أزرق ووردي.. كيف تؤذينا الأدوار النمطية للرجل والمرأة؟
هل فكرت من قبل لِم ترتدي البنات اللون الوردي بعد ولادتهن مباشرة، بينما يرتدي الذكور الأزرق؟
منذ هذه اللحظة يبدأ التفريق بين الولد والبنت، فيُغذي الأهل البنات بمفاهيم تربوية مختلفة عن الذكور. فالفتاة مثلًا يجب أن تتحلى بالحياء، بينما الذكر على العكس، لا بد ألا يستحي. الفتيات يمكن أن يبكين، على عكس الذكور، إذ على الذكر أن يكون قاسيًا. يحيلنا ذلك إلى سؤال لِم توجد صفات ترتبط بالفتيات، وصفات ترتبط بالذكور؟ هل يعني ذلك بأن للنساء أدوارًا في الحياة غير الرجال؟
النساء، في ذهن المجتمع، خُلقن ليكنّ زوجات وأمهات، والرجال خُلقوا ليكونوا قادة، سواء في المنزل أو في المجال العام. لكن لماذا خُلقت هذه الأسطورة واستمرت وأصبح متجذرة في الثقافة المجتمعية إلى هذا الحد؟ لا بد أن ذلك حدث لأن هناك مَن يستفيد من هذه الأسطورة، ويريد تحجيم النساء في دور معين، داخل المنزل، حتى يتسنى لهم السيطرة على المجال العام.
تقول سيمون دي بوفوار في كتاب "الجنس الآخر": "لا تولد الواحدة امرأة بل تصبح كذلك". وتقول أغنية مشروع ليلى "إم الجاكيت" "يا إم الجاكيت والبنطلون.. شفتك واقفة فوق البلكون.. خمنتك شاب يا مادموزيل"، وذلك تكريسًا للأشكال النمطية للفتيات.
عندما نولد يُحدَّد لنا الجنس إبان الولادة، إن كان ذكرًا أم أنثى، بناءً على شكل العضو التناسلي. بعد ذلك توضع الأنثى في قوالب تحدد لها شكلًا وسلوكًا ودورًا معينًا، ويُحَدَّد للرجل أيضًا شكل وسلوك ودور. هذه التوقعات التي يرسمها المجتمع للرجل والأنثى عن السلوكيات والدور المقبول وغير المقبول تسمى بالــ "جندر".
والصورة التي يرسمها المجتمع للنساء تتطلب أن يَكنّ لطيفات ومضحيات وعاطفيات وجميلات، يهتممن بشكلهن وشعرهن وملابسهن. كل ذلك يؤهلهن لدورهن الطبيعي في الحياة، وهو الزواج والإنجاب، وأن يَكنّ أمهات صالحات. أما إذا انتقلت النساء إلى عالم المهن، فهن يبرعن في أعمال الرعاية، لذلك من الأفضل أن يعملن كممرضات أو مدرسات.
أما الرجال فيرى المجتمع أنهم خُلقوا بطبيعة "خشنة" مسيطرة، تؤهلهم لدورهم في الحياة، وهو حماية النساء. وهم يشتهرون بالعقلانية، وكل ما يخص الأعمال الذهنية، لذا هم أجدر بالقيادة من النساء. هم أيضًا من ينبغي عليهم الإنفاق على زوجاتهم، فالرجل هو رب المنزل، وله الولاية.
هكذا يكون لكل من الرجل والمرأة دور محدد مسبقًا في الحياة.
لكن هل يولد الرجال والنساء بهذه الصورة أم يصبحون كذلك كما قالت سيمون دي بوفوار؟ بمعنى آخر، هل هذه الأدوار طبيعية فلا يمكن تغييرها، وهل يمكن تبديل أدوار الرجال والنساء؟
للرجال فقط
منذ ولادتنا نُصَبّ في قوالب نمطية، يغذيها المجتمع من خلال رسائل غير مباشرة، ومن خلال الإعلام، والأفلام، والمسلسلات، والكتب، والروايات، والأساطير وحتى الأمثال الشعبية. كل شيء يخبرنا بأن لكل منا دورًا مختلفًا.
