عالم مفتوح وتحديات عديدة.. الحب على تطبيقات المواعدة

بقلم : تسنيم منير



2023-01-02

في الماضي عرفت المجتمعات العربية مهنة الخاطبة التي تُوَفِّق بين رجل وامرأة مناسبين لبعضهما اجتماعيًا بهدف الاقتران وخلق فرصة للتعارف. تلعب تطبيقات المواعدة دورًا مشابها للخاطبة في العصر الحديث، لكن مع بعض الفروق مثل: غياب توقعات الأهل والقيود الاجتماعية، ووجود حرية للمواعدة بهدف الزواج أو الارتباط في علاقات حرة، وحضور مختلف السياقات الحميمية والجنسية التي يرتضيها الطرفان، كما أن بعض تلك التطبيقات تتيح المواعدة للأشخاص المنتمين/ات للأقليات الجنسية والجندرية. لكن جدير بالذكر ضمن تلك الفروق أن تلك الخاطبة كانت تطرح خيارات محدودة، لا وفرة لانهائية من المرشحين والمرشحات.

 

تكمن المشكلة في أن تلك التطبيقات نشأت لمساعدة الأشخاص الذين لا يضم محيطهم أشخاصًا مناسبين/ات، لكنها استبدلتها بوفرة الاختيارات لدرجة جعلت الوصول إلى الشريك/ة المناسب/ة تحديًا حقيقيًا وسط تنوع الأشخاص وندرة المعلومات المتاحة عنهم.

 

تتجلى تلك الوفرة أيضًا في وجود العشرات من تطبيقات المواعدة على الإنترنت سواء بشكل محلي بين أفراد البلد الواحد أو بشكل عالمي، وكذلك التطبيقات المخصصة للمنتمين لأديان معينة أو لأقليات جنسية وجندرية معينة، بالإضافة إلى تطبيقات تستهدف الزواج فقط لا المواعدة، وتطبيقات تتيح خيارات متعددة لمستخدميها. ويضم كل تطبيق المئات من الأشخاص من مختلف الأنماط والاهتمامات والبيئات والمستويات المادية والاجتماعية والمعتقدات والقيم الحياتية.

 

ما وراء الحيرة والتشتت

 

 

تروي سلمى (امرأة في منتصف العشرينات): "سَمِعت أن مقابلة شخص لطيف على تلك التطبيقات أمر نادر، لكن ما حدث هو تَعَرُّفي على 3 أشخاص، كل منهم كان مبهرًا بشكل ما، وأعجبتني بعض صفاته. كنت أستمتع بوقتي مع الثلاثة، ولا أستطيع تحديد أيهم المناسب. قررت أن أترك لنفسي بعض الوقت، ووجدتني في النهاية غير قادرة على الاختيار ومشتتة جدًا، وأُقَصِّر في عملي باستمرار، ولا أقابل أهلي أو أصدقائي، كان الأمر كالمغناطيس، يسحبني بالتدريج، وشعرت أنه يتطلب جهدًا وتفرغًا كبيرًا".

 

من أسباب التشتت في تطبيقات المواعدة هو انفتاح الاختيارات، خاصة إذا لم تلجأ/ي إلى الاشتراك المدفوع، الذي يتيح لك العديد من المميزات، أهمها مميزات التصفية لتضييق دائرة البحث. تطبيق "بامبل" على سبيل المثال لا يتيح مميزات التصفية بناء على التفضيلات الجسدية أو الدين أو الحالة الاجتماعية أو الهدف من المواعدة أو الميل للإنجاب من عدمه، إلا في حالة الحساب المدفوع. مما يصعِّب الأمر على المنتمين لأقليات دينية أو الذين لديهم تفضيلات معينة، ويخلق الملل لدى المستخدم في العموم لأنه سيقضي وقتًا طويلًا في البحث عن الاقتراح المناسب وسط العديد من الاقتراحات غير المناسبة.

 

تُعَد فكرة الاهتمام بالانتقائية عند المستخدمين عائقًا عن الحصول على شريك/ة من تطبيقات المواعدة، إذ يختبر بعض الأشخاص الرغبة في الحصول على شريك/ة بمميزات قد يكون من غير الواقعي وجودها في شخص واحد، نتيجة عثورهم على أشخاص تتسم حساباتهم الشخصية بمميزات متعددة مبهرة، مما يجعل الشركاء المحتملين/ات غير كافين/ات.

