خمس مقولات علينا تجنبها إذا تَعرَّض أطفالنا للتحرش

بقلم : د. رضوى أسامة



2022-12-01

"الموت أهون من أن يلمسني أحدهم"، كانت تلك العبارة من أكثر العبارات التي رسخت بذهني حين سمعتها من طالبة بالمرحلة الإعدادية.

 

حكت لي القصة في خلال إحدى الجلسات النفسية التي أجريتها ضمن حملة بمدرستها ضد التحرش الجنسي.

 

كانت الصغيرة قد تعرضت لتحرش من قِبل طبيبها المعالج أثناء الكشف عليها. من بعدها رفضت الذهاب إليه، وأصرت على عدم زيارة أي طبيب آخر رغم معاناتها من مشاكل بالقلب.

 

خافت الصغيرة جدًا من ذكر تلك الواقعة لوالدتها، سألتها عن سبب إخفائها المعلومة، أخبرتني أن أمها كانت ستلومها حتمًا وتخبرها أن الطبيب اعتقد أنها فتاة غير محترمة فتصرف معها بهذا الشكل.

 

من خلال عملي، وخاصة في مشاريع العنف ضد المرأة والطفل، التقيت العديد من الأطفال الذين تعرضوا للتحرش، وسمعت الكثير من الشهادات عن معاملة أسرهم لهم بعد معرفة الأمر.

 

ومن منطلق هذه الخبرة، يمكنني جمع بعض المقولات التي ينبغي على الآباء والأمهات تجنبها إذا مروا بهذه التجربة مع أبنائهم.

 

المقولة الأولى: "مستحيل أن يحدث ذلك"


 

يميل الآباء إلى إنكار الحدث، ويرغبون في داخلهم أن يكون هذا الكابوس من اختلاق عقل الصغير/ة، وخاصة لو كان معروفًا عن الطفل/ة خياله/ا الواسع.

 

ولكن إذا ذكر طفلك تفاصيل ما تعرض أو تعرضت له، فهذا مؤشر على وجود مشكلة. نقول هذا سواء حدث التحرش بالفعل أو اختلقه الطفل/ة، في الحالتين علينا أن نتعامل مع الأمر.

 

من المهم أن نسعى إلى تشجيع أطفالنا وطمأنتهم وتصديقهم، والتأكد في الوقت نفسه من صحة روايتهم.

 

إذا لجأ الأهالي إلى هذه المقولة فهذا يعني وجود مشكلة في طبيعة العلاقة بينهم وبين الطفل أو الطفلة، لأنه كلما كان الطفل/ة يشعر بالأمان كان صادقًا أو صادقة في روايته/ا، وإذا كان يتلقى من أبويه احتياجه الطبيعي من التشجيع والإعجاب فلن يكون مضطرًا لاختلاق قصص لجذب الانتباه.

 

المقوله الثانية: "أنت السبب في الأمر"


 

من أكثر المقولات التي يمكن أن تدمر الطفل/ة وتشعره/ا بالذنب الشديد، هي اتهامه/ا بأنه/ا من تسبب/ت في تلقي التحرش.

 

"لماذا ترك الأطفال الآخرين واختارك ليتحرش بك؟"

 

نقد الطفل/ة

 

إلقاء اللوم على الطفل/ة يؤذيه بشكل إضافي، إذ سيتحمل صدمة التحرش بالإضافة إلى الشعور بالذنب لأنه/ا، من وجهة نظر أبويه/ا، تسبب/ت في ذلك.

 

ولكن من وجهة نظر وقائية من الضروري إدخال فكرة "توكيد الحقوق" ضمن إطار تربيتنا لأبنائنا، لأنها وفقًا لبعض الدراسات، تساهم في حماية الأطفال من التحرش، فإذا شعر المتحرش أن الطفل/ة سيفضحه قد يتراجع عن فعل ذلك.

 

من المهم تعليم الطفل/ة المهارات التوكيدية، وتعليمه/ا التصرفات المُثلى في حالة تعرض/ت لهذه الخبرة، مثل الفضح والتعبير عن الاعتراض بصوت عالٍ، والشكوى لمن يثق أو تثق بهم في أطر المدرسة أو النادي وغيرهما.

 

سيبعد هذا المتحرشين عن الطفل/ة، خاصة إذا كانوا يعرفونه/ا مسبقًا وعلى دراية بهذه الطباع الموجودة لديه.

 

ولكن مجددًا، رغم الدور الوقائي الضروري للمهارات التوكيدية، ليس من المفيد أن نلوم الطفل/ة إذا تعرض/ت لتحرش فعلي، إنما ينبغي اللجوء إلى الدعم والتضامن في هذا التوقيت.

 

المقولة الثالثة: "ستتسبب/ين في خراب الأسرة"


 

من الحالات التي يصعب عليَّ نسيانها، حالة طفلة تعرضت للتحرش من الجد المقيم معها ومع أبويها بالمنزل.

