كيف نُرَبِّي مراهقًا/ة يتقبَّل الرفض في العلاقات؟

بقلم : رضوى أسامة



2023-03-08

منذ أيام شهدت أمًا تضحك مع صديقاتها في النادي لأن طفلها الذي لم يتعد السادسة من العمر ضرب صديقته لأنها أخبرته أنها لم تعد تحبه، وتحب زميلهما الآخر.

 

أَخبَرَت الأم الصديقات كيف استحسن والده ذلك لأنه عَبَّر له عن رجولته المبكرة، وذَكَّرَتها واحدة من صديقاتها بمشهد من مسلسل "ذات" عندما رفضت دعاء، ابنة ذات، الزواج من ابن مديرتها، مما دعا الأخيرة لتقول: "ابني ما يترفضش يا ذات.. عماد ده الشاطر حسن اللي بتجري وراه البنات". وظلت الأمهات الصديقات يضحكن في النادي وهن يحكين القصة ويستعدن مقاطع المسلسل.

 

وقتها تذكرت كل الفتيات اللاتي ذُبحن في الفترة الأخيرة لأنهن رفضن إقامة علاقة مع زملائهن، ورَنَّت في أذني جملة "أنا ما اترفضش"، وهي الجملة التي تُعَبِّر عن عدم رؤية الآخر بحدوده المرسومة التي وضعها أمامي ولم أحترمها، أو ربما لم أستطع أن أراها.

 

أن تربي شخصًا يحافظ على حدوده ويحترم حدود الآخرين أمر في غاية الأهمية، ويبدأ تعليمه من سن مبكرة جدًا، هذه الحدود هي التي ستمكنه/ا من الدخول في علاقة قائمة على التراضي بين طرفين يحترم فيها كل منهما رغبة الآخر فى استكمال العلاقة أو إنهائها.

 

جزء كبير من العنف داخل العلاقات سببه أن أحد الطرفين غير متقبل لفكرة إنهاء العلاقة، وتسيطر على ذهنه جملة "أنا ما اترفضش".

 

لذلك واحدة من الموضوعات التي يجب أن يهتم بها الأهالي هي كيفية تنشئة مراهق/ة يحترم حدوده وحدود شريكه أو شريكته فيما بعد.

 

اكتشاف الحدود

 

واحدة من المهارات الأساسية التي ينبغي العمل عليها مع المراهقين هي اكتشاف حدودهم الجسدية والنفسية، والحفاظ عليها، وفحص العلاقات مع الآخرين، وقياس مدى تعدي الآخرين على هذه الحدود، والتعبير بتوكيدية عن عدم الارتياح إذا انتهك أي شخص هذه الحدود، مهما كانت سلطة الشخص المُنتَهِك.

 

وجود الأهالي مع المراهق/ة ومراجعتهم لعملية فحصهم للعلاقات سيحدث بشكل تلقائي إذا كانت علاقتهم بأطفالهم تتسم بالأمان والاستقرار منذ الطفولة، وقدرة الأهالي على تحقيق ذلك لن تأتي إلا إذا كانوا هم أنفسهم يمارسون ذلك في علاقاتهم بشكل صحي.

 

لا يمكن لشخص غير توكيدي (لا يؤكِّد على حدوده) أن يُعَلِّم طفلًا كيف يتصرف بتوكيدية إزاء انتهاك حدوده.

 

إذا تَعَلَّم المراهق ذلك يمكن الانتقال الى الخطوة الثانية، وهي الاهتمام برؤية الطرف الآخر في العلاقة، والمواجدة (الإحساس بشعور الآخر) مع ما يشعر به، ومراجعه حقوقه.

 

علاقة أم لا؟

 

 

يجب أن يتعلم المراهق/ة كيف ينظر لشريكه بمعزل عن نفسه/ا وعن مشاعره/ا، وأن يسأل نفسه/ا عدة أسئلة قبل اتخاذ أى قرار.

 

المراهقة

 

السؤال الأول هنا: "هل نحن فى علاقة فعلًا؟"

 

لأن التصرف سيختلف إذا ما كنت فى علاقة مع طرف وقرر هذا الشريك/ة إنهاء هذه العلاقة، أم أن هذه العلاقة فى خيالي فقط وأنني معجب بشريك/ة وقررت الدخول في علاقة معه بمعزل عنه.

 

هذا سؤال ضروري أن يطرحه المراهق/ة على نفسه/ا.

 

ما زلت أذكر مراهقة زارتني لتلقي المشورة النفسية وكانت تشعر بالغضب والألم الشديد من زميلها لأنه اختار صديقتها ودخلا في علاقة.

 

كان سؤالي الأول هو: "هل كنتما في علاقة؟"

 

وكانت إجابتها: "كنت أحبه".  

 

بدأنا نتحدث عن مشاعر الشخص الآخر وحقوقه في اختيار من يحب بمعزل عن مشاعرها هي، مع التسليم بالاحترام الكامل لألمها.

