الصحة الجنسية والإنجابية في المغرب.. هل من تقدم ملحوظ؟

بقلم : سكينة المهتدي



2023-03-15

ارتبط الحديث عن مواضيع التربية الجنسية في المغرب بالنمطية والاستهلاك، بالنظر إلى ما يفرضه الحس المحافظ في البلد من حواجز تحول دون إيصال هذا الخطاب لكثيرين، بداعي كونه من التابوهات الخادشة للحياء والمفسدة للأمة. غير أن النقاش يتجدد بين الفينة والأخرى كلما أُتيحت الفرصة.

 

يتجدد النقاش باستمرار بسبب تواجد آفات مثل التحرش الجنسي في الشارع، وتسجيل حالات العنف الممارس على الجنسين، إلى جانب باقي الظواهر الشاذة من تزويج للقاصرات، واغتصاب وبيدوفيليا (ممارسة الجنس مع قُصَر).

 

تكمن صعوبة تناول مسألة التربية الجنسية في المغرب إلى عدم تفريق فئات عريضة في المجتمع بين التربية الجنسية وحرية ممارسة الجنس.

 

زيادة الوعي بأهمية الصحة الجنسية والإنجابية يساهم في إحراز تقدم سريع نحو تحسين رفاهية الشباب في العموم، ويشتبك مع تحسين حياتهم في جوانب أخرى، مثل الحق في عدم التعرض للتعذيب، والحق في الخصوصية، والحق في التربية وحظر التمييز، وذلك تماشيًا مع أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة، التي نصت عليها منظمة الأمم المتحدة.

 

غير أن الشباب عادة ما يجدون أنفسهم أمام عوائق تحول دون تمتيعهم بحقوقهم بحكم عامل السن، الذي وصفه تقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان بمثابة مُصَوِّغٍ يُستعمَلُ لتقويض إمكانياتهم.

 

التربية الجنسية بين التمثلات والواقع

موضوع التربية الجنسية في المغرب ما زال من التابوهات التي يُنظَر إليها على أنها تشجيع على ممارسة الجنس، بحيث لم تكن للحكومات المتتالية الجرأة في إقحامها في المنظومة التعليمية، وكذلك لم يستطع المجتمع المدني المساهمة فيه عن طريق جسر التربية الأسرية، على الرغم من مظاهر الحداثة والتحولات التي يشهدها المجتمع المغربي.

 

تعتبر ثقافة العيب من أهم الأسباب التي تجعل الآباء والأمهات لا يربون أبناءهم وبناتهم جنسيًا، إلى جانب غياب المعلومة الصحيحة لإيصالها إليهم، علاوة عن عدم معرفة الطرق المناسبة لذلك في كثير من الأحيان.

 

تفاعلًا مع الموضوع، يرى محسن بن زاكور، الأستاذ في علم الاجتماع، أن "كثيرًا ما يجري الحديث عن احتمالية إقحام التربية الجنسية في مقررات المدارس، إلا أنه كان على الأجدر أن تحاول فعاليات المجتمع المدني من جانبها، على الأقل، إجراء محاولات تحسيسية في هذا الإطار، في انتظار تفعيل القرار السياسي، وهو ما لم يحدث مع الأسف".

 

وزاد بن زاكور: "وبالتالي باتت الممارسة الجنسية عند المغاربة، التي عادة ما تبدأ في سن مبكرة جدًا، أي خلال فترة المراهقة المعروفة بتعرض الجسم لعديد من التغيرات الهرمونية، تُطَبَقُّ في ظل جهل مطبق للتربية الجنسية. ونقصد هنا الممارسات الجنسية في العموم وليس الجماع، كوننا نتحدث عن التمثل والعلاقة بالآخر، أي العلاقة الرضائية المسؤولة، الرغبة أو عدم الرغبة في أن تصبح مسؤولًا".

 

موضحًا: "لأن الفعل لا يكون عن طواعية ومسؤولية ورغبة، بل نتيجة القرار الجنسي الخاطئ من الأساس، يقع غالبية الشباب في مصيدة الحمل غير المرغوب فيه".

 

نعاين هنا غيابًا تامًا للحماية وللعازل الطبي، وكذا الوعي بالمسؤولية القانونية والاجتماعية، في مقابل حضور قوي للشهوة والرغبة الجنسية، في ظل إقصاء كلي لما قد تقوم به التربية الجنسية بهذا الخصوص.

 

وأردف الأستاذ الجامعي: "ما زالت الأسر المغربية لا تقوى على فتح هذا الحوار، بالنظر إلى ثقافة العيب أو (الحشومة) بالعامية المغربية السائدة في المجتمع المغربي؛ بحيث أن أقصى ما يمكن أن تقوم به الأم على سبيل المثال هو تجهيز ابنتها إلى العادة الشهرية ثم الزواج فيما بعد".

