القات في اليمن.. نشوة وخراب ديار

بقلم : غدير طيرة



2023-03-08

يخبرني صديقي المغترب بأنه كان "مولعي" قات قبل سفره الى إحدى الدول الاجنبية لتحضير الماجستير، وأن القات كان سبيله الوحيد لقضاء وقته في البلاد.

 

وأخبرني إنه يعرف أن القات يؤثر على الحياة الجنسية للرجال، "بالرغم من هذا الأمر لا نستطيع أن نعيش في اليمن بدون القات".

 

"المولعي" هو الشخص الذي يتردد على جلسات "تخزين" نبتة القات، و"التخزين" هو وصف جلسات استهلاك القات في أوساط المجتمع اليمني، إذ يضع المتعاطون أوراق القات في الفم ومن ثم يمضغونها ويخزنونها داخل الفم، لتبدأ بعدها شعيرات الفم امتصاص عصارة هذه الأوراق، ويذهب الى الكبد، ومن ثم يحدث تكسير في الكبد، ومنه إلى الدم، وسرعان ما يُنقَل إلى المخ والجهاز العصبي.

 

يعتبر القات منبهًا طبيعيًا، وهو من النباتات المُزهِرة التي تَنبُت في اليمن وشرق أفريقيا. حوالي 20 مليون إنسان في جميع أنحاء العالم يتناولونه بانتظام لأنه يحتوي على عامل ذي تأثير يشبه الأمفيتامين الذي بدوره يُنَشِّط الجهاز العصبي، ويحتوي القات على الكاثينون cathinone، وهو ناقل عصبي أحادي الأمين شبه قلوي، ويُعتبر مُسببًا لانعدام الشهية ومُنشّطًا، ويُؤدّي إلى حالة من النشاط الزائد.

 

صنفت منظمة الصحة العالمية القات كعقار ضار يُسبّب حالة من الإدمان الخفيف أو المتوسط، ويحتوي على نسب قليلة من مُكوّنات الكحوليات والتبغ.

 

تشتهر زراعة القات في اليمن ويكثُر تعاطيه بين أوساط الشباب، ولكن من أخطار الإدمان المزمن على القات حدوث أضرار جنسية عديدة لدى الذكور والإناث على السواء، وسلوكيات جنسية محفوفة بالمخاطر.

 

القات وتأثيره على الصحة الجنسية

 

الدراسات العلمية في اليمن فيما يتعلق بتأثير القات على الجهاز التناسلي محدودة، والبيانات كذلك قليلة، ولكن طبيًا نعرف أن القات يؤثر على الجهاز التناسلي من حيث الأداء الجنسي.

 

في حديثه عن هذا الأمر، يقول طبيب جراحة المسالك البولية د. محمد المغبشي أن القات يؤثر على الخيالات الجنسية المصاحبة للنشوة لأنه يؤثر على مراكز الفرح ويثبط مراكز الحزن.

 

ويضيف: "بعد التخزين يحدث انسحاب، وذلك يؤثر سلبًا على الأداء الجنسي عند الرجل، إذ يؤدي إلى سرعة القذف وفقدان الانتصاب أو ضعفه. ويؤدي إلى الاضطراب النفسي وخلل الدورة الدموية وتشوه العاطفة، ويتداخل ويؤثر في الغدد والهرمونات الذكورية وآلية عمل الجهاز التناسلي، بداية من البروستاتا مرورًا بالمسالك البولية وحتى الخصيتين. هذا معناه أن ضعف القدرة على إقامة العلاقة الجنسية ليس نهاية المضاعفات، وذلك مثبت بالملاحظة الطبية".

 

وحين سألنا الطبيب عبد المنان الدبعي عن تأثير القات على الصحة الجنسية للذكور، أجابنا قائلًا: "عند ممارسة العملية الجنسية، يحتاج الجسم إلى الرغبة الجنسية والانتصاب".

 

ضعف الانتصاب

 

وأوضح بأن القات لا يؤثر على الرغبة الجنسية، في حين أنه يساعد على الانتصاب فقط.

 

يؤكد د. الدبعي أن القات يفيد الانتصاب على المدى القريب، ولكن المشكلة الرئيسية تأتي بسبب تعاطي القات بشكل مستمر، إذ يؤثر القات سلبًا على القدرة الجنسية.

 

لا تقتصر أضرار القات على الحياة الجنسية للرجال، ولكنها تمتد إلى النساء أيضًا، فتعاطيه المستمر يؤثر على الرغبة الجنسية لديهن، كما يُعَد عاملًا للإصابة بالكآبة والتشوش الفكري وظهور أعراض الاكتئاب.

 

الضرر البارز لتعاطي القات هو تأثيره السلبي على دورة التبويض، وانخفاض معدل التخصيب (ضعف عملية تلقيح البويضات)، وقد يرتبط تعاطي القات بعدم القدرة على الإنجاب لدى الجنسين.

 

أشارت دراسة أعدتها هبة مختار سليمان، بمساعدة د. أحمد مصطفى، إلى أن تعاطي القات المتزايد يسبب البرود الجنسي لدى النساء، ويؤدي أيضًا إلى صعوبة الوصول إلى لذة الجماع وهزاته، كما أن المرأة بسبب تأثير القات قد تعاني من ألم مبرح أثناء العلاقة الجنسية نتيجة انخفاض الإفرازات المهبلية أثناء الجماع، الأمر الذي يخلق لها أزمات على مستوى العلاقة الزوجية.

 

تشير التقارير أن النساء المستخدمات للقات قد لا يستجبن للمداعبات الحسية الجنسية، بجانب كونهن عرضة التوتر الزائد خلال العلاقة مما قد يعطل عن المتعة.