تبدأ الأزمة عندما تريد امرأة تجاوز الأدوار الاجتماعية، والخروج عن المنظومة، وعدم الخضوع لمعايير الجمال المجتمعية، والسلوكيات التي تُنَمَّط بها الأنثى، أو امتهان مهنة رجالية في عرف المجتمع، مثل العمل بالميكانيكا أو المحاماة. العكس أيضًا صحيح، فبالتأكيد نعرف كيف ينظر المجتمع إلى راقص باليه، أو مصمم أزياء.
يبدأ المجتمع هنا بالتشكيك في قدرات النساء، وينظر للرجال باستخفاف.
عبَّر عن هذا المفهوم الفيلم المصري "للرجال فقط"، الذي يدور في إطار كوميدي حول فتاتين، هما سعاد حسني ونادية لطفي، تتنكران في شكل رجلين لكي تعملا كمهندستين للبترول في الصحراء، وهو شيء حكر على الرجال. وبالفعل تنجح المهندستان في العمل بالصحراء وإثبات أن النساء قد يؤدين أعمال الرجال، لكن ينتهي الفيلم بالنهاية التقليدية وهي الحب والزواج.
ولكن هذه الأدوار النمطية تتحول إلى عبء على النساء والرجال أيضًا، إذ يُطلب من النساء إتمام كل الأعمال المنزلية بالإضافة إلى تربية الأطفال، وتصير مشاركة الرجل في ذلك أمرًا غريبًا، وأحيانًا ما تكون مستهجنة. والرجال أيضًا عليهم البحث عن وظيفة سريعًا في بداية عشرينياتهم كي يكونوا "رجالًا" بحق، ولكي يتمكنوا من الزواج.
ليست الطبيعة أو الفروق البيولوجية هي التي فرضت علينا هذه الأدوار، بل التنشئة. هي أدوار من صنع الثقافة المجتمعية، نتوارثها جيلًا بعد جيل، ويشترك المجتمع كله في تغذيتها، ويُجبَر الرجل والمرأة على اعتناقها منذ يومهما الأول في الحياة.
ذكورة في الزاوية الحمراء
قضت الباحثة الأنثروبولوجية فرحة غنام قرابة العشرين عامًا في حي الزاوية الحمراء بالقاهرة. أحد الأسئلة التي طرحتها خلال معيشتها في الحي الشعبي الشهير كان "كيف تتكوَّن الذكورة؟" وتتبعت الإجابة من خلال دراسة بعنوان "عش ومُت كرجل".
من خلال لقاءات يومية مستمرة مع أهالي الحي، وتتبع مسيرة بعض الأطفال حتى يصبحوا رجالًا، توصلت إلى أن مفهوم الذكورة هو مشروع جماعي من التفاوض بين العام والخاص، الرجال والنساء، الصغار والكبار، الأهل، والأطفال، الأصدقاء والأعداء. هناك الكثير من الوكلاء يستثمرون الوقت والطاقة في صنع الرجل.
كل هؤلاء أيضًا يرسمون صورة معينة للرجل، وعليه أن يخضع لها، وعندما يخرج عنها يُتهم بأنه ليس رجلًا حقيقيًا. ويتجلى ذلك في أن الأسرة، والمدرسة، وحتى الإعلام والسينما، ترسخ صورة معينة للذكر، فهو الذي يحمي الأنثى، ويحارب من أجلها، لأنها ضعيفة ومستكينة، والحماية تتطلب أن يكون قوي البنية، وخشنًا.
وبعيدًا عن الدراسة فالمجتمع يصنع مفهوم الأنوثة أيضًا، فيُلزم المرأة بأن تكون جميلة للأبد، ومهذبة، ورفيعة الأخلاق ومطيعة، حتى تجذب رجلًا وتتزوجه، وتؤدي دورها في الحياة، وهو الإنجاب.