 

أخبرت الطفلة أمها بالواقعة، وفوجئت بالأم تلقي باللوم عليها لأنها تحدثت، وحذرتها من أن تخبر أباها، لأن ذلك سيتسبب في "خراب البيت".

 

اكتفت الأم بأن وعدت طفلتها بأن التحرش لن يتكرر، ولكن هذا لم يحدث، وكانت الطفلة تتعرض للتحرش من الجد كلما سنحت الفرصة.

 

توجد دراسات تكشف عن النسب المتزايدة لتعرض الأطفال للتحرش داخل بيئات تبدو آمنة، مثل أن يحدث ذلك من الأقارب أو الجيران، أو غيرهما من الأشخاص المعروفين للطفل.

 

في دراسة أجرتها مؤسسة العنود بالسعودية، تبيَّن أن نسبة 65% من الأطفال تعرضوا لتحرش من أقاربهم أو معارف لهم.

 

لذا فواحدة من العناصر التى تؤكد عليها برامج حماية الطفل ووقايته توعية الوالدين بذلك، وحثهم على الانتباه إلى البيئات التي يتواجد فيها الأطفال مهما بدت موثوقة.

 

ومن ملاحظتي الإكلينيكية للحالات التي تعاملت معها، كثيرًا ما أخبرتني الأمهات أنهن يعرفن تاريخ المتحرش الجنسي، ولكنهن لم يتوقعن أن يفعل ذلك مع الأطفال.

 

المقولة الرابعة: "لا تخبر\ي أحدًا عن هذا التحرش"


 

تعنيف الطفل/ة

 

من الأمور المسيئة للطفل/ة منعه/ا من التحدث عن الأمر مع أي شخص، وكبته عن التعبير عما تعرض له، مما يشجع على شعوره بالعار.

 

هناك دراسات[1] تتحدث عن تزايد الاضطرابات السيكوسوماتية (النفسية الجسمية) لدى الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي، ومن المعروف أن الاضطرابات السيكوسوماتية تنشأ عن التعامل مع الضغوط بشكل غير فعال، وكبت المشاعر، لذا فواحدة من المهارات الهامة التي يعلمها الأخصائي للطفل/ة تشجيعه/ا على التنفيس الانفعالي، الأمر الذي لا يحدث عندما يطلب منه/ا الأهل كتمان الواقعة وعدم إبلاغ أحد بها.

 

كلما ساعدت الطفل/ة على التنفيس الانفعالي وشجعته/ا على طلب المساعدة، خَفَّ التأثير السلبي للتحرش عليه/ا.

 

لذلك أشجع الأهالي على مساعدة الطفل\ة من خلال أخصائي نفسي، والعمل معه\ا من خلال برامج العلاج المعرفي السلوكي، إذ أظهرت دراسة هامة [2] أجريت في مصر فعالية العلاج المعرفي السلوكي في خفض اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال الذين تعرضوا للتحرش الجنسي.

 

المقولة الخامسة: "هل حدث ذلك مرة أخرى؟"


 

الشك الدائم في الطفل وتوقع حدوث ذلك مرة أخرى يزيد من شعور الطفل/ة بانعدام الأمان، وهو الشعور الذي يتسبب في العديد من الاضطرابات النفسية، أبرزها القلق والاكتئاب.

 

من المفترض أن العمل مع الطفل/ة بعد حوادث التحرش يستهدف شعوره بالأمان، ومساعدته/ا على الشعور بالتحكم في بيئته وعالمه الداخلي، فمثل هذه العبارات القلقة تعوقه وتعرقله عن تحقيق ذلك. وقد يزيد الأمر سوءًا إذا كان أحد الأبوين يعاني أصلًا من اضطراب القلق.

 

لذا قد تحتاج الأسرة بأكملها إلى التوجه إلى المعالج/ة لمساعدتها على تجاوز هذا الحدث، والتعامل مع القلق الناتج عن الواقعة.

 

يستطيع المختص/ة أن يساهم في إرشاد تعليم الأسرة والطفل/ة كيفية التعامل مع المشاعر الناتجة عن واقعة التحرش.

 

احرصوا على أن تكونوا داعمين لأبنائكم وبناتكم في حالة تعرضهم/ن للتحرش، ولا تكونوا عبئًا إضافيًا يضغط على مشاعر الطفل/ة.

 

[1] أسماء مرهون ، فطيمة العمرى (2022). الاضطرابات السيكوسوماتية وعلاقتها بالصدمة النفسية لدى الأطفال المتعرضين للتحرش الجنسي.

[2] سماح نبيل ، محمد نجيب الصبوة (2018)  فعالية برنامج معرفى سلوكى فى خفض بعض اضطرابات كرب ما بعد الصدمة لدى عينة من الاطفال الذين تعرضوا للتحرش الجنسي .المجلة المصرية لعلم النفس الإكلينيكى والإرشادى. القاهرة.