 

الدورة الشهرية

 

قد يخال البعض أن التربية الجنسية هي انفتاح زائد عن اللزوم وتشجيع للغريزة الإنسانية عند البالغين، في حين أنها عبارة عن "تكوين" يلازم الطفل أو المراهق خلال مراحله التعليمية، تُؤَثِّثُ له الأسرة في البيت ويستمر في المدارس.

 

واستطرد المتحدث: "أما حينما تغيب هذه الأشياء نسقط في العنف الجنسي ثم التحرش الذي نعاينه كثيرًا في الشارع المغربي، بحيث يصبح الجسد في نظر الذكر سلعة معروضة للبيع، وليس إنسانًا حرًا له الحق في الحياة العامة؛ وذلك نتيجة الكبت الجنسي الذي يعيشه، إذ لا يدرك بأن الرغبة في الآخر هي رغبة رضائية وسمو إنساني وعواطف. وبالتالي تتحول تلك الرغبة إلى رغبات مهووسة بدل صور الرومانسية البديهية بغرض التقرب من الآخر، التي تبدأ بالعلاقة قبل الوصول إلى الفراش".

 

بالتالي فهذا التصور للجنس يحتاج إلى إعادة التربية حتى نسمو به إلى مقامه وبعده الإنساني. وكي نكون واضحين، فالجنس لا يمارس في المغرب فقط داخل مؤسسة الزواج وإنما حتى خارجها في إطار ما يسمى بـ "العلاقات الرضائية" التي في كثير من الأحيان تكون عرضة لانتقال الأمراض بسبب ضعف التوعية، على حد تعبيره.

 

يتبين من خلال زوايا متعددة أن الخوض في موضوع التربية الجنسية يحيل على أن المغرب ليس مجتمعًا ذا بوصلة فكرية منسجمة. هناك محافظون ينددون بقوة ضدّ إدراجها؛ وهناك حداثيون يرمون بكل أوراقهم لأجلها.

 

المجتمع المدني والتوعية بالصحة الجنسية والإنجابية

 

وفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية يحمل عنوان "التغطية الصحية الشاملة للصحة الجنسية والإنجابية في المغرب"، ما زالت المملكة تسير بخطى متواصلة نحو تعزيز أدوات المساءلة وآلياتها لبلوغ أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية بحلول عام 2030.

 

لقد خاض المغرب مراحل عدة بدءًا باعتماده لـ "برنامج العمل" الخاص بالمؤتمر الدولي للسكان والتنمية لعام 1994. بيد أنه وعلى الرغم من التقدم المحرز في هذا المجال المتمثل في حزمة من الإجراءات أهمها اعتماد اتفاق إطاري في أبريل عام 2021، خاص بالرعاية الاجتماعية (قانون رقم 09.21)، يشمل توفير التأمين الصحي العام لجميع المغاربة بحلول نهاية 2022؛ بحيث تُقدم معظم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية مجانًا من خلال مرافق الرعاية الصحية الأولية، لا تزال جهات تطال بتكثيف الجهود سعيًا نحو تحقيق رعاية أفضل لكثيرين.

 

بحكم احتكاكها اليومي بهذا الموضوع، بالنظر إلى تجربتها الميدانية، قالت الفاعلة الجمعوية ابتسام غانم بهذا الخصوص، إنه على الحكومة مرفوقة بممثلي المجتمع المدني الاتجاه نحو إدماج الصحة الجنسية والإنجابية في التغطية الصحية الشاملة.

 

وأضافت غانم: "كما على الفاعلين السياسيين إشراك منظمات المجتمع المدني وباقي مختلف الفئات المحرومة من عملية صنع القرار المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية، وتمتين قيم المساءلة للوقوف على مدى الالتزام بالعهود".

 

وواصلت المتحدثة: "لقد عمدت وزارة الصحة المغربية سنة 2018، إلى تقييم جودة خدمات المنظومة الصحية من خلال تقييم مجموعة من مؤشرات الصحة الإنجابية والجنسية (نسبة الولادة، استعمال موانع الحمل، عدد النساء المعنفات، الإيدز/ فيروس نقص المناعة البشري)، إلا أنه وعلى الرغم من الجهود المبذولة فما تزال هناك حاجة ملحة لضمان الحق في الحصول على خدمات تكفل صحة الشباب والأمهات، وتحول دون وقوع حمل غير مرغوب فيه، ورعاية ما بعد الإجهاض إلى جانب العنف القائم على النوع".

