كل ما تريدون معرفته عن فيروس نقص المناعة البشري

بقلم : شيماء حسن



2023-01-24

من المعروف أنّ لكل دولة جيش يدافع عنها ضد الأعداء والدخلاء. وكل جيش له أسلحته وخططه الدفاعية عند مواجهة كل عدو. فماذا يحدث لو هاجم العدو جيش البلاد ودمَّر أسلحته وأربك كل خططه الدفاعية؟ بالطبع ستنهار البلاد ويموت أهلها ويحتل أرضها العدو.

 

هذا ما يحدث بالضبط لجسم الإنسان عندما يصاب بفيروس نقص المناعة البشرية HIV (HUMAN IMMUNE DEFECIENCY VIRUS) 

 

وقد اكتُشِف فيروس نقص المناعة أول مرة في ثمانينيات القرن الماضي مصادفة كنتيجة للممارسات الجنسية لأشخاص مثليي الهوية الجنسية. وكانت هذه هي الممارسة الوحيدة المعروفة لنقل العدوى، وهو ما جعل البعض يعتقد أن هذه الطريقة الوحيدة لانتقال الفيروس، قبل أن تُكتشف طرق أخرى عديدة لانتقاله.

 

يمكن أن يؤدي فيروس نقص المناعة إلى متلازمة نقص المناعة المكتسبة، وهي التي تختصر بكلمة "إيدز" AIDS، ونقول نقص المناعة "المكتسبة" لأنه توجد حالات نقص مناعة وراثية عند الأطفال، لذا من المهم التفرقة بين ما هو وراثي وما هو مكتسب.

 

كيف ينتقل فيروس نقص المناعة البشري؟

 

عندما يدخل فيروس نقص المناعة الجسم فإنه لا يدمر جهاز المناعة مرة واحدة، لكنه يأخذ وقتًا طويلًا، قد يصل إلى عشر سنوات، حتى يدمر جهاز المناعة كليًا، وتبدأ أعراض متلازمة نقص المناعة المكتسبة في الظهور بفعل تزايد الفيروس في دم المصاب\ة.

 

من الصعب تشخيص متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) عند ظهور الأعراض الأولية، وذلك لأن أعراض نقص المناعة أعراض غير محددة، وقد تُنسب إلى أمراض أخرى، مثل الإسهال وظهور عدوى بكتيرية في الجلد أو التهابات في الكلى وخلافه.

 

لذلك فإنّ تشخيص الإيدز (متلازمة نقص المناعة المكتسبة) يعتمد بالأساس على إجراء تحليل دم لمعرفة وجود الفيروس.

 

مَن يصاب بفيروس نقص المناعة البشري يظل حاملًا للفيروس، وبالتالي هو شخص يمكن أن ينقل العدوى، ولكن لا يمكن نقل العدوى بالتعامل اليومي العادي، إنما توجد طرق محددة تنتقل بها، ويمكن حصرها كالتالي:

 

  1. فتحة البول عند الرجال، وينتقل الفيروس خلالها عن طريق السائل المنوي.
  2. فتحة المهبل عند النساء، وينتقل الفيروس خلالها عن طريق إفرازات المهبل.
  3. فتحة الشرج، وينتقل الفيروس من خلالها عن طريق الإفرازات الشرجية والمعوية.
  4. الدم، وهو الوسيط الأكثر شيوعًا لدخول فيروس نقص المناعة إلى الجسم عن طريق نقل الدم أو استخدام حُقَن (سرنجات) مشتركة وملوثة بالفيروس عند مدمني المخدرات.
  5. لبن/حليب الرضاعة، حيث ينتقل الفيروس من الأم المصابة لطفلها أثناء الرضاعة.

 

فيروس نقص المناعة

 

إذن، قد ينتقل الفيروس لجسم الإنسان عن طريق ممارسة الجنس غير الآمن (دون استخدام عازل ذكري) سواء كان هذا الجنس بين ذكر و أنثى. أو بين ذكر وذكر.

 

كما ينتقل من الأم المصابة لطفلها أثناء الحمل عن طريق المشيمة، أو أثناء الولادة عن طريق سوائل المهبل، أو بعد الولادة أثناء الرضاعة من خلال لبن الأم.

 

ولكنه قد ينتقل أيضًا من خلال الدم، عن طريق مشاركة المحاقن (السرنجات) الملوثة بين مدمني المخدرات، أو مشاركة أمواس الحلاقة، أو مشاركة أدوات الأسنان عند أطباء الأسنان.

