أوله شرط وآخره نور.. ضرورة التخطيط للحياة الزوجية

بقلم : رنا ناصر



2023-06-23

"لم نخطط للأشياء بحذافيرها، لسنا في مجتمع يمكن أن نخطط فيه لكل شيء، فالظروف متغيرة طوال الوقت".

 

تقول وفاء (اسم مستعار)، 28 سنة، مُعلمة لغة فرنسية للمرحلة الإعدادية في إحدى المدارس، عندما سألناها حول ما إذا كانت اتفقت مع شريكها عن تفاصيل حياتهما بعد الزواج.

 

مالت وفاء لقول إن علاقتها الطويلة مع شريكها قبل الزواج ساعدتهما على تطبع كل منهما على طباع الآخر وظروفه، دون الحاجة لإرساء قواعد واضحة.

 

يعرف أي زوجين أن المشاعر وحدها ليست كافية لبناء علاقة زوجية صحية، بل هناك أسس أخرى تُبنى عليها العلاقة، لذا تحدثنا مع بعض الأزواج عن إذا كانت الاتفاقات المسبقة حول تفاصيل الحياة الزوجية قبل الزواج قد أحدثت فارقًا أم لا.

 

تضرب وفاء مثلًا بطباع زوجها، إذ تقول: "زوجي شخص انطوائي لا يحب المناسبات والتجمعات العائلية أبدًا، لذا لم يكن يحب التواجد، وكنتُ أضطر أن أحضر وحدي مما كان يسبب لي الإحراج في البداية، لكن بعد ذلك تعودت أن أقول لمن يسأل عنه أنه مشغول، لذلك لم يستطع الحضور".

 

رغم معرفتها بطبيعة زوجها لم تتحدث معه عن هذه النقطة قبل الزواج، لذلك بعدها، عندما تكررت المواقف الاجتماعية، قررت التأقلم مع الوضع، بدلًا من خلق أزمة مع الزوج.

 

لم نتفق وفاجأتنا الحياة


 

كان لدى وفاء "أحلام وردية" قبل زواجها على حد وصفها، مثل أن زوجها بالتأكيد لن يتركها تؤدي الأعمال المنزلية وحدها، ولكنها لم تصرح له بهذه الأحلام.

 

اختبرت وفاء عاقبة إغفال الاتفاق، حتى في مسألة تبدو صغيرة كالأعمال المنزلية، لأنها اصطدمت أن زوجها لا يساعدها، بل يعلق أحيانًا تعليقات سلبية إذا قصرت في تنفيذ المهام المنزلية لأي سبب.

 

لكنها لم تستسلم للأمر الواقع في هذه المسألة واضطرت إلى مواجهة زوجها قائلة: "أنت تعمل وأنا أعمل، لذلك لا بد أن تساعدني".

 

اكتشف الشريكان أن عليهما التحدث معًا والاتفاق، وأن على الزوج فهم طبيعة عمل زوجته، إذ أحيانًا تنهي العمل بعدًا منه، والعكس صحيح. لذلك اتفقا أنه في حالة إنهائه العمل قبلها عليه أن يعيد ترتيب بعض الأشياء في المنزل، ويساعد في وضع الملابس المتسخة في الغسالة. في المقابل تفهمت وفاء أيضًا أنه إذا أنهت العمل قبل زوجها، عليها أن تحرص على جعل البيت هادئًا ومرتبًا استعدادًا لعودته من عمله.

 

أنهت وفاء حديثها قائلة: "لم تسر الحياة بيننا وفق تخطيط مسبق، ولكن عندما قابلتنا مشكلات حقيقية اخترنا أن نؤقلم أنفسنا على الواقع الذي نعيشه، لأننا كنا نعرف أننا في النهاية (ملناش غير بعض)".

 

العلاقة الزوجية

 

العمل والإنجاب والأهل


 

يولي معظم الناس جل اهتمامهم للاتفاق حول قيمة الشبكة، والمهر، وقائمة المنقولات، وأثاث المنزل، وقد لا تتم الزيجة بسبب الاختلاف في هذه الاتفاقات، ولكن وسط هذا الصخب قد يغفلون أهمية الحديث عن طبيعة إدارة العلاقة بين الشريكين بعد الزواج. الاتفاق على هذه التفاصيل ومعرفة آراء الشريكين في المسائل المحورية الخاصة بالزواج، كالإنجاب وعمل الزوجة وإدارة الشؤون المادية، قد يوفر الكثير من الجهد خلال الزواج نفسه، ويسمح بفرصة القبول أو الرفض أو التفاهم قبل إتمام الزواج.