 

التربية الجنسية

وختمت الجمعوية حديثها بالقول: "إن إذكاء وعي المغاربة بالضرورة الملحة للصحة الجنسية والإنجابية، ركيزة من ركائز تحقيق التغطية الصحية الشاملة؛ انطلاقًا من الدفع بالساسة نحو إصدار تشريعات جديدة تدرج مجموعة من البرامج المساهِمة بشكل فعلي في إدماج كافة هذه الخدمات ضمن المنافع الصحية".

 

حلول ممكنة

 

بالرجوع إلى دليل عملي يحمل عنوان "من أجل تعزيز رجوليات إيجابية" أنجزته جمعية MEDIA CULTURES وهي جمعية غير ربحية تدعو إلى تعبئة جميع الطاقات لصالح مصير متنوع وسلمي ومتوازن ومتقن، يمكننا اقتراح مجموعة من الحلول المساعدة على إتاحة التربية الجنسية والوعي الجنسي والإنجابي في المملكة، وهي كالتالي:

 

  • تنظيم حملات تحسيسية لفائدة الشباب المراهقين حول مخاطر العلاقات الجنسية غير المحمية والآمنة، التي تكمن في الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا خاصة داء السيدا (الإيدز). إذ أكدت آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة بالمغرب سنة 2019، بأن عدد الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب في المغرب يُقدَّرُ بنحو 21500 شخص، كما تؤكد الوزارة أن عدد حالات الوفاة بسبب الإصابة بفيروس السيدا وصل سنة 2019 إلى 300 شخص، 73% منهم من الرجال.

 

  • تعزيز المدارس ودور الشباب بمراكز التوعية حول تغيرات فترة البلوغ باعتبارها مرحلة طبيعية، كما أن بإمكانهم اللجوء لطلب المساعدة أو الحصول على إجابات لأسئلتهم دون حرج.

 

  • تنشئة الأولاد الذكور على تنمية قدرتهم على التعاطف والشعور بما يمر به الآخرون من تجارب، وكذا تنمية قدراتهم على إدراك احتياجات ومشاعر الآخرين.

 

  • تطوير برامج تساعد على تقوية الصلات بين المراهقين وأسرهم، والتوضيح للأسر من جهة أخرى بفترة المراهقة للتعامل بشكل أكثر إيجابية مع التحديات التي يواجهها أبناؤهم المراهقين.

 

ويمكن الاستعانة بتوصيات الاتحاد الدولي للأسرة (IPPF) للحكومات والمؤسسات المتعددة الأطراف والمجتمع عن ضرورة نشر الثقافة الجنسية، خاصة التي تهتم بالمرأة، ومن هذه التوصيات:

 

  • إدراج الحقوق والصحة الجنسـية والإنجابيـة في الأطـر التنظيمية التي تدعم وصـول المرأة إلى عمـل يليـق بهـا، بحيث ينبغي توسـيع نطاق هـذه الأطر فـي مختلف قطاعات الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي.

 

  • إعطاء الأولوية للحقـوق والصحـة الجنسـية والإنجابية مـن أجـل التصـدي للأعـراف الضـارة الخاصـة بالنـوع الاجتماعي. ووضع السياسات وتنفيذ البرامج التي لا تدعم صحة النساء والفتيات فحسب وإنما تعـزز تنميتهـن اجتماعيـًا واقتصاديـًا أيضًا على نطاق أوسع.

 

  • يجب أن تركز تركيزًا قويًا على الفتيات ومنع العنف الجنسي والعنف القائم على اختلاف النوع الاجتماعي، بما في ذلك الممارسات التقليدية الضارة التي تضر بصحتهن وتعوق تنميتهن في جوانب أخرى من حياتهن.

 

  • دعـم الحكومة للقوانيـن المحلية لحقـوق النسـاء والفتيـات وصحتهن الجنسـية والإنجابيـة والوفـاء بالتزاماتهـا الدوليـة بموجب معاهدات حقوق الإنسـان مثـل اتفاقية القضـاء على جميع أشـكال التمييز ضـد المرأة.

 

  • أمـا على المسـتوى الوطني، فيجب فرض تشـريعات تكفـل القضـاء علـى التمييـز ضـد النسـاء والفتيـات. وهذا ينبغي أن يشـمل القوانين التي تحمي النسـاء والفتيات من العنف، بما فيها الزواج المبكر والقسـري وتشويه الأعضاء التناسـلية الأنثوية، وكذلك القوانيـن التي تعزز تكافؤ المشـاركة في الحياة السياسـية والعامة لجميع النساء على نحو استباقي، بغض النظر عن خلفية كل منهن.