 

تطبيقات المواعدة

 

تتحدث بسمة (امرأة مصرية في أواخر العشرينيات) عن تجربتها مع أحد تطبيقات المواعدة، وتقول: "المشكلة كانت في وجود أشخاص يخلقون حياة كاملة غير حقيقية عنهم على التطبيق، وهذا أدى إلى عدم ثقتي في هذه التطبيقات، ومسحتها بالفعل، إذ لم يقتصر الأمر على حيرة اختيار شريك، بل على التعامل مع حيرة إذا كان هذا الشخص صادقًا أم كاذبًا".

 

فكرة الثقة في الشخص المرشح جعلت رانيا، التي تصنف نفسها نسوية مهتمة بالشأن العام، لا تراسل سوى أصحاب الحسابات المكتملة التي تتضمن معلومات كافية، ولكن هذا لم يمنع صعوبة الوصول إلى شريك، تقول: "أعتقد أنني، ومع زيادة وعيي، أصبحت غير راغبة في التنازل عن العثور على شخص يليق بي، ولكن هذا جعلني أشعر أنني لن أجد شريكًا أبدًا، ربما تكون مقاييسي مرتفعة، ولكنها تظل مقبولة بالنسبة لي".

 

يختبر أشخاص آخرون الخوف من فقدان الفرص fear of missing out، أو الرغبة في خوض كل التجارب التي مر بها الآخرون. يتجلى هذا الخوف في تطبيقات المواعدة حين يعتقد الشخص في وجود شريك/ة أفضل ينتظره، أو يقلق من احتمالية تسرعه في الاختيار، لأنه كان يمكن أن يختار مرشحًا/ة أفضل من الحالي، مما يعيق تطوير العلاقات أو إشباع رغباته واحتياجاته نظرًا لاحتمالية التوافق مع عدد كبير من الأشخاص يوميًا على هذه التطبيقات.

 

يجد خميس (شاب في أواخر العشرينيات) حلًا لهذه المشكلة، إذ يتحدث عن تجربته قائلًا: "عادة ما أتحدث مع عدة أشخاص، لكني أحرص على عدم إطالة تلك المرحلة، وأن اختار شريكة مرشحة واحدة للتركيز على التعرف عليها لتجنب التشتت، وفي حال عدم نجاح الأمر أكرر البحث. يساعدني التركيز على تجنب إهدار الطاقة".

 

لا وقت للمواعدة

 

تحدثت جميلة (امرأة عشرينية) عن أن عامل الوقت والتزامات العمل شكَّلا ضغطًا إضافيًا عليها خلال تعاملها مع تطبيق المواعدة، "لا يمكنني الخروج لمقابلة كل الأشخاص الذين يحدث معهم توافق matching عبر التطبيق لضيق وقتي، ولا أقابل أحدًا إلا إن شعرت بتوافق وراحة، وكثيرًا ما أشعر بإرهاق وملل من التعارف والحديث مع العديد من الأشخاص وأترك التطبيق دون أن أفتحه لأيام".

 

في حين تجد سيرين (امرأة أربعينية) عبئًا إضافيًا في هذه التطبيقات لتخوفها الدائم من ارتفاع مقاييس الجمال فيها: "ارتبطت المقابلات بزيارات لمصففي الشعر وصالونات التجميل لجعل مظهري يتماشى مع صوري الموجودة على التطبيق، وهي من فترة كنت فيها أصغر سنًا وبشرتي أكثر شبابًا، مما أشعرني أني أرسم صورة وهمية عني، وأنه سرعان ما سيفقد الشخص إعجابه بي إن تلاشت تلك الصورة التي لا أملك مالًا كافيًا للحفاظ عليها يوميًا".

 

لا تبدو تحديات الوقت والحاجة للتفرغ شيئًا مفاجئًا؛ إذ صُممت تلك التطبيقات بهدف إتاحة فرص المواعدة لأشخاص غير اجتماعيين/ات أو منشغلين/ات بشكل كبير، أو لشعورهم بالاختلاف والاغتراب عن مجتمعهم.