 

من حق الشخص أن يغضب نتيجة شعوره بالتخلي عنه، لكن يجب البحث عن الفكرة الكامنة وراء المشاعر، "لماذا أشعر بالغضب؟" و"كيف سأتصرف بناء على هذا الغضب؟"

 

بالطبع فهمي لأسباب التخلي قد يساعد على تهدئتي، فإذا كنت في علاقة متبادلة المشاعر ومتفق عليها وقرر الطرف الآخر تركها لأسباب واضحة، فهذا يجعل مناقشة الفكرة أسهل.

 

أما لو كانت المشاعر من طرف واحد، فمن حقي أن أغضب، ولكن ليس من المفترض أن يتحول غضبي إلى سلوك عدواني، بل ينبغي إدارة مشاعري بحكمة، وإذا لم أستطع التحكم في ذلك، يجب التوجه إلى مختص/ة نفسي/ة لمساعدتي على إدارة هذه المشاعر.

 

في بعض الأوقات يشعر المراهق بالتمركز حول ذاته/ا، وعدم الشعور بالآخر تمامًا، والتركيز على احتياجه هو. تسيطر عليه/ا فكرة مفادها "أنا هنا أشعر بـ (كذا) وأحتاج إلى (كذا)، وعلى العالم أن يلبي هذا الاحتياج".

 

المواجدة

 

المواجدة واحدة من التكنيكات التي تساعد المراهق على الوعي باحتياجات الآخر، واحترام اختياره، والتخلي عن التمركز حول الذات.

 

تعني المواجدة ببساطة الدخول إلى وجدان الآخر، والشعور بما يشعر به، وأن تتدرب/ي على النظر إلى الأمور من منظور الآخر.

 

يمكن للأهالي تدريب أطفالهم على المواجدة منذ وقت مبكر، هذا سيساعد على إرساء المفهوم في أذهانهم، ومن ثم تطويره حين يصلون إلى سن المراهقة.

 

تمارين المواجدة كثيرة، أبسطها تقديم بطاقات تحكي سيناريوهات لأطفال آخرين ليسوا في موقف تفاعل مع الطفل/ة، وعليه/ا أن يخمن ما الذي يشعر به الطفل/ة الموجود/ة على البطاقة.

 

تمرين آخر يمكن ممارسته حين يحكي لك موقف شعر/ت فيه بالغضب، إذ تطلب/ين منه/ا أن يتقمص دور الشخص الآخر الذي غضب/ت منه/ا، ويحكي الموقف من وجهة نظره/ا، ويُخَمِّن ما الذي يشعر به هذا الآخر.  

 

احتواء الغضب

 

تؤثر تكنيكات المواجدة وتمريناتها حتى على الأطفال والمراهقين المصابين باضطرابات مثل "اضطراب المسلك"conduct disorder ، وهو باختصار اضطراب يتسم فيه الطفل والمراهق بالعدوانية الشديدة والإيذاء النفسي والجسدى للآخرين، وعدم احترام حدودهم، وفي بعض الحالات قد يسرق الطفل أو المراهق المصاب بهذا الاضطراب، أو قد يشعل حرائق ويتسبب في كوارث.

 

الأطفال المصابون بـ "اضطراب المسلك" أكثر عرضة لعدم احترام مبدأ التراضي في العلاقة.

 

بالطبع يجب استشارة الطبيب/ة النفسي/ة إذا شعرت أن طفلك أو مراهقك لديه مثل هذه الأعراض، لأنه/ا سيحتاج وقتها لتدخل طبي ونفسي متخصص للتعامل مع الاضطراب.

 

لكن بشكل عام يجب أن تدرك أن واحدًا من أدوارك في التربية هي الحديث عن التراضي في العلاقات، وخصوصًا وأنت تربي مراهقًا يعيش ويتفاعل مع هذا الكم من الأخبار الخاصة بذبح فتيات لأنهن رفضن إقامة علاقة.

 

أتفهم تخوف العديد من الآباء من الحديث عن العلاقات مع المراهق/ة، لكن تعليمك له/ا مهارات التعامل مع الحدود منذ الصغر سيجعل الأمر يمر بسلاسة، لأنه/ا سيدرك مبكرًا معنى العلاقات الصحية. أما تجاهلك لهذا الحديث فسيجعله/ا ينخرط في كم من الأذى النفسي والجسدي سواء كمعتدٍ أو مُعتدى عليه.

 

واحدة من الأسباب التى تدفع المراهق لعدم تقبل التراضي في العلاقات هو الرفض الشديد الذي وجده في طفولته ومراهقته من عائلته، وخاصة لو كان طفلًا/ة يتسبب في العديد من المشكلات، ولم يجرِ التعامل مع هذه المشكلات بحكمة. لذلك عندما يرغب أو ترغب في الدخول في علاقة مع شخص، لا يستطيع تحمل الرفض نهائيًا، ويشعر بالخيانة الشديدة ويتصرف وفقًا لهذا الشعور.

 

لذا لا بد من تقبل الأطفال والمراهقين، والتعامل مع مشاكلهم بحكمة، وطلب المساعدة من مختصين إذا تَطلَّب الأمر.

 

وأيضًا من المهم منذ وقت مبكر تعليمهم/ن مهارات مثل المواجدة ورسم الحدود، ما يساعدهم/ن على إقامة علاقات صحية قائمة على التراضي، وتفهم أكبر للرفض في العلاقات، وتجاوز ألم الرفض بيُسر.