تأخير الدورة الشهرية.. وسائل سهلة ومخاطر محتملة

بقلم : إيناس كمال



2023-05-14

في شهر رمضان من العام الماضي تناولت لمياء عقاقير طبية بغرض تأخير الدورة الشهرية لصوم الشهر كاملًا. تقول لمياء: "رمضان اللي فات أخذت دواء عشان يؤخرها ويكون ميعادها بعد العيد، لكن الدواء تعب معدتي، أنا بكرر الموضوع دايمًا مع نفسي عشان أنظمهاـ ولو ما جاتش أول أسبوع في رمضان باخدها، لأن أول أسبوع بالنسبة لي بيكون صعب".

 

تناولت لمياء أحد العقاقير الشهيرة التي تحتوي على هرموني الإستروجين والبروجستيرون، ورغم ما يطالها من ألم واضطراب في الهرمونات إلا أنها لا تزال تداوم عليها.

 

أما نيرة، (اسم مستعار) لشابة عشرينية من القاهرة، فتقول إنها تناولت عقار نوريثيستيرون - وهو أحد العقاقير التي تحتوي على هرمون البروجستيرون- في عام 2016 من أجل الاستمتاع برحلة صيفية على الشاطئ، لكن الأمر أثر على صحتها. تقول "أخذته مرة واحدة وتعبت بعده لمدى 3 شهور. كانت الدورة فيهم بتنزل كل أسبوعين تقريبًا، وتقعد أسبوع أو 10 أيام، لحد ما رجع عدد البويضات انتظم تاني بس حرَّمت أعملها تاني".

 

ليست لمنع الحمل فقط


تلجأ العديد من الفتيات سواء متزوجات أو غير متزوجات إلى عقاقير منع الحمل لغرض تأخير الدورة الشهرية لأسباب عديدة، منها صوم شهر رمضان كاملًا دون الاضطرار إلى تعويض الأيام اللاتي يفطرن بها، وتستخدمها بعض الفتيات المقبلات على الزواج من أجل مرور ليلة الزفاف وأول أسبوع دون منغصات، والبعض يستخدمنها للاستمتاع برحلة صيفية بصحبة الأصدقاء والعائلة.

 

بعض النساء يتعرضن لأعراض جانبية قد تكون شديدة نتيجة سوء استخدام هذه العقاقير، ووسط تحذيرات العديد من الأطباء من هذه المسألة، إلا أن هناك أطباء آخرين يوصون بهذه العقاقير للفتيات.

 

تقول ولاء (اسم مستعار) إنها تناولت دواء لتأخير دورتها الشهرية من أجل الاستمتاع بفترة المصيف، لكنه كان يسبب لها ألمًا في المعدة، أي تقلصات أشبه بالنبضات، تستمر لمدة 10 ثوانٍ ثم تختفي، وتتكرر طوال أيام تناول العقار.

 

تؤكد ولاء أنها استشارت طبيبة قبل تناول الدواء، ولكن هذا لم يمنع ظهور الأعراض، لذلك لم تكرر التجربة مرة أخرى.

 

بعض الفتيات تلجأ إلى عقاقير منع الحمل، رغم صغر أعمارهن، من أجل التحكم في الدورة الشهرية خلال وقت الاختبارات الهامة، منهن صفاء، اسم مستعار لشابة ثلاثينية من محافظة الشرقية، تقول لنا إنها سمعت عن هذا الأمر من صديقات لها، واضطرت وقتها لتناول عقار يحتوي على مادتي الإستروجين والبروجستيرون من أجل مرور فترة الاختبارات بسلام، خاصة مع اضطرارها للسفر من مدينتها إلى القاهرة لحضور الاختبارات، الأمر الذي كانت تمنعها دورتها الشهرية منه، فهي بالكاد تستطيع الحركة وقتها وتشعر بآلام شديدة.

 

الدورة الشهرية

 

ورغم أن صفاء كانت تعاني وقتها من تقلبات مزاجية حادة إلا أنها ثَمَنَّت هذه العقاقير التي ساعدتها على اجتياز تلك الفترة، ولم تتوقف عن تكرار تناولها، لكنها في المرات التالية لم تتناول العقاقير من تلقاء نفسها، بل استشارت طبيبة متخصصة أشارت عليها بعقار شهير يحتوي على البروجستيرون فقط.

 

أما آية، فحينما كانت في السادسة عشرة من عمرها، أرادت تنظيم دورتها حتى تتمكن من صيام رمضان كاملًا، لكنها لجأت، دون استشارة طبيب/ة، إلى استخدام أدوية كانت تستخدمها والدتها، وشعرت باضطرابات هرمونية، كما أن الدورة التالية كانت عبارة عن نقاط بسيطة ثم توقفت ثم عادت بعدها فترة تنتظم بصورة طبيعية.

