لماذا أصبحت المواعدة أصعب من أي وقت مضى؟

بقلم : أحمد سمير مصطفى



2023-02-03

في عام 2014 كتبت على صفحتي الشخصية بموقع فيسبوك منشورًا بعنوان "المواعدة هي الحل"، في هذا المنشور كنت أشجع أمثالي من الشباب على المبادرة والتعبير عن مشاعرهم وطلب الخروج في موعد غرامي بالتزامن مع عيد الحب وقتها.

 

كانت حجتي أنه لا داعي لتضييع أوقاتهم في المراقبة بصمت، وأن عيد الحب وقت مناسب للاعتراف بالإعجاب والدعوة للخروج في موعد غرامي.

 

لكن الآن، وبعد مرور 8 سنوات ومن خلال تجاربي الشخصية وتجارب المحيطين، أكتب هذا المقال وأعلنها صراحةً، لقد أصبحت المواعدة حقًا أصعب من أي وقتً مضى!

 

ظهر مصطلح المواعدة dating عام 1890، والذي صكه الصحفي الأمريكي جورج آدي، ليشير إلى التعارف بين الرجال والنساء في الأماكن العامة، لا في البيوت أو الحفلات.

 

وانتشرت ممارسة المواعدة في العالم، كمرحلة مختلفة عن التعارف التقليدي -العائلي أو المرتب- منذ ذلك الحين، خاصة مع تحرر النساء في أوروبا وأمريكا، وبعد الحرب العالمية الأولى، التي أدت إلى مقتل ملايين الرجال حول العالم، ما خلق قناعة أن العمر قصير وأن الاستمتاع بالحياة أصبح ضرورة، بدلًا من المكوث بالمنزل وانتظار فرصة الزواج.

 

أما المواعدة على الإنترنت فقد بدأت في التسعينيات من القرن العشرين عبر عدة مواقع منها Kiss.com و Match.com، ثم بدأت المواقع تنتشر، ثم انتقلت إلى التطبيقات على الهاتف المحمول.

 

على الرغم من انتشار تطبيقات المواعدة وشبكات التواصل الاجتماعية والتقدم التكنولوجي الكبير، صارت المواعدة أصعب. تدخل/ين على تطبيقات المواعدة ويمتلئ حسابك الشخصي بحسابات متوافقة، ولكن النتيجة ما بين الصفر ومحاولات جاهدة لا ترقى لتحقيق الواحد الصحيح.

 

من واقع تجاربي الشخصية، أنواع المتواصلين على مواقع وتطبيقات المواعدة تتنوع بين أنواع فضولية موجودة لمجرد الاستكشاف، وأنواع أخرى تستخدم التطبيقات للقضاء على ملل الساعات الأخيرة من الليل، ونوع آخر يبحث عن الزواج في تطبيقات المواعدة وهو كمن يبحث عن إبرة في كوم قش. النوع الأخير الذي أمقته حقًا هو محترفي الـ Ghosting أو الاختفاء.

 

والـ Ghosting، لمن يهمه الأمر، هو سلوك يمارسه صاحبه في مرحلة ما من المواعدة، إذ يكون الشخص مهتمًا وجادًا وحريصًا على التواصل، ثم يختفي فجأة، وقد يبرر ذلك بالضغوط والمشاكل وضيق الوقت، أو قد لا يبرر الأمر على الإطلاق.

 

 

طرحت السؤال المتعلق بصعوبة المواعدة في زمننا على صفحتي على فيسبوك بحثًا عن إجابة بين أصدقائي.

 

تلقيت العديد من الإجابات وكان من أبرزها ما قاله الصديق ع. ع، الذي رأى أن السبب هو أن مواقع التواصل الاجتماعية وتطبيقات المواعدة قتلت شغف المواعدة ومتعته، خاصة وأن الوصول لمرحلة إفراز الدوبامين -الهرمون المسؤول عن السعادة- أصبح سهل الوصول إليه وتحقيقه دون الاحتياج لنقل العلاقة لمرحلة أرض الواقع، المليئة بالعقبات والاختلافات التي قد تضطرك لمواجهتها.

