الأمومة كجائزة مشروطة.. من يملك حق الوصول؟

بقلم : إسرا صالح



2022-12-06

"ليس إنجاب الأطفال بحد ذاته ما يبدو غير منصف، بل إنجاب الأطفال من الرجال. أطفال يحملون اسم أولئك الرجال. أطفال يحتجزونك بوساطة حب رجل عليك أن ترضيه وتخدميه خشية أن يتخلى عنك".

 

إريكا يونغ

من كتاب الخوف من الطيران

ترجمة: أسامة منزلجي

 

تشغل الأمومة حيزًا كبيرًا من تفكير منة*، التي تتمنى أن تحظى بطفلها يومًا ما، حتى تتمكن من استكمال مسيرتها في الحياة والمساهمة في جعلها أفضل مما هي عليه. لكن مع رغبتها الشديدة في الإنجاب، ما زالت هناك عقبة أساسية تقف في طريق تحقيق غايتها، وهي ضرورة أن تتزوج كي تحظى بهذا الطفل/ة، بينما لا ترغب في الزواج فعليًا، فقط تريد أن تنجب.

 

"بكره فكرة الجواز لأنه نظام عبودية زي ما قالت نوال السعداوي. هقضي طول حياتي في المطبخ، والرجالة بحس انهم عبء. بيبقى طفل انا مفروض آخد بالي منه، وأأكله، وأشربه، وأغسله هدومه، وأبقى متاحة جنسيًا 24 ساعة"، تقول منة التي ترفض فكرة أن الزواج فرض عين على النساء كي يصبحن أمهات، في الوقت الذي يرمي فيه الرجال مسؤولية تربية الأطفال على الأم وحدها.

 

"مفتكرش إن عمري شفت واحد في محيطي بيصحى بالليل يسكت ابنه اللي بيعيط ولا يشيله، ولا يأكله، أو يغيرله، وأنا مش عارفة طالما الست هي اللي بتشيل ليه ما تخلفش لوحدها وتكتبه باسمها؟".

 

تضيف إن نَسْب الطفل للأم قد يحل العديد من مشاكل "قضايا النَسَب المرفوعة في المحاكم"، مما يستدعي إعادة التفكير في مسألة حتمية الزواج.

 

خيار بعيد المنال


 

تتخوف منة من فترة الخصوبة المحدودة المتاحة للمرأة، فترى أن الخيار الأمثل هو السفر إلى إحدى الدول التي تتوافر بها بنوك الحيوانات المنوية لتتمكن من إنجاب طفل/ة وكتابته/ا باسمها، لكنها عندما واجهت والدتها بالفكرة اتهمتها بالجنون.

 

الإنجاب من خلال بنوك الحيوانات المنوية متاح في كثير من أنحاء العالم، حيث أشارت دراسة نشرها موقع (Allied Market Research) إلى أن حجم السوق الخاص ببنوك الحيوانات المنوية حول العالم قدِّر بـ4.741.51 مليون دولار في 2019، ويُتوقع أن يصل إلى 4.860.39 مليون دولار في عام 2027. كما ينتشر هذا السوق في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا والمحيط الهادئ والبرازيل وجنوب أفريقيا وبعض الدول المتفرقة.

 

المسألة غير معقدة خارج منطقة الشرق الأوسط، بحسب الطبيبة والناشطة في الصحة الإنجابية، ريم الشافعي، إذ تدخل المرأة على موقع إلكتروني تابع لإحدى عيادات الخصوبة، وتختار الصفات الجينية المفضلة لها، وإن كانت ترغب في أكثر من طفل من نفس المتبرع وهكذا. لكن في رأيها لن يكون هذا الخيار متاحًا قريبًا في الدول العربية، لأننا "ما زلنا مهووسين بالنموذج التقليدي للزواج".

 

حقن الحيوانات المنوية

 

فكرت منة كذلك في تجميد بويضاتها لكن التكلفة المادية كانت أكبر من قدرتها، مثلها مثل السفر.

 

زواج على ورق


 

تلجأ بعض النساء إلى الزواج بشكل صوري للحصول على بعض الحماية الاجتماعية. فكرت منة في هذا الحل، لكنها أجلته إلى أواخر الثلاثينيات إن لم تستطع إيجاد حل آخر، "بس مظنش هلاقي حد ينفع، ويوافق على الفكرة دي".

 

تشير ريم إلى أنها شهدت عددًا من الحالات اللاتي رتبت بالفعل زيجات على الورق فقط لأجل الإنجاب ثم انفصلت عن شركائها. لكن هذه التجربة ليست مضمونة، كما في حالة آلاء* التي بالفعل تزوجت حتى تنجب، لكن الزوج كان "سيئًا" لدرجة أنها انفصلت عنه بعد فترة بسيطة من الزواج وأثناء حملها الذي لم يكتب له النجاة.

