الجانب المظلم من المراهقة.. كيف نحمي أبناءنا وبناتنا من التنمر؟
خلال سنوات عملي الطويلة مع المراهقين لمست ذلك التذبذب الانفعالي الذي تتسم به مرحلة المراهقة، ورأيت الفارق بين مراهق/ة لديه/ا صلابة نفسية جيدة، أي القدرة على مواجهة الضغوط بكفاءة، ومراهق/ة لديه هشاشة نفسية، إن جاز التعبير.
وجود قدر من الصلابة النفسية يجعل تحديات المراهقة تمر بسلاسة، أما غيابها فقد يفتح الطريق للعديد من المشكلات.
تفاعلات المراهقين مع بعضهم قد تتسم بالقسوة، وقد تجعل من عالم المراهقة مرعبًا بالنسبة لبعضهم، وتتزامن هذه القسوة مع الهشاشة النفسية الموجودة لدى العديد من المراهقين، ما يجعلهم عرضة للعديد من الأمراض النفسية، بل أن بعض المراهقين قد يلجأ إلى محاولة الانتحار أو الإقدام عليه بالفعل.
يكمن السبب الأساسي في هذه الهشاشة النفسية إلى تربية الوالدين التي تفتقر إلى تعليم المهارات الحياتية، مثل التعامل مع المشاعر والمخاوف والقلق وتوكيد الذات وغيرها من المهارات الحياتية.
وحين تتزامن المشكلات السلوكية والنفسية لدى المراهق/ة مع بيئة فقيرة في تعليم هذه المهارات، يكونون أكثر تأثرًا بأشكال التنمر، أو قد يتحولون هم أنفسهم إلى متنمرين. ومثال على ذلك الأطفال الذين لديهم انطواء وخجل اجتماعي ولا يستطيعون توكيد حقوقهم، أو الذين يتسمون بصورة سلبية عن ذواتهم، أو الأطفال والمراهقين الذين لديهم استعداد وراثي للمرض النفسي. كل هؤلاء نعتبرهم أكثر عرضة للمشكلات السلوكية، ويحتاجون إلى برامج وقائية لحمايتهم من المرض النفسي.
بالطبع ساعد التطور التكنولوجي وسطوة الميديا ووسائل الاتصال الرقمية على جعل وقائع التنمر ظاهرة أمام قطاع عريض، ويمكن أن تكون قد ضخمت من الحجم الحقيقي لأشكال التنمر، ولكن هذا لا يمنع من وجود مشكلة حقيقية تزداد قسوتها في عالمنا المفتوح.
هناك أنواع مختلفة للتنمر يتعرض لها الأطفال والمراهقون، منها التنمر الجسدي والنفسي والإلكتروني والجنسي واللفظي. وفي الآونة الاخيرة تزايدت الدراسات والكتب عن التنمر بأنواعه المختلفة وخاصة التنمر الإلكتروني، لأنه أصبح متزايدًا بسبب ولع المراهقين بالعالم الافتراضي والتعبير عن الذات على الإنترنت.
سأحاول في هذا المقال التحدث بشكل تفصيلي عن التنمر على الأساسين النفسي والجنسي، كأن يتعرض المراهق/ة لتنمر بسبب تأخر بلوغه/ا، وهو من الأشكال الشائعة للتنمر بين المراهقين. أو بسبب ضخامة بعض الأعضاء لدى المراهقين مقارنة بزملائهم من نفس الجنس، كأن يكون لدى المراهقة صدر كبير مقارنة بزميلاتها في نفس المرحلة العمرية.
يزيد الأمر سوءًا أن المراهق/ة في هذه المرحلة يكون في بداية تشكيل صورته/ا عن ذاته/ا، وإذا كان يشعر بالخزي من صورته/ا ويتعرض للتنمر، تزداد صحته/ا النفسية تدهورًا.
أرقام مخيفة
من الأرقام الإحصائية المنشورة في الأبحاث التي أجريت عن التنمر أن نسبة 20% من الأطفال والمراهقين الذين يتعرضون للتنمر في الولايات المتحدة الامريكية يعانون من تأثيرات نفسية طويلة المدى، ويكونون أكثر عرضة للأمراض السيكوسوماتية (الأعراض الجسمية ذات الأساس النفسي) والأفكار الانتحارية Klipatrick,2003) & Kerrs.).
من الأمور بالغة الأهمية بالنسبة للضحية وجود سلطة أو مرجعية يمكن بسهولة الرجوع إليها عند تعرضه/ا للتنمر، وضمان أن هذه السلطة ستتخذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة المتنمر/ة وضمان عدم تكرار ذلك، ما يقلل التأثير النفسي السلبي الواقع على الضحية.
