كيف يؤثر تصورك السلبي عن جسدك على متعتك الجنسية؟

بقلم : مي الحسيني



2023-01-02

لا تنتهي تلك الأسئلة اليومية عن أفضل طريقة لتفتيح منطقة "البيكيني" والتخلص من ترهلات الفخذين والسيلولايت (الهَلَل) وأفضل الطرق للتخلص من شعر الجسد نهائيًا، على المجموعات النسائية والصفحات والحسابات المتخصصة في التوعية بالصحة الجنسية على منصات التواصل الاجتماعي.

 

تَرِد هذه الأسئلة في الأغلب من فتيات مقبلات على الزواج وليست لهن تجارب جنسية، وعادة ما تقترن بعبارة "فرحي قرب ومكسوفة أوي من خطيبي" بسبب واحد من الأسباب السابق ذكرها.

 

أما المتزوجات فغالبًا ما يبدأن حديثهن عن أي مشكلة جنسية تطرأ على حياتهن الزوجية بعبارة "أنا جميلة بشهادة الكل ودايمًا مهتمة بنفسي.. بس..".

 

لا تتعلق هذه العبارات بالطرف الآخر على الإطلاق وإنما تنطلق بشكل أساسي من الصورة الجسدية لصاحبات المشكلات، وشعورهن بأن عليهن أن يضاهين ما يجري تسويقه دومًا على كونه "المظهر الجسدي المثالي" في الإعلام التقليدي والرقمي، أو حاجتهن المستمرة لإثبات تماشيهن معه، حتى لا يُتهمن بالتقصير عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع الطرف الآخر.

 

في الكثير من الأحوال، لا ينتبه الطرف الآخر لهذه السمات الجسدية التي تنظر إليها صاحبة المشكلة بوصفها "عيوبًا" تؤثر على مظهرها الجسدي وجاذبيتها الجنسية، إلا أنها في الحقيقة تؤثر سلبًا على متعتها الجنسية وإقبالها على الممارسات الحميمية بوجه عام.

 

بين التشيئ والإسقاط

 

صورة الجسد هي المشاعر السلبية أو الإيجابية التي يشعر بها الفرد والأفكار التي يتبناها عن جسده، وتؤثر على طريقته في التعامل مع جسده وعلى حياته الاجتماعية. ولعل تعبير "التصور الجسدي" هو الأدق في هذا السياق، إذ لا يكون التصور الذي يُكَوِّنه الفرد عن مظهره وجسده بالضرورة صحيح إلا أنه يكون بمثابة فكرة يتبناها الفرد عن نفسه ويتصور أنها صورته في عيون الآخرين.

 

لذا، عادة ما ترتبط صورة الجسد السلبية بإسقاط الشعور بعدم الجاذبية أو وجود عيوب جسدية على الشريك/ة، فنتصور أنهم يروننا كما نرى أنفسنا.

 

يكون الإسقاط أكثر حدة لدى النساء في ظل "التشيئ" المستمر للمرأة في وسائل الإعلام والثقافة المجتمعية بوجه عام، إذ يميل قطاع كبير من النساء إلى رؤية أنفسهن بوصفهن شيئًا أو مخلوقًا "ينظَر إليه" وبالتالي تتعلق قيمتهن وجاذبيتهن بشكلهن الخارجي. فإذا كان هذا الشكل الخارجي لا يتوافق مع "معايير الجمال" من وجهة نظرهن، ينخفض شعورهن بالجاذبية وثقتهن في قدرتهن على إرضاء الطرف الآخر بشكل ملحوظ.

ولعل الضغط النفسي الذي يتعرضن له عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لا مفر من المرور على المحتوى المكثف عن الجمال والموضة ونمط الحياة المفترض، هو أحد العوامل التي ساهمت في ترسيخ هذا التشييئ، خاصة مع صعوبة تجنب المقارنة مع التعرض اليومي لهذا النوع من المحتوى. يقود ذلك إلى ما عرفه العالمان ماسترز وجونسون بظاهرة "المراقبة"، وهي تشير لانشغال الفرد بمراقبة نفسه وجسده أثناء ممارسة الجنس، مما يعوق تركيزه على العلاقة والاستمتاع بالجنس، ويؤثر سلبًا على الأداء الجنسي ويقلل من احتمالات الوصول للنشوة.

 

صورة الذات

 

كيف تؤثر صورة الجسد السلبية على حياتِك الجنسية؟

 

يمكننا من خلال استعراض بعض مراحل العلاقة الجنسية أن نرى بوضوح كيف يمكن أن تؤثر صورة الجسد السلبية على المتعة الجنسية للنساء، كالتالي:

 

1. المبادرة: إذا كنتِ تتبنين تصورًا سلبيًا عن جسدك، وتعتقدين بالتالي أنك "غير جذابة أو مغرية جنسيًا"، فلن تكوني أنتِ المُبادِرة أبدًا بطلب العلاقة الجنسية حتى وإن رغبتِ بها. كذلك، وخاصة في العلاقات طويلة الأمد، تتطلب استمرارية الحميمية بين الشريكين مبادرة كل منهما بطلب الجنس من الطرف الآخر حتى تستمر جذوة الرغبة بينهما.

 

2. الاستجابة للمبادرة الجنسية: بعض الأشخاص -وخاصة النساء بوصفهن الأكثر عرضة لتبني صورة جسد سلبية- قد يمتد الأمر لديهم لتجنب العلاقة الجنسية ككل أو المشاركة فيها في أضيق الحدود وإنهائها في أسرع وقت ممكن. في حالات أكثر حدة، يحجم الفرد عن تكوين علاقات عاطفية أو عن الزواج لتجنب احتمالات الممارسات الجنسية التي قد تتطلب الكشف عن الجسد.