 

كانت آلاء اتفقت مع زوجها السابق أن يكون أبًا على الورق للطفل/ة، خاصة وأنها تكفلت بكل أعباء الزواج المادية، ولم يشارك فيه إلا بجيناته، ثم انتهى الزواج، ولم يكتمل الحمل.

 

"كنت بقول إزاي هكون أم لهذا النوع من الجينات!".

 

تؤكد أنها لجأت إلى هذه الزيجة فقط من أجل الإنجاب، لكنها ترفض الزواج بسبب تصرفات الرجل الشرقي عمومًا، "كنت أتمنى أبقى أم من غير ما يبقي في خُناق في رقبتي اسمه التزام تجاه راجل ممكن يكون بالأساس غير ملتزم تجاه أسرته".

 

السفر أيضًا كان أحد الحلول التي فكرت فيها آلاء، لكنها لم تستطع أن تترك عائلتها، فكان "الحل الوحيد اللي فكرت فيه اني اتفق مع راجل اني أخلف وهو ملوش دعوة. الجواز بس عشان الشكل القانوني اللي الدولة بتفرضه علينا".

 

في الوقت نفسه تربكها أن فكرة إنجاب طفل/ة دون أب قد تتسم بالأنانية، خاصة في المجتمعات الشرقية التي تَصِم الأطفال مجهولي/ات النسب، لكنها في الوقت نفسه ترى أن هذا الحل يجب أن يكون متاحًا للنساء اللاتي يرغبن في مشاركة حياتهن مع رجل.

 

أما الطبيبة ريم فترى أن الأنانية تتحقق إذا كان الهدف من البداية هو مجرد الشعور بالانتصار وتحقيق "قصة نجاح" في المجتمع، وفي هذه الحالة لن يشكل وجود الأب من عدمه فارقًا. كذلك، تؤمن بأن التجربة شخصية تمامًا ولا يحق لأحد "التنظير على اختيارات ستات تانية"، خاصة مع وجود تجارب كثيرة كان تأثير الأب فيها سلبيًا، في حين نشأ أطفال وطفلات كثيرون/ات حول العالم لأم عزباء أو أب أعزب أو والدين أو والدتين، وحظوا بحياة سوية وهانئة.

 

تضيف آلاء: "ماقدرش أواجه حد بأفكاري بس ممكن أقولها على سبيل الدعابة يعني، إن الرجالة مشروع فاشل والجواز مشروع فاشل إنهم غير متحملين المسؤولية بشكل أو بآخر".

 

مشاكل زوجية

أمومة مجمدة


 

بعد تجربة عاطفية "مثالية" انتهت بوفاة الرجل الذي أحبته، رفضت رانيا رأفت* الزواج. "التجربة دي رفعت سقف توقعاتي في المستوى الأخلاقي للشريك لأن الله يرحمه كان خلوق فوق الوصف، كان ملاك"، هكذا تروي رانيا التي ما زالت ترغب في الإنجاب.

 

كان تجميد البويضات أحد الحلول المطروحة أمامها، لكن ارتفاع سعر العملية مَثَّل عائقًا، رغم أن والدتها عرضت عليها أن تبيع جزءًا من ميراثها لتوفير المال اللازم.

 

لم يكن تجميد البويضات منتشرًا في مصر قبل عام 2019، حتى خرجت ريم مهنا في مقطع فيديو على فيسبوك تعلن تجميد بويضاتها، وتشرح أسبابها وكيفية إجراء التجميد، مما شجع نساء أخريات لاحقًا على الإقدام على تجميد بويضاتهن في حال رغبن في الإنجاب مستقبلًا.

 

بيد أن تكاليف عملية تجميد البويضات ما زالت مرتفعة وفي متناول شريحة اجتماعية معينة، بحسب ريم الشافعي، حيث يصل المبلغ المطلوب إلى 30  ألف جنيه مصري للبويضة الواحدة (حوالي 1200 دولار). بالإضافة إلى ذلك، تظل مشكلة إيجاد متبرع للحيوانات المنوية قائمة، أو في الحقيقة تظل مشكلة ضرورة وجود زوج قائمة.

 

في نوفمبر عام 2021، أعلنت دار الإفتاء المصرية عن إباحة عملية تجميد البويضات، لكنها وضعت شروطًا محددة لإجازتها، ومنها الزواج كضرورة لإتمام عملية التخصيب، أي "بدخول البويضة المخصبة في المرأة وهي ما تزال زوجة له".

 

تدعم والدة رانيا ابنتها لإجراء عملية تجميد البويضات لأنها تخشى أن تتقلص قدرات ابنتها الإنجابية مع الوقت، لكن رانيا رغبت في التأجيل بسبب مخاطر العملية والعلاجات الهرمونية. كما أنها رضيت مؤخرًا بـ"الأمومة المجانية الخالية من الضريبة" التي تمارسها مع أطفال أخواتها.

