الفيتيشية.. تفضيل جنسي أم اضطراب؟

بقلم : كاميليا حسين



2022-11-24

ربما نتذكر والابتسامة ترتسم على وجوهنا بعض المشاهد الكوميدية للفنان فؤاد المهندس في فيلم "مطاردة غرامية"، حيث جَسَّد دور منير المولع بالأحذية النسائية، وبالطبع يشتهر الفيلم بجملة: "مدام.. بوز جزمتك بيدل على أنوثة طاغية، وكعبها بيدل على رقة قلبك، أهنيكي على جمالك وجمال جزمتك".

 

ناقش الفيلم هذا الولع في إطار كوميدي، ولم يربطه صراحة بالجنس، ويمكننا تفهم ذلك في إطار الطابع المحافظ الذي اتسمت به السينما في ذلك الوقت (عُرِض الفيلم عام 1968)، ولكن رَبْط انخراط البطل في علاقات نسائية متعددة من منطلق الولع بالأقدام والأحذية، يجعله واحدًا من الأفلام العربية الجريئة والنادرة التي تناولت موضوع الفيتيشية.

 

قد يختبر بعض الأشخاص ميولًا وتفضيلات جنسية غير معتادة، تشعرهم بالخجل أو العار في بعض الأحيان، لكونها غير سائدة أو مرفوضة اجتماعيًا، وربما يكون بعضنا قد اختبر هذا التفضيل حتى لو بدرجة طفيفة وغير مؤثرة، ومن ضمن تلك الميول ما يُعرف بالفيتيشية.

 

ما نعرفه عن الفيتيشية


 

يشير مصطلح الفيتيشية fetishism إلى الإثارة الجنسية المستمدة من الجمادات، مثل أنواع معينة من الملابس أو الأقمشة، أو أجزاء معينة من الجسم لا يُنظَر إليها عادة باعتبارها جنسية، ومن أشهرها الولع بالقدم.

 

يحتاج الشخص إلى النظر إلى ذلك الشيء أو لمسه أو شمه أو حتى تخيله كي يصل إلى الإثارة الجنسية.

 

المصطلح مشتق من اللفظ اللاتيني Facere والذي يعني فعل الخلق أو الصنع، والذي اشتُق منه اللفظ الفرنسي Fetiche والبرتغالي Feitico، ويعني وثن أو شيء مقدس أو مبجل لأسباب غير عقلانية، وقد صاغ هذا المصطلح الكاتب الفرنسي شارل دو بروس   Charles de Brosses في عام 1760 للإشارة إلى التقديس الديني لشيء مادي تنسب إليه قوة غامضة.

 

إلا أن أول استخدام للمصطلح في سياق جنسي ظهر عام 1887 وتحديدًا في مقال نشره عالم النفس الفرنسي الشهير ألفريد بينيه بعنوان Le fétichisme dans l'amour أو "الفيتيشية في الحب"، وقد شَكَّل مقاله نقطة تحول في تاريخ الجنسانية.

 

تتنوع التفضيلات الفيتيشية للبشر بطبيعة الحال بتنوع شخصياتهم، لكن يمكن أن تندرج أكثر الفيتيشات شيوعًا تحت عدة أنواع من بينها:

 

- أجزاء الجسم: مثل الأقدام، والإبط، وشعر الجسم.

- الجمادات: مثل الأحذية، والملابس الداخلية النسائية، والأقمشة المصنوعة من الجلد أو الحرير، والجوارب الشبكية.

- تعديلات الجسم: مثل الوشوم أو أقراط الجسم.

- وكذلك سوائل الجسم: مثل الأنشطة الجنسية التي تتضمن التبول أو التبرز أو دم الحيض.

 

لكن ما أسباب الفيتيشية الجنسية؟


 

 

لا توجد إجابة حاسمة لهذا السؤال، غير أن هناك العديد من النظريات التي توصل إليها علم النفس، من بين أكثرها شيوعًا تلك التي تشير إلى أن الفيتيشية الجنسية استجابة مُكتسبة تحدث عن طريق الارتباط الشرطي. على سبيل المثال، عندما تقترن الإثارة الجنسية بارتداء نوع معين من الأحذية يصبح هذا الحذاء مرتبطًا بالإثارة الجنسية وقد يتحول إلى مثير جنسي بذاته.

 

وهي النظرية التي أثبتتها تجربة عالم النفس الإنجليزي ستانلي راكمان، والتي أجراها عام 1966، عن طريق عرض صور فوتوغرافية لنساء عارية على الشاشة ثم عرض صور لأحذية نسائية ذات رقبة (بوت)، وبنهاية التجربة تبين أن المشاركين أصبحوا يشعرون بالإثارة الجنسية بمجرد النظر إلى صورة الحذاء.

 

هناك آراء تربط الفيتيشية بوجود سمات شخصية محددة، وكذلك بوجود أنماط سلبية في العلاقة مع الأب أو الأم في الطفولة، وهناك آراء أخرى ترجح أنها تتطور كنتيجة للحرمان من التواصل الجنسي والاجتماعي الصحي، ما يؤدي إلى السعي للحصول على الإشباع بطرق أخرى أقل شيوعًا وأقل من ناحية القبول الاجتماعي.

 

بينما تربطها نظريات أخرى ببعض العوامل البيولوجية كاضطرابات في نمو الدماغ.

