.

يشير الدكتور فيصل القاق، الطبيب النسائي والأستاذ في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية، إلى أن لجنة «التربية السكانية» التي يشغل فيها مركز الخبير الاستشاري، كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في إعداد المواد والمواضيع المطلوبة، وقد جرى عرضها ونقاش التفاصيل مع هيئات ولجان أكاديمية وتربوية، ولم يكن الأمر يحتاج إلا إلى القرار الرسمي، ويكمل الدكتور القاق، متحدثاً عن دراسات من مشروع صندوق الأمم المتحدة للسكان، والمركز التربوي للبحوث: أظهرت أن أبناء الجيل الشباب يبدون رغبة شديدة في طلب المعرفة عن الصحة الإنجابية، والانتهاكات الجنسية، ويطالبون بوجود مراكز ومراجع اجتماعية وطبية متخصصة موثوقة.
ويقول القاق «في غياب هذه المراجع، فإننا نترك الشباب تحت رحمة مصادر غير مهنية وغير علمية، لتخضع للموروث الاجتماعي والبيئة الذكورية الملوثة المحيطة، ما يسبب بناء ثقافة جنسية عوجاء»، ويسأل القاق بانفعال قد يبدو مبرراً، «من أعطى الرجل وحده في مجتمعنا الحق بامتلاك التربية الجنسية؟».
وبعد ذلك، يلخص محدثنا أهمية التربية الجنسية بثلاث نقاط: أولاً، تعزيز السلامة العامة، عبر التوعية من الأمراض المعدية جنسياً والمشاكل الصحية عند مرحلة البلوغ وحتى في ما يتعلق بالإجهاض وغيره من ظواهر النقص في المعرفة أو الإدراك، وثانياً، زيادة مستوى المسؤولية في العلاقات الشخصية للفرد، والقضاء على سبب مهم من أسباب النزاعات داخل مؤسسة الزواج، وثالثاً، تطوير الثقافة الاجتماعية وتغيير جوهر الفكر العنصري المعتمد في المجتمع ضد جسد المرأة وكيانها.
وأخيراً، يذهب الدكتور فيصل القاق إلى مطالبة الدولة بأن تكون دولة الجميع، وأن تقتنع بأن في المجتمع حركات ومجموعات ترضى بعلاقات ما قبل الزواج كما هناك من يرفضها، ويحق لهم أن يتمثلوا في ثقافة حقوق لا تزال غائبة عن التشريعات المدنية، ويطالب القاق أيضاً المجتمع المدني بتعزيز دوره وتفعيل تحركاته، لرفض الضغط الذكوري على المرأة، وإدخال ثقافة جنسية تحقق مساواة اجتماعية حقيقية.
من جهة ثانية، يجدر التشديد على أن المشكلة تكمن عادة في نظرة الاجتماعية ـــ الدينية بالأساس للعلاقة الجنسية خارج أطر الزواج، حيث يكون الجنس خطيئةً كبيرة، تسهله بعض الأديان للرجال في حالات خاصة، وتحرم منه النساء، وزاد في تعقيد ذلك ذكورية المجتمع التي طوّعت الدين أحياناً ليصبح سيفاً مسلطاً على رقبة الفتاة وحدها، كقصة سعاد التي قبلت الزواج من طلال دون أن تقوى على مصارحته بحقيقة أنها فقدت عذريتها سابقاً، وعندما اكتشف العريس الأمر لجأ إلى استشارة رجل الدين، أفتى الأخير ببطلان الزواج على أساس أن أحكام الزواج من امرأةٍ «ثيّب» تختلف عن تلك من امرأةٍ «بكر»، وستراً للفضيحة، لم يرضَ طلال بإعادة أصول الزواج ومراسمه الشرعية إلا بعدما قبل أهل العروس بإعادة نصف قيمة المهر له، في ما يشبه الرشوة بعد استغلال وضع الزوجة عبر المدخل الديني.

 


هل تعلم/ي؟

عمليات «إعادة العذرية» تساهم في خفض نسبة جرائم الشرف في العالم العربي، ما يجعلها تتراجع بنسبة إلى 80% حسب دراسة مميزة صدرت في العدد 316 من الجورنال الطبي البريطاني.

أعد هذه الدراسة الدكتور أدريان لوجسمان من جامعة روتردام الهولندية، وقد تابع لوجسمان وعاين نماذج من عائلات مهاجرة إلى أوروبا، وكانت هذه العائلات ما زالت تصرّ على مفهوم وجود «البكارة» كشرط للزواج.
وحسب الدراسة، يتراوح معدل أعمار الفتيات اللواتي خضعن للجراحة بين 16 و23 عاماً، جميعهن لم يظهرن أي ندم على إجراء العملية، بل وجدنها عاملاً مساعداً لظروفهن العائلية والاجتماعية والدينية.
وما يسهل إحصاؤه في أوروبا، يصعب التحدث عنه بالأرقام في لبنان والعالم العربي، ونظراً للسرية التي تُحاط بها عمليات ترميم البكارة، فإنه لا يمكن التعرف إلى عدد الخاضعات لها.
من ناحية أخرى، ذكرت دراسة لبنانية بعنوان «دراسة حول حقوق الشباب، الزواج والمعوقات» ونشرت في مجلة العلوم الاجتماعية، أن 62.4% من الطلاب الجامعيين يرفضون تقبل فكرة إقامة علاقة جنسية قبل الزواج، أما اشتراط العذرية فجاء في المرتبة الثالثة في لائحة الشروط بنسبة قاربت 22.4%!
إذاً تلجأ الفتيات «الآثمات» في معظم الأحيان لإخفاء «فضيحتهن» الاجتماعية بعمليات «تجميلية»، تخفي ثقباً في جسد المرأة، وتظهر ثقوباً أخرى في عقليات محيطة. ويكفي أخيراً أن نستذكر من كتاب «الانفجار الجنسي» لياسر أيوب عبارة لمومساتٍ على مثال «العمليات اللي بتتعمل للنسوان علشان ترجع لهم شرفهم على أفا مين يشيل».