 

فكرت رانيا أيضًا في اللجوء إلى حل "الاحتضان"، لكن القوانين المصرية وقتها لم تكن تتيح بعد التبني للعزباوات.

 

الاحتضان آخر القلاع


 

"فيه شخصية افتراضية دايمًا برسمها اسمها نضال. ابني أو بنتي اللي لسه ماجوش على وجه الأرض". هكذا تعبر ندى* عن رغبتها الملحة في الإنجاب، لكنها ترفض الزواج بسبب مسؤولياته الكبيرة. كما أنها لم تقابل الشخص الذي يشجعها على الإقبال على الزواج.

 

"تجارب الناس اللي حواليا بتخلي الواحد يفكر مليون مرة خصوصًا إني شخص عندي مشكلة وخوف دايمًا من بكره والمستقبل".

 

تعيش ندى أسيرة تساؤلاتها التي ليس لها إجابة، "هل هقدر أعيش في مستوى كويس؟ الشخص اللي معايا ده هل هيكون أب سوي نفسيًا؟ هنقدر احنا الاتنين لو في طفل بينا نطلعه كويس ويعيش في بيئة كويسة؟" لتخلص في النهاية إلى أنها ما زالت رافضة للزواج، دون إيجاد حل لمسألة الإنجاب الذي تتمناه بشدة، لدرجة أنها أيضًا فكرت في الانصياع لإلحاح أهلها والقبول بأي من "العرسان"، لكنها تتراجع عن تلك الفكرة كي لا تستغل طرفًا آخر لتحقيق رغبتها الشخصية.

 

 

"ماعنديش مشكلة في فكرة الـ single mother (الأم العزباء)، لأن بشوف السينجل مام دي لما بتربي الأطفال بتربيهم في بيئة صحية أكتر لأن بحس إن إحنا كستات بنقدر نخلق أو نبني حياة".

 

أيضًا، لا تعتقد ندى أن المرأة مضطرة للزواج لتكون أمًا، فإذا كانت مؤهلة للأمومة فلا يوجد ما يمنعها عنها.

 

انتشرت فكرة احتضان الأطفال في مصر في السنوات الأخيرة، خاصة مع التعديلات التي أدخلتها وزارة التضامن الاجتماعي على شروط الاحتضان، إذ سمحت به للعازبات فوق الثلاثين، مما شجع العديد من النساء للإقبال على الاحتضان. وفي عام 2021، أعلنت الوزارة أن عدد الأسر الكافلة في مصر قد بلغ 11 ألف و700 أسرة، مما يشير إلى رفع الوعي فيما يتعلق باحتضان الأطفال.

 

ومع ذلك، ما زالت العديد من الأسر ترفض احتضان بناتها العازبات لطفل/ة، بسبب النظرة الدونية التي ما زال المجتمع ينظرها للأمهات العازبات، وهو ما تواجهه حاليًا ندى مع عائلتها التي ترفض فكرتها لاحتضان طفل/ة، حتى تتمكن من الزواج والإنجاب بطريقة تقليدية.

 

 

صدمة إضافية


 

بغض النظر عن كيفية إنجاب الطفل/ة دون شريك في مصر، تعتقد ريم أن المولود/ة لأم عزباء تنتظره/ا العديد من المشاكل، بداية من صعوبة تسجيله/ا في مكاتب الصحة التي تشترط وجود الأب أو أي قريب/ة له، بالإضافة إلى حرمانه/ا من التطعيمات وغيرها من أشكال الرعاية الصحية، وكذلك التعليم وكافة الحقوق الأساسية، فضلًا عن الوصمة الاجتماعية التي ستلاحقه/ا بقية حياته/ا. حتى لو كانت الأم تمتلك حكمًا بنسب الطفل/ة.

 

بحسب ريم: "الموظفين نفسهم هيصعبوا عليها الأمور لمجرد إن عندهم moral code (منظومة قيم) مختلفة".

 

ذلك بخلاف الوصم الذي ستواجهه الأم نفسها، حتى إن كانت تعيش في طبقة اجتماعية تسمح لها بالاستقلال، الذي قد يصل إلى الأذى المتعمد، كما تشير ريم، "لأننا بندي نفسنا رخصة إننا نؤذي بسهولة لو حد بيعمل حاجة إحنا مش متعودين عليها". وهكذا ترى أن الإنجاب دون شريك لن يكون آمنًا إلا إذا خرجت المرأة من الشرق الأوسط بأكمله، "إذا كان الوجود في الشرق الأوسط هو تروما (صدمة نفسية)، فالوجود في الشرق الأوسط لأم عزباء تروما مضافة".


 

* أسماء مستعارة للحفاظ على خصوصية المصادر

* الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر أصحابها لا وجهة نظر منتدى الجنسانية