 

"خلال فترة خطبتنا حاولنا الاتفاق بخصوص شتى الأمور حتى لا نقع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها غيرنا"، هذا ما قاله يوسف (اسم مستعار)، 34 سنة، صانع محتوى، في بداية حديثه.

 

شرح لنا يوسف قائلًا: "مثلًا نعيش أنا وزوجتي في بيت عائلة مع إخوتي وزوجاتهم فكان يجب أن نتحدث بخصوص التجمعات العائلية، وعن الأوقات التي يمكننا فيها استضافة أبنائهم، وعن الأوقات التي تفضل فيها زوجتي البقاء بمفردها".

 

اعتبر يوسف أن المشكلات التي يقع فيها الأصدقاء فرصة ليتحدث مع شريكته عن طريقة تصرفهما إذا مرا بالمشكلات نفسها: "مثلًا لو حدثت لأحدنا مشكلة مع أهل الطرف الآخر، هل سيضطر للتعامل معهم دون رضاه؟ واتفقنا أنه في حالة حدوث ذلك فنحن لسنا ملزمين بالتعامل معهم، إلا إذا كانت معاملتهم تكن للطرف الآخر كل الاحترام".

 

وانتقل يوسف للحديث عن النقطة التي تسبب الكثير من المشكلات بين الأزواج، وهي نقطة عمل الزوجة، خاصة في مجتمع يتردد فيه دومًا أن أولويات الزوجة يجب أن تكون البيت والزوج. عن هذا قال يوسف: "اتفقنا أنه يحق لها العمل بالتأكيد. ولكن في حالة وجود أطفال، عليها أن تختار عملًا بمقاييس معينة ليناسب وضعنا الجديد".

 

وبخصوص نقطة عمل الزوجة قال إبراهيم (اسم مستعار)، 33 سنة، يعمل في شركة ميديا، أنه اتفق مع شريكته قبل الزواج على ضرورة أن تعمل هي أيضًا: "أرى أن الطرفين يجب أن يعملا، حتى لا يحتك أحدهما بالعالم الخارجي، ويعيش الآخر بمعزل عن العالم، فالاحتكاك يطور الشخصية".

 

رأى يوسف أن الاتفاق بخصوص أغلب الأمور قبل الزواج وفر عليهما صدامات كثيرة. ومثل يوسف كان إبراهيم وزوجته، حيث قال إبراهيم أنه منذ زواجهما منذ ثلاث سنوات لم تحدث مشكلة بينهما بخصوص الاتفاقات التي تناقشا فيها قبل الزواج، ومن بينها تأجيل الإنجاب.

 

ولكن يوسف عاد وأكد على وجود عدة أمور لم يتفقا فيها: "هناك أمور قررنا أن نترك فيها مساحة للظروف، ونسمح فيها ببعض المرونة مثل طبيعة وجود أصدقاء زوجتي في حياتها، بالطبع يحق لها مقابلة أصدقائها، لكن كيفية ترتيب ذلك تتوقف على الظروف وطبيعة عملنا وحياتنا نحن الاثنين وقتذاك".

 

الشراكة

 

اتفقنا ولكن..


 

رغم أهمية وجود اتفاقات واضحة بين الزوجين قبل الزواج لكن هذا لا يضمن عدم حدوث مشكلات فيما بعد، فقد لا يستطيع أحد الأطراف الالتزام بالاتفاق، وقد تتدخل عوامل أخرى في إثارة الأزمات.

 

"اتفقنا قبل الزواج على تأجيل الإنجاب لمدة عام، حتى نصبح مؤهلين نفسيًا وماديًا، لكن منذ الشهور الأولى بدأ أهل زوجي في الإلحاح على الإنجاب، وقال لي زوجي إنه يخشى تأجيل الإنجاب باستخدام وسيلة منع، حتى لا يعاقبنا الله ويحرمنا نهائيًا من نعمة الإنجاب".

 

قالت هبة (اسم مستعار)، 28 سنة، مهندسة، ويعمل زوجها محاميًا.

 

حاول الزوج إقناعها من خلال حديثه عن ظروف أصدقائه المادية الأصعب من ظروفهم ومع ذلك قررا الإنجاب. رضخت هبة، ولكن بمجرد وضعها لجنينها الأول تولدت أزمات أخرى بسبب تدخل والدة الزوج في حياتهما، وانتهت العلاقة باتفاقهما على الطلاق.