 

ومن حسن الحظ أن فيروس نقص المناعة لا ينتقل من خلال سوائل الفم أثناء التقبيل، ولا ينتقل من خلال الملامسة والحضن، ولا ينتقل عن طريق النَفَس وبالتالي لا ينتقل من خلال العطس والسعال.

 

ونادرًا ما ينتقل من خلال الجنس الفموي، إلا في حال وجود شقوق وجروح بالفم. 

 

ماذا يحدث عند الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري؟

 

لأنّ العدو (الفيروس) دائمًا ماكر ويتسلل ببطء ولا يشعر به الجسم، فقد تظهر عند الإصابة بالفيروس بعض الأعراض التي تشبه أعراض الأنفلونزا من عطس ورشح وصداع، وتستغرق عدة أيام أو أسبوعين وتنتهي مثل أي دور برد عادي، ولن يعرف المصاب أنّ هذه أعراض الفيروس المسبب للإيدز. 

 

ثم يبدأ الفيروس في التكاثر داخل الجسم  وتدمير الخلايا المناعية ببطء، وقد تستغرق المسألة عدة سنوات دون ظهور أي أعراض تدل على وجود الفيروس بالجسم، إلى أن يصاب الشخص الحامل للفيروس بعدوى بسيطة أو التهاب بسيط في أي عضو من أعضاء الجسم، فلا يستطيع جسمه الدفاع والمقاومة ضد هذه العدوى أو هذا الالتهاب، فقد أصبحت مناعة الجسم منهكة ومدمرة تمامًا بفعل الفيروس الكامن في الدم منذ سنوات.

 

وعند هذه اللحظة تظهر الأورام والسرطانات التي قد تسبب الوفاة فيما بعد.

 

لذلك ليس هناك مرض معين اسمه الإيدز؛ ولكنها مجموعة من الأعراض المرضية التي تحدث بعد عدة سنوات من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري نتيجة تدميره لجهاز المناعة.

 

أيضًا وجود الفيروس في جسم الشخص المصاب وتكاثره في الدم دون ظهور أعراض مرضية معينة، يجعل حامل الفيروس ناقلًا للعدوى دون أن يعلم، وهذا قد يسبب خطورة على مَن حوله.

 

كيف يعلم شخص ما أنه مصاب بالفيروس؟

 

الطريقة الوحيدة لاكتشاف الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري، هي إجراء تحليل الدم. لأنه ليس هناك أعراض مرضية خاصة بفيروس نقص المناعة.

 

وعلى الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس التوجه إلى أقرب مستشفى أو معمل يجري من خلاله تحليل كشف الفيروس.

 

فيروس نقص المناعة2

 

ومن الأشخاص المعرضين للإصابة:

1. أي شخص مارس الجنس دون استخدام واقٍ ذكري، سواء كان جنس مهبلي أو جنس شرجي كما أشرنا.

2. أي شخص نُقِل له دم أثناء عمليات جراحية، أو أثناء الغسيل الكلوي.

3. أي شخص يتعاطى المخدرات بطريق الحقن ويشارك السرنجات مع آخرين.

كل هؤلاء الأشخاص معرضون للإصابة بفيروس نقص المناعة، وينبغي لهم إجراء تحليل دم لتأكيد أو الإصابة نفيها.

 

علاج فيروس نقص المناعة

 

للأسف لا يوجد علاج لفيروس نقص المناعة حتى الآن! ورغم ذلك فقد استطاعت الأبحاث الطبية التوصل إلى بعض الأدوية التي تقلل من تكاثر الفيروس بالجسم، وهو ما يتيح لمناعة الجسم الطبيعية استعادة قواها ومقاومة أي عدوى أو أي مرض بشكل أقرب إلى المعتاد، لأطول فترة ممكنة من السنوات.

 

والهدف من هذا العلاج هو تقليل نسبة الفيروس بالدم حتى لا تستطيع التحاليل الطبية التقاط هذه النسبة الضئيلة.

 

ويستحسن البدء بالعلاج بمجرد اكتشاف الإصابة. فكلما بدأ العلاج مبكرًا كانت فرص التحكّم في تكاثر الفيروس والحد من عبثه بمناعة الجسم أكبر. وعادة ما يعطي الأطباء نوعين أو أكثر من الأدوية.

 

ويُراعى أن يؤخذ الدواء يوميًا في موعده مع متابعة التحاليل التي تبين نسبة الفيروس بالدم، فإذا حدث ولم تستطع التحاليل التقاط الفيروس بالدم لمدة ستة أشهر متواصلة فهذا يعني أنّ هذا الشخص لم يعد معديًا لأشخاص آخرين. وهو ما يسمى: لا يمكن اكتشافه=لا يمكن انتقاله.  