وتوجد دول بالفعل لديها لوائح وسياسات رادعة ضد التنمر، وهذه اللوائح امتدت إلى الدول العربية، إذ توجد قوانين تخص التنمر في مصر والسعودية.
ولكن بسبب نقص الوعي، يحمل الكثير من الأهالي أبناءهم مسؤولية تعرضهم/ن للتنمر، وهذا يمثل عبئًا إضافيًا على المراهق/ة قد يوازي حادثة التنمر نفسها أو يفوقها في التأثير.
من واقع ممارستي الإكلينيكية، أذكر حالات تعرضت للتنمر، ولانتقادات والديهم في الوقت نفسه، ويتلقون المساعدة بسبب الآثار النفسية الناتجة عن المشكلتين.
إحدى هذه الحالات كانت حالة فتى يبلغ من العمر أربعة عشر عامًا، يعاني من قلق انتظار البلوغ، ويشعر بالخزي والغضب من تعرضه للتنمر من زملائه في الفصل، الذين يسخرون من صوته وجسده الطفولي الذي لا يشبه أجساد بقية زملائه.
زادت المشكلة لدى الصبي بسبب أن والده كان غاضبًا جدًا منه، ويحمله مسؤولية تعرضه للتنمر، وكان يشكو من قلة حيلة الابن وضعفه، وكان يعبر عن خيبة أمله في ابنه.
كان هذا يزيد من إحساس الفتى بالخزي، الذي كان يعاني من الاكتئاب والقلق، بل كانت تراوده الأفكار الانتحارية.
يتوقع الكثير من الأهالي من المراهق/ة أن يمتلك مهارات تساعده/ا على الدفاع عن نفسه أمام التنمر، متغافلين عن كون دورهم أساسيًا منذ الطفولة في تعليمه/ا هذه المهارات.
هناك عدد من الإجراءات التي يجب على الأهالي اتخاذها لحماية أبنائهم من الآثار السلبية الناتجة عن التنمر، ومن هذه الإجراءات:
مساندة الطفل
أول هذه الاجراءات مساندة الطفل على المستوى الوجداني وعدم لومه، وفهم سياق ما حدث وتأثير ذلك عليه/ا وعدم التسفيه من الأمر.
تأكد/ي من تأثير التنمر على طفلك، لا تكتف/ي بعبارات تشكك في كلام المتنمرين كأن تؤكد/ي له أن هذا كلامًا غير صحيح، أو أنك جميلة وكل الناس ترى ذلك. يجب أن تشاهد/ي الموقف من منظور الضحية وتفهم/ين ما تمر به.
أيضًا المساندة المعلوماتية مهمة جدًا، أي تقديم معلومات صحيحة عما تعرض له المراهق/ة.
تتعلق المعلومات الصحيحة بمخاطبة مخاوف/ها وقلقه/ا بشأن بلوغه/ا، وربما الاستعانة برأي طبي متخصص في ذلك يقدم له/ا دليلًا عمليًا في مواجهة هذه المخاوف، لأن في كثير من الأحيان يركز المتنمر/ة على صفات حقيقية في الضحية ويضخم من حجمها. تصحيحك للمعلومات وطمأنة الطفل/ة، مع الوعد بالحماية من المتنمر/ة سيساعده/ا.
الدراية بالقوانين
ما سبق ينقلنا للإجراء الثاني المهم، وهو وقف التنمر.
تتفاوت صعوبة وقف التنمر على حسب السياسات واللوائح الموجودة في بيئة الشخص وثقافته/ا، فكلما كانت هناك سياسات واضحة وإجراءات رادعة للمتنمر/ة، كان ضمان حقوق الضحية أيسر.
لذلك على الأهالي أن يكونوا على دراية بالقوانين والسياسات المعمول بها في الدولة التي يعيشون بها، واللوائح المعمول بها في المؤسسة التي يتعامل معها الطفل/ة، كالمدرسة أو النادي أو غيرهما، والتأكد من وقف التنمر الواقع على الطفل/ة أو المراهق/ة.
سيكون الأمر صعبًا إذ كانت لوائح الدولة أو المؤسسات التي يتعامل معها الطفل/ة لا تهتم بالتنمر، لكن يجب اللجوء إلى كافة السبل، بداية من مقابلة مدير/ة المدرسة، مثلًا، وأهل الطفل/ة المتنمر/ة واستشارة محامِ/ية إذا لزم الأمر، لفهم الإجراءات القانونية التي يمكن أن تُتَخذ.