 

هل هي اضطراب؟


 

بعض الأفراد يخفون ميولهم ويكتفون بممارسة الخيالات الجنسية، البعض الآخر يجد العزاء في مشاهدة المواد الإباحية المرتبطة بتفضيلاتهم، والبعض الآخر يدمج الممارسة الفيتيشية في النشاط الجنسي المعتاد، وذلك في حالة موافقة الشريك أو الطرف الآخر.

 

إذا كانت لك تفضيلات جنسية مختلفة عن السائد فقد يجعلك ذلك تتساءل عن كنهها، هل أعاني من اضطراب ما؟ هل هذا طبيعي؟

 

بشكل عام لا يعتبر السلوك الفيتيشي أو الميول الفيتيشية اضطرابًا ما لم تتوافر فيه مجموعة من السمات، طبقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، وهي:

 

  • استمرار السلوك أو الخيال المرتبط بالفيتيشية لستة أشهر على الأقل، مع التعبير عن ذلك بالخيال والسلوك.
  • وأن يسبب الشعور بالضيق أو الكرب الشخصي المعيق عن ممارسة الحياة بشكل طبيعي. أو أن يؤدي السلوك الجنسي إلى سلوك إجرامي أو إيذاء جسدي للطرف الآخر أو أن يكون مهددًا للحياة.
  • ألا يكون متعلقًا بارتداء ملابس جنس مختلف، ولا الاستثارة بأداة غرضها جنسي، مثل الهزّاز الجنسي مثلًا.

 

هل يمكن علاج اضطرابات الفيتيشية؟


 

إذا لم تتوافر السمات السابقة، لا يمكننا أن نعتبر السلوكيات الفيتيشية اضطرابًا بحد ذاتها، إذا نحتاج للتفرقة بين الفيتيشية التي يمكن أن تمارس كجزء من الميول الجنسية المختلفة داخل العلاقة الجنسية، وبين اضطراب الفيتيشية.

 

 

للأسف، ما زالت الأبحاث حول نتائج علاجات اضطراب الفيتيشية غير حاسمة، لكنها تسعى لمساعدة المريض على التأقلم بشكل أفضل.

 

كما تعتمد نجاح خطة العلاج بشكل كبير على الحافز وراء توجه المريض للعلاج، فالبعض يلجأ للعلاج من أجل إصلاح العلاقة مع الشركاء، والبعض يلجأ له للتخلص من الشعور الشخصي بالذنب أو العار والضيق، والبعض الآخر خوفًا من السجن خاصة إذا تضمنت اضطراباتهم سلوكيات قهرية مثل السرقة أو إيذاء الآخرين.

 

عادة ما تتضمن الخطة العلاجية مزيجًا من العلاج النفسي المعرفي السلوكي والعلاج الدوائي. ويكون العلاج طويل الأمد، نظرًا لكون الاضطرابات الفيتيشية تميل لأن تكون متقلبة وغير ثابتة، سواء من ناحية الحدة أو التكرار.

 

قد يتضمن العلاج الدوائي مثبطات الأندروجين والتي تعمل على خفض مستوى هرمون التستوستيرون بصورة مؤقتة، وهو ما يقلل من الأفكار والخيالات الجنسية القهرية ويحسن من قدرة الفرد على التركيز أثناء العلاج.

 

بالتوازي مع العلاج الدوائي يُستخدم أيضًا العلاج المعرفي السلوكي حيث يعمل الطبيب/ة على تحديد السبب الكامن خلف سلوك المريض وتعليمه طرقًا مختلفة لإدارة المثير الجنسي بطريقة صحية، وذلك عن طريق الربط بين المثير الفيتيشي ونتيجة سلبية مثل رائحة سيئة أو صدمات كهربية خفيفة، أو خيال سلبي.

 

بعض الفيتيشية لا يضر


 

هناك العديد من الميول الجنسية المتنوعة بقدر تنوع البشر وتنوع تفضيلاتهم المختلفة، لكن تظل المصارحة والمكاشفة بين طرفي العلاقة الجنسية واحدة من أهم أركان العلاقة الصحية، لمساعدتهما على الوصول إلى صيغة ما كي يتمكنا من دمج الميول الجنسية المختلفة في العلاقة الجنسية، بما يحقق الرضا والإشباع للطرفين على حد سواء.

 

إذا لم تصل الفيتيشية إلى حد الاضطراب لدى أحد الشريكين، يمكن أن تستخدم لتحقيق المزيد من الإثارة الجنسية، بعد الاتفاق بينهما، مثلًا الاتفاق على قصر الممارسات الفيتيشية على أيام محددة سلفًا.

 

يمكن أن تتضمن العلاقة تدليك لقدم الشريك مثلًا، أو ارتداء الملابس موضوع الفيتيشية (مثل الملابس الجلدية والأحذية ذات الكعوب) خلال الممارسة الجنسية، أو غيرها من الممارسات طالما جرت بالتراضي ودون إيذاء لأحد الشريكين.

 

هكذا يمكن للزوجين أو الشريكين تحسين التواصل بينهما، من أجل الوصول إلى صيغة أفضل لإدارة الميول الفيتيشية كجزء من العلاقة.

 

المصادر:

https://www.gwern.net/docs/psychology/1966-rachman.pdf

https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-030-65813-7_18

https://www.healthline.com/health-news/what-causes-sexual-fetishes

اhttps://www.psychologytoday.com/intl/conditions/fetishistic-disorder

https://www.annabellepsychology.com/fetishistic-disorder