 

لم يمر استخدام الأدوية لتأخير الدورة مع الجميع بسلام، إذ تذكر أمل (اسم مستعار) أنها سعت  إلى تأخير الدورة لإتمام مراسم العمرة ودون مفاجآت، وتصفها بأنها كانت تجربة سخيفة جدًا، لأنها شعرت بكل آلام الدورة الشهرية المعتادة في وقتها، رغم عدم نزول الدورة، وشعرت بآلام متفرقة في الجسم، وسوء في الحالة المزاجية. لم ينته الأمر بتوقفها عن تناول الحبوب، إذ مرضت ساعتها ثم اضطربت مواعيد الدورة لعدة أشهر قبل أن تعود إلى الانتظام.

 

تأخير الحيض قد لا يكون آمنًا


 

تأخير الحيض قد لا يكون آمنًا لجميع النساء، لذلك من الضروري استشارة الطبيب/ة أولًا قبل تناولها.

 

بحسب موقع مايو كلينيك الطبي، فعيوب تأخير الحيض عديدة، منها أن المرأة أو الفتاة قد تتعرض إلى نزيف مفاجئ إذا كانت الفترة التي تتناول خلالها الأدوية ممتدة لأشهر، إذ يحدث النزيف غالبًا خلال الشهور الأولى، وإن كان يقل عادة مع تكيف الجسم مع الأدوية.

 

توجد أعراض أخرى مثل الإعياء في الصباح أو الليونة في الثدي أو الإرهاق غير المعتاد، وقتها يُنصَح باستشارة الطبيب/ة.

 

وعند التوقف عن تناول هذه الأدوية ستبدأ الدورة الشهرية في خلال ثلاث أشهر، إلا إذا كان هناك حمل، وإذا لم يبدأ الحيض يجب استشارة الطبيب/ة.

 

وبينت ورقة بحثية نُشرت في موقع Planned Parenthood  أن من بين الأعراض الجانبية التي يمكن أن تحدث من جراء هذه الحبوب وجود صداع، أو غثيان، أو التهابات، أو ألم في الصدر أو تغير في الدورة الشهرية، إذ قد تأتي مبكرة، أو متأخرة، أو تتوقف تمامًا أثناء تناول حبوب منع الحمل، لكن هذه الأعراض عادة ما تزول في غضون شهرين إلى ثلاثة.

 

وقبل أيام، أعادت الطبيبة المصرية المتخصصة في علم المخ والأعصاب، منى مختار، مشاركة منشور تحذيري لها عبر حسابها الشخصي بفيسبوك يحذر مما شاهدته خلال عملها، وهو إساءة استخدام وسائل منع الحمل لغير الغرض منها وهو منع الحمل، إذ باتت الفتيات يستخدمنه لتأخير الدورة الشهرية عن موعدها الطبيعي، لأغراض مختلفة منها إتمام صيام شهر رمضان كاملًا.

 

الدورة الشهرية

حذرت الطبيبة وقالت إن هذه الأدوية تؤثر على الهرمونات بصورة كبيرة وتزيد من نسبة تجلط الدم، وإذا تم تناولها بكثافة لمنع نزول الدم (دم الدورة الشهرية) مع حالة الجفاف التي يسببها الصيام، فهذه العوامل مجتمعة قد تؤدي إلى حدوث الجلطات الدماغية، مؤكدة أنها قابلت العديد من حالات أصيبت بها نتيجة ذلك.

 

وفي حديثها معنا قالت د. منى مختار إن هناك العديد من الأبحاث القديمة والحديثة التي تؤكد خطورة العلاجات الهرمونية والآثار الجانبية لها، ومنها زيادة الجلطات، والتي قابلت العديد منها خلال عملها، كطبيبة مخ وأعصاب.

 

وتضيف: "الفكرة أن طبيب/ة النساء حين يكتبها لمنع الحمل، يتابع مع المريضة التي تتناولها خلال ثلاثة أسابيع من الشهر ثم تتوقف من أجل نزول الدورة. إنما من يتناولن الأقراص الهرمونية من أجل صيام رمضان كاملًا (لمدة شهر)، فهن يتناولن جرعة عالية، ومع الجفاف الناتج عن الصيام، تزيد فرصة حدوث جلطات". 

 

وأضافت أن الأدوية التي تحتوي على الإستروجين مع البروجستيرون هي التي تسبب هذا الأمر، أما التي تحتوي على البروجستيرون فقط فلا إثبات على أنها تؤدي إلى جلطات، مؤكدة أن الجلطة قد يكون السبب فيها وجود عامل وراثي إلى جانب تناول الأدوية.