 

أما إ. ع، وهي شابة تخطت الثلاثين من عمرها، فترى أن المواعدة أصبحت عند البعض مجرد كماليات للشكل الأجتماعي ليس أكثر، ولا يوجد نية نحو تطويرها وترقيتها لتُكَلَّل بالزواج، فالأغلب يرغب في وظيفة مرموقة ونجاح مهني وسيارة جميلة وصديقة فاتنة ليشعر بالرضا عن نفسه.

 

 

كان لـ م. أ، وهو شاب تخطى الثلاثين من عمره رأي آخر، فهو يرى أن الصعوبة ناتجة عن الوفرة المفرطة للعرض والتي أدت لصعوبة الطلب. قديمًا -من وجهة نظره- كانت مجرد محادثة فتاة وفتح حوار معها يعد انتصارًا صغيرًا يستحق الاحتفاء، أما مع التقدم التكنولوجي أصبحت الأمور أسهل والتخلي أيسر، نتيجة الاحتياج العاطفي الكبير الذي قد يدفع الطرفين سريعًا نحو الدخول في علاقة جنسية افتراضية يعقبها شعور بالملل والندم، والبحث عن علاقة جديدة تزرع شغف غريزة الصيد عند الطرفين دون الحاجة إلى الانتقال إلى أرض الواقع.

 

أكثر من فتاة ردت على سؤالي على فيسبوك بالحديث عن مسألة الشكوك في نية الرجال في التعارف. تكمن الشكوك في جدية الرجل تجاه العلاقة وإلى أي مدى هو حريص على الالتزام، بالتالي يشعرن بعدم وجود داعِ لأن يبذلن مجهود مع رجال قد يجرحونهن في القريب العاجل قبل الآجل.

 

كل الإجابات تشير إلى أن المواعدة صارت صعبة، بل أن التطبيقات التي تروّج لتسهيل إقامة العلاقات تزيد الأمر صعوبة، لأنها تجعل الأمر أشبه بالمنافسة حول من لديه الملف الشخصي الأفضل مظهرًا والوصف الأكثر إقناعًا. في الوقت نفسه يغيب التواصل الحقيقي، وتتأثر مشاعر الرومانسية في الحب.

 

ويمكن أن نوجز صعوبة المواعدة الآن في خمس مشكلات رئيسية:

 

المواعدة

 

1. الحرية الفردية

 

قديمًا كانت الاختيارات أيسر وأسهل في كل شيء. مصيرك معلوم ومحتوم من الوظيفة التي تتوارثها عن أهلك، إلى الزوجة التي يختارها لك أهلك أيضًا.

 

كانت مجالات العمل محدودة ومتعارف عليها، وفرص التعرف على شاب أو فتاة أيضًا محدودة وضيقة، نتيجة للعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية.

 

الآن تغير الحال وأصبح كل شيء محط اختيارك، بدايةً من مجال دراستك ومرورًا بمجال عملك الذي أصبح من السهل تغييره والدخول في مجال آخر.

 

بالطبع زيادة الحرية مسألة محمودة، لكن الخيارات الكثيرة إلى حد الإفراط قد تشتت العقل، وقد يضع الشخص لنفسه معايير اختيار كثيرة تعيق عن الارتباط العاطفي، ويصبح من السهل خلق الأعذار والانسحاب سريعًا نتيجة مبررات عدم التوافق.

 

2. الشعور بالضغط وفقد الأمان

 

في استطلاع للرأي جرى في عام 2020، أعربت نسبة كبيرة من الرجال والنساء عن تعرضهم/ن لمضايقات ومحاولات تحرش خلال مواعيدهم الغرامية الأولى، لدرجة وصلت أن 57٪؜ من النساء و35٪؜ من الرجال عبروا عن مرورهم بتجارب من هذا النوع، ما جعلهم قلقين من فكرة المواعدة مع أشخاص خارج إطار دوائرهم الشخصية.

 

3. أحلام غير واقعية

 

توقعاتنا أعلى اليوم لأننا غارقون في صور "الحب المثالي" من التلفزيون والأفلام والإعلانات ووسائل التواصل الاجتماعي. نتوقع الكمال، وإذا لم نجده، فإننا نمضي قدمًا بسرعة. هذا يجعل المواعدة أكثر صعوبة لأنه من الشائع بالنسبة لنا البحث عن الخطأ مع شخص ما، بدلًا من التركيز على ما هو مميز.