 

3. التعري: هو مُكَوِّن أساسي للإثارة والمتعة الجنسية. إذا كان لديك تصور سلبي عن جسدك، فآخر شيء سترغبين به هو التعري، وإذا اضطررتِ إليه فلن تشعري بالارتياح وغالبًا ما سينشغل بالك بما يراه الطرف الآخر وتنشغلين أنتِ بمراقبة جسدك وبالتالي الانصراف عن الاستمتاع بالجنس.

 

كذلك، قد يحرمك ذلك من الاستمتاع برؤية الطرف الآخر بوضوح بسبب انشغال ذهنك بجسدك، أو رغبتك في ممارسة الجنس في الظلام حتى لا يرى الطرف الآخر جسدك بوضوح. كما قد يحول التصور الجسدي السلبي بينكما وبين ممارسات كثيرة ممتعة بسبب الاعتقاد بأنها تتطلب رؤية جسدك وتحسسه بحرية.


4. الأورجازم: خلال عملية النشوة الجنسية، يفترض أن تكون القشرة المخية "cerebral cortex" المسؤولة عن القلق والتفكير وإصدار الأحكام في حالة سكون حتى يتمكن الفرد من الوصول للنشوة. لذلك فإن انشغالك بمراقبة جسدك والتفكير في شكله وجاذبيته وما يعتقده الطرف الآخر حوله عند ممارسة الجنس يعوق المتعة والنشوة الجنسية.

 

5. الرضا الجنسي: كل ما سبق يقلل من الشعور بالرضا عن الحياة الجنسية. كذلك، أظهرت دراسات عديدة أن النساء اللاتي يتبنين تصور سلبي عن أجسادهن، يَكُنّ أقل إقبالًا على ممارسة الجنس وأقل رضا عن حياتهن الجنسية بوجه عام.

 

كيف يمكنك تقليل أثر التصور الجسدي السلبي على متعتك الجنسية؟

 

بعض الحلول المطروحة قد تدور حول العمل على تحسين السمات الجسدية التي تشعرك بعدم الثقة عن طريق ممارسة الرياضة أو الحمية أو التجمل والتجميل أو غيرها. كل هذه الحلول قد تكون إيجابية بشكل مجرد وقد تساهم بالفعل في رفع درجة الثقة بالنفس، كما قد تسهم الرياضة والحمية بالتحديد في تحسين الصحة العامة.

 

أجساد غير مثالية

 

ولكن الحقيقة أن نفس هذه الحلول قد تشعرك بالمزيد من الإحباط إن لم تنجحي في الوصول إلى النتيجة المنشودة، أو تُشعرك بدفعة مؤقتة فقط من الرضا، كما أنها تركز ذهنك أكثر على الصورة الجسدية السلبية الذي تسعين جاهدة لتحسينها، إن لم تركزي في الوقت ذاته على جذور المشكلة.

 

الحل الحقيقي هو العمل على تحسين تصورك عن جسدك بحق وطريقة تفكيرك به. هناك بعض الخطوات التي قد تساعدك على ذلك، أهمها:

 

1. تخلصي من خرافة "الجسد المثالي": فلا وجود له لأن ببساطة معايير الجمال متعددة وتختلف من شخص إلى آخر وتتغير بتغير الزمن والموضة. اقرأي أكثر عن صورة الجسد والعوامل التي تؤثر بها حتى تستوعبي كيف تكونت صورتك الجسدية. زيادة الوعي بجذور المشكلات يساعد دومًا على التخلص منها.

 

2. تجنبي المقارنات: مع الآخرين بوجه عام، وبالأخص نجمات الفن والإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، فليس كل ما ترينه هو بالضرورة حقيقي. كذلك يختلف نمط حياتك عن غيرك ولكل امرأة جمالها الخاص وجاذبيتها المتفردة.

 

3. تعرفي على رأي الشريك/ة: في كثير من الأحيان لا يرى الطرف الآخر العيوب التي تعاني منها صاحبة المشكلة على الإطلاق وإنما يعتقد أنها جميلة في كل الأحوال. بالطبع، بعض الشركاء قد يعبرون عن استيائهم من مظهر جسدي معين مما قد يضاعف من التصور الجسدي السلبي. في هذه الحال، ربما يكون هذا هو سبب المشكلة ويتطلب الأمر منكما العمل على فهم أساسه أكثر.

 

4. نَمِّي حبك لذاتك: عن طريق التركيز على الجوانب الإيجابية المتعلقة بجمالك الداخلي والخارجي والامتنان لصحة جسدك الجزئية أو الكلية وقدرتك على ممارسة الجنس.

 

أخيرًا.. خسارة أن نضيع جزءًا من أعمارنا وراء وهم "الجسد المثالي" ونفقد متعتنا الجنسية في سبيل محاولة الوصول إليه دون جدوى.. فالمتعة هي الهدف المنشود من الحميمية والشكل الخارجي ليس هو السبيل إليها، وإنما جذوة المشاعر التي تشعل رغبة الشريكين.

 

مصادر:

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/11054789/

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/30307808/

https://www.psychologytoday.com/intl/blog/finding-new-home/202206/how-women-s-body-image-affects-their-sexual-satisfaction

https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2050116120300854

https://psycnet.apa.org/record/2000-12405-010

https://scholarsarchive.byu.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1004&context=familyperspectives

https://www.psychologytoday.com/us/blog/everyone-top/202109/how-poor-body-image-can-undermine-sexual-satisfaction