 

أنواع أقل ضررًا


 

في المقابل، توجد بعض الفتيات اللاتي لم يتعرضن لأي مشكلة حين تناولن أدوية بعينها بغرض تأخير الدورة.

 

تذكر منى أنها تناولت عقارًا شهيرًا مركبًا من الإستراديول والدروسبيرينون خلال سفرها عدة مرات ولم تشعر بأي مشكلة، كذلك رانيا التي تناولت عقارًا معتمدًا على المركب نفسه أكثر من مرة خلال أشهر رمضان، ولم يسبب لها العقار أعراضًا جانبية.

 

لذلك تختلف د. ياسمين محمد أبو العزم، طبيبة ومؤسسة مبادرة Neswa Diaries المعنية بتوفير التوعية الجنسية للنساء، مع منشور د. منى مختار، وتقول إنه لا مانع طبي من استخدام هذه الأدوية، فلا ضرر منها: "لا نستطيع أن نقول إن حبوب منع الحمل تؤذي الهرمونات، والحقيقة أننا نصف حبوب منع الحمل في حالات مثل تكيس المبايض".

 

وأشارت إلى أن هناك حالات يمنع فيها استخدام الحبوب وقد تكون مضرة، منها إذا كانت لدى الفتاة تاريخ مرضي في العائلة أو تاريخ لمرض سرطان الثدي أو التجلطات أو مشكلات في الضغط المرتفع وسكر الدم وغيرها.

 

تضيف د. ياسمين إن الطريقة الشائعة المضرة يضاف فيها عقار يحتوي على مادة نوريثيستيرون إلى كورس الدواء ويتم تناولها كل 12 ساعة أو كل 8 ساعات قبل موعد الدورة للمدة التي ترغب الفتاة في تأخيرها، وهذه الطريقة لا تفضلها لأن لها أعراضًا جانبية بسبب كونها تعتمد على الأدوية التي تحتوي على البروجستيرون الذي له تأثير أندروجيني (مثل هرمونات الذكورة)، وهي أنواع رديئة من الأدوية.

 

الجهاز التناسلي للمرأة

 

لكن، هناك طريقة تعتبرها أفضل، فمن وقت الدورة الشهرية التي تسبق الزفاف أو شهر رمضان تبدأ الفتاة في تناول أدوية ليس لها نفس الأعراض الجانبية، كما أن في هذه الطريقة لا تؤدي إلى أعراض انسحاب الهرمونات عند التوقف عن تناول الأدوية.

 

وأضافت أنه في الطريقة الثانية، عند الانتهاء من الشريط الثاني والتوقف عن تناول الأدوية، تبدأ الدورة في النزول بشكل طبيعي، لكن كميتها تكون أقل من الكمية المعتادة، وتأتي الدورات بعدها دون مشكلات.

 

مُحتمل ألا تناسب العقاقير التي تحتوي على الإستروجين الجميع، إذ يحذر موقع مايو كلينيك من تأثير العقاقير التي تحتوي على الإستروجين على النساء اللاتي لديهن "جين فاكتور 5" factor V Leiden، الذي يساعد الجسم بشكل طبيعي على التجلط في أوقات النزف، لكن مع وجود الإستروجين لدى هؤلاء النساء فقد يصبحن أكثر عرضة لتكون الجلطات الدموية.

 

فوائد محتملة لتأخير الحيض



رغم ما يثار عن مضار هذه الأدوية، خاصة على الفتيات غير المتزوجات اللاتي يرغبن في تأخير دورتهن الشهرية، إلا أن الأمر قد يكون له فوائد أخرى.

 

زعمت ورقة بحثية نشرت في دورية Reproductive Facts بوجود فوائد، خاصة في العقاقير التي تحتوي على البروجستيرون، منها تنظيم فترات الحيض وعلاج عدم انتظام الدورة الشهرية لعلاج الطمث الغزير وعلاج فترات الألم (عسر الطمث) وعلاج متلازمة ما قبل الحيض، رغم أن بعض الفتيات اللاتي تحدثن إلينا أكدن أنهن شهدن أعراضها خلال وقتها المفترض.

 

وختامًا، مهما كانت الأسباب التي تدفعكِ إلى اختيار استخدام أدوية لتنظيم الدورة الشهرية، فيجب ألا تتناولي أي نوع دون استشارة طبيب/ة متخصص/ة وإطلاعه/ا على حالتك الصحية بشكل كامل، والأمراض الوراثية التي تعانين منها، وأي أدوية أخرى تتناولينها، لأنها ربما تتعارض مع مكونات أدوية تنظيم الدورة الشهرية، وذلك حتى لا تتعرضين لمضاعفات خطيرة قد تؤذي صحتك.