 

ولكن تظل الوقاية هي الوسيلة الوحيدة لمنع الإصابة بالفيروس. وخير طرق الوقاية هي:

  1. عدم ممارسة الجنس أيًا كان نوعه دون استخدام واقٍ ذكري.
  2. عدم مشاركة السرنجات وأمواس الحلاقة وخلافه مع آخرين.
  3. علاج  الأشخاص المصابين بالفيروس المسبب للإيدز بالأدوية المتاحة، وهو ما يقلل نسبة الفيروس بالجسم ويقلل انتشاره.

 

التعايش مع فيروس نقص المناعة البشري

 

لم تعد الإصابة بفيروس نقص المناعة أمرًا مخيفًا مثلما كان عند وقت اكتشافه لأول مرة في الثمانينيات من القرن الماضي، إذ أصبح التحكّم في تكاثر الفيروس داخل الجسم ممكنًا بالأدوية كما أشرنا.

 

ويستطيع الأشخاص المصابون الآن العيش وممارسة الحياة بشكل طبيعي دون خوف، فقط عليهم الحرص على العلاج المضبوط كما يصفه الأطباء، مع متابعة التحاليل الطبية التي تقيس نسبة الفيروس بالدم، وذلك حتى يصلوا لمرحلة لا تلتقط فيها التحاليل الطبية نسبة الفيروس بالدم، وهو ما يقلل من انتشاره بين الناس.

 

كما يجدر بالمصابين الحفاظ على نظام حياة صحي، بتناول تغذية متوازنة والتوقف عن التدخين وممارسة الرياضة، كل ذلك يعزز من صحة جهاز المناعة.

 

الإيدز

 

أيضًا من الضروري تناول التطعيمات ضد فيروسات الإنفلونزا الموسمية.

 

ومن المهم الحرص على ممارسة الجنس بشكل آمن (استخدام الواقي الذكري مثلًا).

 

بالنسبة للسيدات المصابات بالفيروس ويرغبن في الحمل، فهذا ممكن. المهم هو المتابعة مع طبيب النساء المختص وإخباره بالإصابة والترتيب معه بشأن متابعة الحمل وكيفية الولادة وخلافه، لاتخاذ الإجراءات الضرورية التي تمنع انتقال الفيروس إلى الطفل/ة.

 

لا يوجد ما يدعو للوصم

 

ارتبط في أذهان الناس أنّ المصاب بفيروس نقص المناعة البشري إنسان منبوذ، يخاف الناس التعامل معه أو لمسه أو مجرد الاقتراب منه! والحقيقة أنّ هذه الوصمة الاجتماعية ناتجة بالأساس من معلومات خاطئة عن انتقال الفيروس أو طبيعة الأعراض التي يسببها للجسم كما أوضحنا.

 

وحقيقة الأمر أن طرق انتقال الفيروس من شخص إلى آخر عديدة، والأكثر شيوعًا هو انتشار الفيروس من خلال الدم، سواء أثناء العمليات الجراحية أو أثناء الغسيل الكلوي أو أثناء نقل الدم.

 

لا يوجد ما يَصِم شخصًا أصيب بفيروس نقص المناعة وهو يجري عملية جراحية مثلًا، بالإضافة إلى أننا ليس من المفترض أن نَصِم أي شخص بسبب مرضه، مهما كانت اختياراته في الحياة.

 

ومما يجعل الوصم متهافتًا الآن هو أنه أصبح من الممكن علاج فيروس نقص المناعة البشري. بالطبع العلاج ليس نهائيًا، ولكنه سيحد من نسبة الفيروس بالدم ويمنع انتشاره.

 

أخيرًا، فيروس نقص المناعة هو فيروس ضعيف بالأساس و الوقاية منه سهلة، خصوصًا بعد معرفة طرق انتقاله ودخوله إلى الجسم، وعلاجه  أصبح ممكنًا. ورغم أنه ليس علاجًا قاطعًا ونهائيًا، لكنه يمنح الأشخاص المصابين القدرة على العيش بسلام وأمان وبشكل أقرب إلى الطبيعي دون خوف أو شعور بالوصمة. كما أنّ العلاج يحد من انتشار الفيروس وانتقاله لآخرين. المهم هو الوعي باكتشاف الفيروس للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة، والحرص على العلاج في أقرب وقت ممكن.