 

يتوقع الكثيرون منا أن تكون هناك شرارة قوية منذ البداية، إذا لم يكن الأمر كذلك، فإننا ننسحب ونبحث عن شخص آخر، لأننا نشعر أنه من السهل مقابلة شخص ما بفضل التكنولوجيا الحديثة.

 

أو قد تتحقق الشرارة الأولية، ونستمتع بالعلاقة في مرحلتها الأولى، ولأن ثقافة الاستمتاع أيضًا صارت شائعة، نتوقع أن تستمر العلاقة بهذه الطريقة طوال الوقت. ولكن مثل كل العلاقات، تتلاشى الشرارة الأولى ويبدأ الروتين، فنشعر بالإحباط والملل، ونسعى لتجربة شعور الشرارة مرة أخرى.

 

يقع عدد من الناس في شراك هذا الوضع، السعي دائمًا للبدء من جديد من أجل تكرار مرحلة الاستمتاع الأولية، دون الانغماس في المراحل الأخرى، ويدفعهم إلى ذلك ما يبدو من سهولة العثور على شريك/ة جديد/ة، بسبب كثرة عدد المرشحين على تطبيقات المواعدة.

 

صعوبات المواعدة

 

 

4. غياب الوضوح والشفافية

 

المواعدة صعبة للغاية اليوم بسبب الغموض.

 

في الماضي، كان نمطا الخطبة والزواج هما نمطا العلاقات الأكثر شيوعًا. الآن زادت في مجتمعنا الأنماط الأخرى من العلاقات. لا نعارض ذلك، ولكن المشكلة قد تكون في غياب الوضوح وتصنيف العلاقة بين الشريكين.

 

علينا حين ندخل في علاقة أن نكون واضحين مع أنفسنا ومع الطرف الآخر، ما نية التواصل؟ ما الهدف منها؟ ما الذي سوف يترتب على هذا التواصل مستقبلًا؟

 

5. التيقن من الشريك المثالي

 

مع وجود محركات البحث المختلفة ونجاح حملة "اسأل جوجل"، أصبح سهلًا جدًا التأكد من خياراتك وحسم قراراتك بنقرات متعددة عبر صفحات محرك البحث، تقرأ مراجعات الأفلام وتقرر أيها يستحق المشاهدة، وتختار أفضل أريكة تتمدد عليها بعد يوم طويل في العمل، وتتعرف على المنطقة التي ترغب في شراء عقار بها دون أن تتحرك من مكانك.

 

انعكس هذا الأمر بشكل سلبي على العلاقات والمواعدة، أصبحنا مدمنين للشعور باليقين وتواقين للشعور بالراحة الزائفة نحو الوصول لنتيجة البحث، ولكن هذا لا يمكن أن ينطبق على العلاقات العاطفية. لن يجيبك جوجل ما إذا كان فلانًا أو فلانة مناسبة لك، ولن يفيدك محرك "بينج" في التعرف على إمكانية أن يكون فلانًا أو علانًا متوافقًا بنسبة 100٪؜ مع شخصيتك، وبطبيعة الحال فمحرك "بايدو" لن يعطيك إجابة تشفي فضولك نحو الشخص الذي تتواصل معه منذ أيام وتؤجل الخروج في موعد معه!

 

قد تعلق عقولنا في هذا الفخ، معتقدة أنه من خلال المرور عبر مئات الخيارات، سنكون أقرب إلى معرفة ما إذا كان الشخص الذي أمامنا هو الخيار الأمثل ويستحق المواعدة، وقد يجعلنا هذا نتناسى أن الكثير من العلاقات تُبنى مع الوقت، ولا تُكتَشَف فجأة.

 

من المحتمل أن يشعر البعض باليأس من هذه المشكلات، ولكن الأفضل تجنب هذا الشعور، إذ يمكننا السيطرة على حياتنا العاطفية والاستمتاع بها إذا فهمنا أنفسنا بشكل أفضل. أن نطرح على أنفسنا أسئلة مثل: ما الذي يحفزنا؟ وماذا يربكنا؟ وما الذي يعترض طريقنا؟

 

ومن المهم إدراك أن الحصول على الشريك/ة المناسب/ة ليس بالأمر الهين، ومن الطبيعي والمنطقي أن تواجهنا بعض التحديات، علينا أن نستعد لها ونواجهها.