يصنع المجتمع كله المرأة ذات الأخلاق الطيبة كي يضمن الرجل نسله الذي سيرثه فيما بعد، وعندما تخرج المرأة عن هذه الأطر أو الأدوار وترفضها، مثل دور الأمومة، أو ترفض خدمة أخيها، أو تفضل العمل على الزواج، تُتهم بأنها خرجت عن الطبيعة، لأن هذه الأدوار في عرف المجتمع طبيعية، وبما إنها طبيعية فلا يمكن تغييرها، ومهما وصلت المرأة لمناصب قيادية، فيظل دورها كأم هو الأساس.
هذه الأدوار أيضًا تتحكم في طريقة التعليم، والتوظيف، وفي التشريعات، وحتى في السياسات العامة.
ضارة بالصحة وتؤدي إلى الوفاة
لا تحرمنا هذه الأدوار النمطية نحن النساء من خوض تجارب ومهن ووظائف اختُص بها الرجال فقط، لكنها قد تقتلنا أيضًا.
هذه الأطر التي نوضع فيها منذ سنواتنا الأولى في الحياة، والدور التقليدي للفتاة كزوجة وأم هو ما يتسبب في منعهن من التعليم والذهاب إلى المدرسة، فالفتيات عرضة بنسبة ثلاثة أضعاف الرجال للتسرب من التعليم في إفريقيا، وفي غرب آسيا تتسرب الفتيات من التعليم بنسب كبيرة بسبب هذه المعايير التي ترى الفتيات في صورة واحدة، وهي الزوجة والأم.
يحرم هذا المرأة من التعليم، ويحرم المجتمع من إنتاجيتهن، ويعطلهن عن التقدم المهني، ويمنعهن من تقلد مناصب قيادية، فبحسب موقع Statista لم تتعد نسبة السيدات اللواتي عملن كمديرات لشركات في مصر 6.3%، أما نسبة مالكات الشركات فلم تتعد 2.3%. كما تتسبب هذه الأدوار النمطية في خلق مجتمع يفتقر الى المساواة والعدالة.
وفي ظروف أخرى قد تقتلنا هذه الأدوار النمطية، فمثلًا قد تفقد المرأة حياتها في منطقتنا العربية بسبب الأعاصير، لأن التقاليد تمنع الأنثى من تعلم السباحة مثل الذكر، وأيضًا في حالات الصراع لا تستطيع النساء والفتيات الحركة بحرية، لأن أماكنهن الطبيعية في نظر المجتمع هي المنزل.
والأدوار النمطية مضرة أيضًا للذكور، ففي حين تُقيَّم الأنثى بجمالها، يُقيم الرجل بثروته، ومكانته الاجتماعية، أو قدرته على حماية الأنثى من ذكور الغابة، وبالتالي يستطيع السيطرة عليها.
سيطرة هذه الأنماط مشكلة تحتاج إلى الحل، والحل يبدأ بإدراك مفهوم الجندر، وإدراك أن الأدوار المفروضة على الرجال والنساء من صنع المجتمع، ويمكن تغييرها أو تبديلها.
وإذا كان تقسيم الأدوار الاجتماعية بالشكل المتعارف عليه كان ضرورة في بداية البشرية، فهو لم يعد ضرورة الآن. إذ لم تعد توجد مهام للنساء فقط، ولا مهن للرجال فقط، تحتاج المرأة فيها للتنكر أولًا حتى تمتهنها، مثلما فعلت سعاد حسني في فيلمها قبل ستين عامًا.
مصادر
Gender Roles: What Are They? (webmd.com)
Rigid gender roles and stereotypes | Safe and Equal
Harmful Gender Norms & Roles Can Create a Lifelong Cycle of Gender Inequality | Save the Children