 

تطبيقات المواعدة

 

ومن المتوقع أن تكون تجربة المواعدة بعد توافق الطرفين مكلفة، سواء لدى الرجال الذين عادة ما يدفعون تكلفة المقابلات بحكم الدور الاجتماعي المفروض عليهم، أو من النساء بحكم تكلفة زيارة صالونات التجميل ليكنّ في كامل تألقهن، أو غير هذا وذلك، بسبب تكلفة الاشتراك المدفوع في التطبيقات نفسها.

 

الكذب والتلاعب 

 

مخاوف أخرى تراود مستخدمي هذه التطبيقات، وهي القلق من التعرض للعلاقات السامة. ولكن ردًا على ذلك تقول شروق (امرأة في أواخر الثلاثينيات): "لا أفهم لم يصف الكثيرون تطبيقات المواعدة بأنها تضم أشخاصًا مسيئين أو كاذبين، لطالما كان هذا هو الحال. دائمًا ما يوجد أشخاص مؤذيون أو متلاعبون. لكن حماية حدودنا وإدراك ما نقبله وما لا نقبله مسؤوليتنا نحن، تمامًا مثل العلاقات التي تتطور من خارج تلك التطبيقات، بالعكس أعتقد أن تطبيقات المواعدة ربما تختصر الوقت وتتيح اختيارات متعددة أكثر".

 

في حين تروي شاهندة (امرأة ثلاثينية متزوجة حديثًا): "حين قابلت زوجي كنت قد قضيت فترة من البحث بشكل جاد على تطبيقات المواعدة عن شريك يناسبني حتى شعرت بالملل، وعندما قابلته وجدته يرغب في تجربة زيارة أماكن أثرية مثلما أحب، ويود شريكة لتلك الزيارات، وتكررت مقابلاتنا وتواعدنا وشعر كلانا بالراحة والتفاهم اللذين تطورا إلى حب وارتباط جاد بعد ذلك وتزوجنا حديثًا".

 

طبقًا للإحصائيات التى نشرها موقع E harmony للمواعدة الشهير عالميًا، يكذب 53% من الأشخاص في المعلومات المنشورة على ملفهم الشخصي على تطبيقات المواعدة، خاصة فيما يتعلق بالسن والطول والوزن والوظيفة والتعليم والمستوى المادي، ويستعين 22% من المستخدمين بأصدقائهم لعمل حساباتهم على هذه المواقع مما يجعلها غير معبرة عن الأشخاص أنفسهم، مع الحرص على ذكر صفات واهتمامات تجعلهم أكثر جاذبية. تذكر الإحصائيات أيضًا رقمًا مهمًا، وهو أن حوالي 48% من العلاقات التي بدأت عبر تطبيق المواعدة تنتهي عبر البريد الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يجده البعض تصرفًا مهينًا لإنهاء العلاقة.

 

نصائح للحصول على شريك/ة مناسب/ة عبر تطبيقات المواعدة

 

* إجراء البحث الكافي

 

تبدأ أولى خطوات البحث باختيار التطبيق المناسب حسب الهدف، فهناك تطبيقات مخصصة للجادين/ت في خطوة الزواج وهناك تطبيقات أكثر شمولية لكل الراغبين/ات في المواعدة، وأخرى محددة بمشاركين من أديان أو جنسيات معينة، وهناك تطبيقات تتيح للنساء بدء المراسلة أولًا، ثم تأتي خطوة البحث عن الشريك/ة نفسه/ا، وتبدأ بتفقد المعلومات التي تم ذكرها على الملف الشخصي، ويمكن اللجوء لتفقد حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي للتأكد من صحة المعلومات المذكورة عنهم.

 

* كن/كوني حاسمًا/ة بشأن رغباتك واحتياجاتك

 

يجب البحث داخلك أولًا عن أي نوع من العلاقات أنت مهتم/ة بتطويره، وما هي اهتماماتك ونمط الحياة التي تفضلها/تفضلينها والمستوى الاجتماعي والتعليمي الذي يمكنك التوافق معه، وما يعد محوريًا في حياتك وخططك المستقبلية، وأيضًا ما يمكنك التنازل عنه.