 

أما رنا حسن، 32 سنة، مدرسة لغة فرنسية، وخريجة المعهد العالي للسينما، والتي كانت تعمل في المجال الفني قبل تركها له، وعودتها إلى مسقط رأسها بورسعيد وزواجها هناك، فكانت قد اتفقت مع زوجها قبل الزواج على البقاء في بورسعيد وعدم العودة إلى القاهرة، ولكنها تقول: "أعاني الآن من روتين الحياة في بورسعيد، والفكر المحدود، والحياة المنغلقة، وأرغب في العودة لحياتي الفنية التي عشتها في القاهرة، لكن ليست هناك فرصة لذلك بسبب التزامي مع زوجي بما اتفقنا عليه، ووجود ابنتي ليلى".

 

من منطلق تجربتها، ترفض رنا فكرة الاتفاق على كل التفاصيل قبل الزواج، معللة ذلك بأن "ظروف الحياة تتغير من حولنا، والحياة على أرض الواقع تختلف تمامًا عن كونها مجرد وعود نعطيها للطرف الآخر حتى نرضيه".

 

ما قالته رنا لا ينفي أهمية الاتفاق قبل الزواج بقدر ما يؤكد على أهمية التفكير بتروٍ، واقتناع الطرفين بصدق بالاتفاقات المبرمة بينهما، لا أن تُجرى الاتفاقات بهدف إرضاء أحدهما للآخر فقط.

 

اتفاقات لم تجدٍ نفعًا


 

الوضوح هو أفضل الطرق لتجنب حدوث المشكلات والصدامات بعد الزواج، بل ويقصر المسافات في معرفة الطرفين الكثير عن بعضهما البعض، وهذا ما لم يحدث مع مي (اسم مستعار)، 35 سنة، التي تعمل مترجمة، وهي زوجة وأم لطفل.

 

تقول: "في بداية معرفتي بزوجي كنا نريد أن نتزوج بطريقة غير تقليدية بعيدة عن الأعراف السائدة، واتفقنا أن نتقاسم مصاريف المنزل والمهام المنزلية سويًا، بغض النظر عن أن زوجي يعمل براتب مُجزٍ وثابت، أما أنا فأعمل بالقطعة مما يُعني أن دخلي متغير كل شهر".

 

مشكلات زوجية

 

في الشهور الأولى من زواج مي كانت الأمور تسير على ما يرام إلى أن حملت في طفلهما واضطرت إلى ترك العمل لبعض الوقت، هنا بدأ زوجها ترك كل الأعمال المنزلية لها وحدها لأنها أصبحت لا تساعد في مصاريف المنزل، وبالتالي هو أيضًا أصبح غير ملزم بحسب الاتفاق القديم، وعن هذا قالت مي "كانت أزمتي معه أنه صارم جدًا في اتفاقاته".

 

كررت مي كلمة "صارم" عن زوجها عبر حديثها معنا، وحكت قائلة: "كان الاتفاق بيني وبين زوجي أن يُدفع إيجار المنزل كل شهر بالتبادل بيننا، لكن في أحد الشهور عملت كثيرًا حتى أصيبت أعصاب يدي بالالتهاب، وطلب مني الطبيب أن أتوقف عن العمل لبعض الوقت، وبالطبع لم أستطع إكمال قيمة الإيجار. قال لي زوجي: لقد أديت دوري في الأعمال المنزلية هذا الشهر لذلك عليكِ الالتزام بالاتفاق ودفع الإيجار".

 

وهنا علقت مي قائلة: "لو كنت أتقاسم إيجار المنزل مع شخص لا أعرفه ما كان عاملني بهذا القدر من الحدة والصرامة، كما أننا في الوقت نفسه لم نكن نتقاسم كل الأعمال المنزلية وتفاصيل رعاية ابننا بالصرامة نفسها التي كان يتعامل بها مع المصاريف، إذ ظللت أتحمل القدر الأكبر من مسؤولية المنزل".

 

من الأمور الصحية أن يبرم الشريكان اتفاقات واضحة قبل الزواج، ولكن هذا لا يعني أن تنزع الاتفاقات المودة والرحمة بين الزوجين، لأنهما أساسان رئيسيان في بناء العلاقة، كما يجب الوضع في الاعتبار أيضًا ما يطرأ على الحياة والأشخاص من تغيرات.

 

الاتفاقات قبل الزواج ليست نصوصًا مقدسة إنما آلية لتحسين الحياة بين الزوجين فيما بعد، ويمكن تغييرها إذا أعاد الطرفان التفكير فيها. ولكنها أيضًا مسألة مهمة لأنها تهيئ الشريكين للحياة الزوجية، فهي تقصر المسافات وتقلل إمكانية حدوث المشكلات بينهما، هي أشبه بالدستور الذي لا يحق نقضه إذا لم يستدع الأمر ذلك، والذي يقر فيه الشريكان بمراعاة حقوق بعضهما.