أيضًا من الضروري ممارسة الضغط على المدرسة لوضع سياسة واضحة للتعامل مع التنمر والتوعية به وهو أمر صارت تضطلع به العديد من المدارس، لكن ما زال هناك قصور فى وضع سياسات واضحة على مستوى المدرسة لردع المتنمرين، وأعتقد أن أي جهد سيبذل فى مجال الردع حتى على المستوى الفردي سيحد من هذا السلوك في المدرسة، فمعرفة المتنمر أن ولي/ة أمر الضحية يحاول اتخاذ إجراءات ضده سيجعل عشرات المتنمرين الآخرين مترددين فى تكرار نفس السلوك.
صلابة الطفل/ة
ثالث إجراء يجب على الأهالي اتباعه هو التقييم الجيد لسياق التنمر من كل النواحي، وهو عامل مهم جدًا في عدم تفاقم التأثير النفسي على الضحية، فخلال هذا التقييم نهتم بمدى صلابة الطفل/ة وتاريخه/ا في التعامل مع المواقف الضاغطة وتأثيراتها النفسية عليه/ا.
إذا شعرت أن طفلك لديه/ا صلابة منخفضة، عليك بالتوجه الى مختص/ة نفسي/ة واستشارته/ا في الأمر، لأنه في بعض الأحيان لن تكفي مساندتك له ووقف التنمر لحمايته من التأثير النفسي الواقع عليه/ا.
هناك بعض الأطفال والمراهقين يحتاجون إلى تدخل نفسي من مختص/ة، لذا لا تتردد/ي في اللجوء للمختصين لمساعدتك في التعامل مع الأمر.
إذا شعرت أن طفلك يعاني من اكتئاب وعزلة تزيد عن ثلاثة أسابيع دون تحسن يجب عليك التوجه مباشرة إلى مختص/ة، ولا تكتف/ي فقط بدحض الكلام السلبي الذى يسمعه من أصدقائه/ا، فربما يكون على شفا اكتئاب مرضى يحتاج إلى تدخل طبي.
أود التأكيد على أنه ليس كل من يعاني الاكتئاب سيقدم على الانتحار، فلا يوجد أي دليل علمي على ذلك. كما لا يمكننا إرجاع سبب انتحار المراهقين من الضحايا إلى تعرضهم للتنمر، بل هو عامل مساعد قد يدفع المراهق/ة للإقدام على ذلك، والدليل أن ليس كل ضحايا التنمر ينتحرون.
ولكن ما سبق يجعل إجراء تقدير حالة على المستوى النفسي، واللجوء إلى المساعدة النفسية المتخصصة، عاملين ضروريين لحماية المراهق/ة من الاكتئاب، أو وصول الأمر إلى الرغبة في الانتحار.
المهارات الحياتية
رابع إجراء يمكن من خلاله حماية طفلك من الآثار النفسية السلبية للتنمر هو تعليمه/ا مهارات حياتية وقائية، مثل توكيد الحقوق وتكوين صورة إيجابية عن نفسه، وتعد مهارة توكيد الحقوق من المهارات الهامة في وقف التنمر، وربما حماية الطفل من عدم التعرض له، فمعظم الدراسات تتحدث أن الطفل/ة الذي لديه توكيد حقوق ويستطيع حماية نفسه من انتهاك حقوقه لن يتعرض للتنمر، وإذا تعرض سيمكنه إيقاف المتنمر، والتأثيرات السلبية عليه ستكون أقل. (Shafie, Miskam, Rozubi, & Anuar, 2018)
فقراءة كتب مهارات الحياة للمراهقين وتعليمها لأبنائنا، والبحث عن ورش متخصصة وإلحاق الأطفال بها، سيعمل على وقايتهم وتعزيز مهاراتهم لمواجهة التنمر.
هناك اهتمام متزايد بالتنمر وخاصة بعد كل حادثة مفجعة عن انتحار الضحايا، ويجب أن نضع في حسباننا إجراءين في غاية الأهمية، الإجراء المجتمعي، والسعي لسن قوانين رادعة تحمى الأطفال سواء ضحايا أو متنمرين على حد سواء، وفي نفس الوقت الإجراء التربوي، الذي يساعد الأهالي ومقدمو الخدمات للأطفال والمراهقين في التعامل مع الموقف بدون تسفيه أو تهويل.
المراجع
Shafie, A. A. H. Bin, Miskam, N. A. B. A., Rozubi, N. B. C., & Anuar, A. A. Bin. (2018). Enhancing
the Self-Efficacy and Assertiveness Level Among the Bullied Victim School Students By Using Cognitive
Behaviour Theraphy (CBT) in Group Counselling Approach. International Journal of Academic Research in Business and Social Sciences, 8(1), 300–313
Business and Social Sciences, 8(1), 300–313
Kilpatrick Classified Student by Support Social of Important and Middle Urban an in Victim/ Bully, Bullies, Victims A as Retrieved. 489 - 472), 3, (32, Psychology School. School Data File Master Host EBSCO From, 2006, 5 October .Base