 

تطبيقات المواعدة

 

* إبقاء المعلومات الشخصية سرًا

 

لا يُفضَّل في بداية التعارف مشاركة جميع المعلومات الشخصية عنك، مثل عناوين الإقامة والعمل أو الأماكن التي تتواجد/ين فيها بشكل دائم، وذلك لتجنب الملاحقة أو المطاردة من الشخص، ويُفَضَّل عدم مشاركة الأسرار، بالإضافة إلى عدم مشاركة أي صور لن تكونا مرتاحين لرؤيتها منشورة بشكل عام، أو خوض أحاديث ذات طابع جنسي قبل الوصول إلى ثقة حقيقية مع الشخص، وذلك للحماية من الابتزاز.

 

* عَبِّر/ي عن نفسك بوضوح وأمان

 

اختر/اختاري صورًا متنوعة كأن توضح/ي وجهك وقوامك، وكذلك من المفضل اختيار صور مطابقة لوزنك وعمرك، أي صور تشبه مظهرك اليومي.

 

فيما يتعلق بالمعلومات الشخصية وضح/ي ما تسعى/ين إليه، واذكر/ي اهتماماتك وكيف تقضي/ن وقت فراغك، وعملك الحالي ودراستك وميولك حيال الزواج والإنجاب، وما تفضله/تفضلينه في الأشخاص وما لا يمكنك التعامل معه.

 

لكن يُنصَح بوضع أمانك الشخصي أولوية، فإذا كان ذكرك لاعتقادك الديني أو ميلك الجنسي أو هويتك أو كونك تتناول/ين الكحول قد يعرضك للخطر يُنصح بعدم وضع معلومات عن تلك النقاط.

 

* استمتع/ي بوقتك ولكن احرص/ي

 

رَكِّز/ى على أشخاص تجمع بينك وبينهم اهتمامات مشتركة، لكن احرصي على عدم الذهاب إلى أماكن غير مألوفة وحدك مع الشريك المحتمل أو الانتقال بسيارته الخاصة أو الذهاب لمنزله، ودائما احرصي على تعريف أصدقاء مقربين أو صديقات بموقعك.

 

* احذر/ي الرايات التحذيرية "ريد فلاجز" داخل العلاقات

 

احذر/ي علامات التلاعب والضغط عليك لفعل أشياء لا تريدها/تريدينها، أو التنازل عن أشياء مهمة لك، وكذلك المعاملة المسيئة. عند تطوير علاقات عاطفية جادة تجنب/ي الأشخاص غير الراغبين في الالتزام لكيلا تصاب/ين بإحباط نتيجة عدم رغبتهم فيما تريده أنت، كما يُنصَح بالقراءة عن العلاقات الصحية والعلامات التحذيرية للعلاقات المسيئة.

 

إن لم تستطع/تستطيعي حسم ما هو نمط العلاقات المناسب لك أو ما هي أولوياتك في الشريك/ة المناسب/ة لك أو تعاني/ن من تحديات في تطوير علاقاتك العاطفية أو لاحظت تكرار نمط الانجذاب لأشخاص غير متاحين عاطفيًا أو غير مهتمين بك أو مسيئين، لا تتردد/ي في استشارة طبيب/ة نفسي/ة أو خبير/ة علاقات عاطفية لإرشادك عن كيفية فهم نفسك واحتياجاتك وتطوير علاقات صحية.

 

تطبيقات المواعدة إحدى وسائل مقابلة شركاء محتملين وبالطبع قد لا تناسب الجميع، حاول/ي الاستمتاع بها والاستفادة منها، ولكن من الضروري الحرص، ومراعاة السلامة الشخصية والنفسية أولًا.

 

* جميع الأسماء المذكورة في الموضوع مستعارة حفاظًا على خصوصية أصحابها.


مصادر:

https://www.eharmony.com/online-dating-statistics/

https://www.datingadvice.com/online-dating/problems-with-online-dating

https://mentalhealthathome.org/2021/08/06/what-is-fomo/

https://www.helpguide.org/articles/relationships-communication/tips-for-finding-lasting-love.htm

https://www.getsafeonline.org/personal/articles/online-dating/