 

يؤثر القات أيضًا على الدورة الشهرية، إذ يؤدي إلى نقص أيامها، أو زيادتها وتدفق الدم بغزارة، أو انقطاع الطمث لدى المرأة لفترات طويلة، ما يعني تضرر دورة التبويض.

 

السلوك الاجتماعي وتعاطي القات

 

رغم أن القات يسبب العديد من المشكلات الجنسية للمتعاطين إلا أن هناك أسبابًا عديدة تحول عن التوقف عنه. من بين الأسباب الرائجة الروتين اليومي الذي اعتاد عليه المتعاطون، وما يتخلله من شعور بالنشوة والتركيز أثناء تخزين القات، وهو ما يجعل المتعاطي يشعر بأنه يهرب من منغصات الحياة إلى هذه المساحة.

 

يقول د. المغبشي إن هذا السلوك يجعل المتعاطي يشعر بنشوة وطاقة هائلة، لذلك يستخدمه البعض لزيادة التركيز وإنجاز المهام اليومية.

 

بسبب النشاط العالي الذي يصاحب تناول القات نجد أن من بين من يستهلكه الطلاب وأصحاب المهن الحرفية، والبناؤون الذين يعملون في أماكن مرتفعة.

 

القات يعتبر منشطًا جنسيًا على المدى القريب، إذ يزوِّد الجسم بالطاقة، ويستمر مفعوله خلال فترة الاستهلاك، ولكن تخور قوى المستهلك بعد ذلك ويشعر بحالة هبوط كبيرة.

 

ويؤكد المغبشي: "يرتبط مضغ القات بزيادة السلوكيات الجنسية الخطرة عند الرجال، ويأتي هذا من تأثير مادة الأمفيتامين الموجودة في القات على الجهاز التناسلي، إذ تؤدي إلى زيادة ملحوظة في الانتصاب عند الذكور".

 

الأرجيلة والقات

 

وهناك أسباب كثيرة تجعل متعاطي القات لا يتوقف عن استهلاكه، منها طبيعة تأثيره الإدماني على الجسم، إذ يحتاج الجسم في كل مرة كمًا أكبر من الأمفيتامين عن المرة السابقة.

 

استهلاك القات وتأخر الإنجاب

 

"على زوجي أن يستمع إلى نصائح الطبيب ويمتنع من القات". تقول علياء حسن إنها لم تنجب رغم زواجها منذ ستة أعوام، رغم محاولاتها العديدة لتصبح أمًا.

 

"أجرينا جميع الفحوص الطبية لدى الكثير من الأطباء، وكان سبب عدم الإنجاب هو أن زوجي لديه خلل في حركة الحيوانات المنوية وعددها".

 

بعد مقابلته للطبيب، أخبره بأن عليه أن يتوقف عن مضغ القات لمدة ثلاثة أشهر متتالية، ومن المعروف طبيًا أن القات يؤثر سلبًا على عدد الحيوانات المنوية وحركتها، وأن يستمر على العلاج لهذه الفترة.

 

"مع الأسف زوجي لم يستجب لذلك، وبعد المحاولات من قِبَلي توقف لمدة 20 يومًا، وكان حينها يلاحظ تحسنًا في الانتصاب والحركة، وبعدها عاد إلى القات بعد أن ظن أنه اكتفى وتحسن، وإلى الآن ما زلت مستمرة في محاولاتي لإقناعه بترك القات. وجهت جهدي إلى علاج نفسي، وقابلت أكثر من طبيبة نساء وولادة، ولكنهن جميعًا أخبرني أنني بخير، وأن على زوجي أن يُعالجَ".

 

من منطلق تجربتها، تنصح "علياء" كل متزوج ومتزوجة أن يهتم بصحته/ا الجسدية والنفسية، وأن يهتم بنظامه/ا الغذائي، لتحسين صحة جسده/ا. وعلى الزوج إن كان يعاني من مشكلات بصحته الجنسية أو الإنجابية أن يستمع لنصائح الطبيب وأن يتوقف عن تعاطي القات، على الأقل لفترة محددة إن لم يستطع التوقف نهائيًا.

 

تضيف أيضًا أن الرجل لا يعيبه أن يتلقى العلاج من أجل صحته الجنسية أو من أجل الإنجاب، وكذلك فإن التوقف عن تعاطي القات لا يقلل من رجولة الرجل، بل يزيده ثقة في النفس.

 

القات لا يؤثر على الأداء الجنسي أو يفقد الرغبة ويسبب انتصاب ضعيف أو قذف سريع وحسب، بل يرتبط بفقدان الرجال لقدرتهم على الإنجاب، وقد ظهرت حالات متعددة ذكورية مصابة بالعقم نتيجة تعاطي القات.

 

يؤثر القات أيضًا على صحة المرأة الإنجابية، إذ يؤثر سلبًا على حليب الأم بالنسبة للنساء المرضعات، وله تأثير سلبي على المرأة الحامل، وعلى نمو الجنين وتكامله ونضجه. يرتبط القات أيضًا بتأخر الإنجاب عند النساء، وقد يسبب العقم.

 

ينخر القات في حياة الأسرة اليمنية، ومن الضروري إيجاد معالجات مجدية لحل هذه المشكلة، بإقناع الزوج والزوجة بضرورة تفادي الأضرار المحدقة على حياتهما والإقلاع عن تعاطي القات، ولن يحدث ذلك إلا بالتثقيف، عبر استخدام كل الوسائل المتاحة لتوعية الأسرة اليمنية بمخاطر القات.