طهارة جسد أم دفن روح - ختان البنات



2017-04-02

2006

 

"هذا نظافة.. عيب البنت أتضل بدون طهور..عندنا الكل بعملن ..نجاسة.. كل شي من أيديها نجس..هذا هو واللة اعلم"**

 

"عندنا البنت عيب تتجوز بدون طهور، الطهور يعني طهارة.. أكلها ما ينداق حتى تتطهر"

 

أحيانا كثيرة نرى امورا تصدمنا ونتيجة لذلك نتظاهر كثيرا بالعمى, اذ نحاول تجاهل تواجد امور كهذه في مجتمعنا فنبعدها عن وعينا ونقذف بها نحو كوكب اخر. هذا ما يجعلنا غير مدركات لوضعنا كنساء في مجتمع مقيِّد متسلِط. أحد وجوه هذا التسلط هو ظاهرة ختان الإناث، وهي عادة منتشرة عند مجتمعات متعددة بالعالم، وقد لا نعلم، ولكن قد نعلم ونتجاهل أن هذه الظاهرة موجودة أيضا في بلادنا، فلسطين، وتحديدا في جنوبها.

 

توجهت في السنة المنصرمة إلى النقب كي التقي نساء مررن بعمليات ختان وقد كانت التجربة بالنسبة لي مؤثرة، فلقد ظننت وأنا في طريقي إلى النقب إنني على وشك اكتشاف "الاضطهاد"، لكنني وبعد سماع النساء أدركت أن عملية الختان هي ككل عملية ختان نفسي أخرى تحدث لنا كل يوم. وقد لا نرى أنها اضطهاد، فقد قيل عن الاضطهاد ألذكوري، أنه ولشدة قوته يطرح نفسه كأنه جزء من الطبيعة وبالتالي فكأنه ليس اضطهادا اجتماعيا وليس هنالك ما يمكن أن يُعمل لتغييره.

 

الختان وأنواعه:

" البنات بطهّروا بعضهن البعض.. بجيبوا شفرة.. بقطعوا الثنتين من هون والثنتين من هناك.. اااه.. يعني هاد الي صار معنا". " هذا نظافة.. عيب البنت اتضل بدون طهور..عندنا الكل بعملن ..نجاسة.. كل شي من أيديها نجس..هذا هو والله اعلم".

 

تعرِّف النساء أعلاه طريقة ختانهن للبنات-لأنفسهن-، في بلادنا، بينما تشير الأدبيات إلى أنواع أضافية أيضا فمن الختان ما يشبه الختان عند الرجال, بحيث يتم قطع غلاف البظر بصورة أفقية لكي يتم إخراجه. هذا النوع يعد الأسهل. بينما في طريقة أخرى يتم قطع البظر بالإضافة للشفتين الصغيرتين. وأما النوع الثالث فيسمى بالتكميم او "الختان الفرعوني" (الاسم أعطي عن طريق الخطأ). حيث تتم ازالة البظر، وقطع بعض او كل الفتين الصغيرتين، وتلثيم الشفتين الكبيرتين لخلق سطوح مسلوخة الجلد. وبعد ذلك تتم خياطة هذه السطوح او الضغط عليها حتى تلتئم مشَكلة غطاء من الجلد فوق مجرى البول ومعظم المهبل. في حال كانت الفتحة واسعة تعاد عملية التقطيب مرة أخرى. ومن ثم يتم ربط أرجل الفتاة لبضع أسابيع حتى يندمل الجرح.

 

من يقوم بعملية الختان؟

" أمي هي الي عملتلي" تقول ان هنالك نساء تعمل لنفسها طهور وتفسر :" بتجيب خيط ابيض مفتول تربطه وبتضل اشي زي شهر حتى ينزل من حاله" " والله ما بزل عليكو مع الوجع .. وجع.. بتضل شهر رابطته حتى اليوم فيه ينزل لحاله

 

في أغلب الحالات المولدة أو الكاهنة أو النساء الكبيرات في السن والمحترمات في حضارة معينة يقمن بالختان. بالإضافة إلى النساء، كان يقوم بالختان أيضا حلاق القرية ("حلاق الصحة").

كثيرا ما يتم استعمال أدوات غير صالحة للاستعمال مثل سكين صدئة، سكين حلاقة، مقص، قطعة زجاج أو حجر حاد. تتم عملية الختان بدون تخدير، وبنهاية العملية يتم الضغط على مكان الجرح بواسطة ضمادة من الأعشاب والتراب. ويتم توقيف النزيف عن طريق قطعة من القماش. نتيجة لعملية الختان لا تتمتع الفتاة في العملية الجنسية بشكل كامل.

 
 

ختان الإناث في العالم:

حتى اليوم لم تصدر أبحاث تظهر النسبة العالية لظاهرة ختان الإناث في العالم. وتشير الإحصائيات أنه بين 100 ل 140 مليون فتاة وامرأة في عالم اليوم مررن بعملية ختان. أعلى نسبة منهن موجودة بإفريقيا 85 – 100 مليون وتمتد إلى خمس وعشرين دولة فيها. أي يتم ختان حوالي مليون فتاة بالسنة. ، بالإضافة إلى مصر وعُمان واليمن. بينما لا يوجد ختان بمناطق ناطقة باللغة العربية في شمال أفريقية وجنوبها. هذه الظاهرة موجودة أيضا بالقليل من المناطق داخل أمريكية اللاتينية وآسيا والهند ( منطقة بهرامليون).

تشير الأبحاث إلى إقامة احتفالات خاصة مرافقة لعملية الختان, فمثلا في باكستان تقام احتفالات بعد عملية الختان، وتقام لدى فئة قليلة من المسلمين هناك، لكن طريقة الختان هنالك مختلفة عن الطرق المذكورة سابقا.

تعود الأرقام العالية لامتداد هذه الظاهرة إلى عوامل مختلفة، كالوضع الاجتماعي الاقتصادي للنساء بمجتمع معين، ثقافتهن ومعرفتهن بمواضيع متعلقة بالجنس والجندر).

 

المعتقدات السائدة حول ظاهرة الختان:

عند تعامل النسويات مع موضوع ا الختان كثيرا ما نشير إلى أن هدف ختان النساء هو منع المرأة من المتعة الجنسية، الأمر الذي يضمن عدم ممارستها للجنٍس، وذلك بسبب النظرة البطركية الاجتماعية التي تشيّئ المرأة فتجعلها مجرد موضوع للجنس، ولا تحترم رغباتها الجنسية، أي ترى المتعة الجنسية حقا للرجال دون النساء. كما وكثيرا ما يُربَط موضوع ختان النساء بالدين، ويتم التعامل معه وكأنه واجب ديني عند بعض الديانات.

ولكن البحث في الجذور التاريخية والدينية لهذه الظاهرة عند مجتمعات العالم وفي الديانات التوحيدية تشير إلى غير ذلك، فمثلا نظرية الثنائية الجنسية bisexuality. تشير إلى أن عددا من الحضارات الافريقية آمنوا بان هنالك جزءا أنثويا في كل رجل، وجزءا ذكريا في كل امرأة. لذلك اعتقدوا بانه يجب ازالة الجزء الانثوي عند الرجل، المتواجد في عضوه الجنسي، حتى يصبح رجلا متكاملا. وكذلك عند المرأة بحيث يجب ازالة الجزء الذكري المتواجد لديها، والموجود في المنطقة العلوية من عضوها الجنسي، حتى تصبح امرأة حقيقية وتكون جاهزة لأداء دورها الانثوي في الحياة الجنسية.

من ضمن هذه المعتقدات أيضا أن كل طفل يولد، ذكرا كان أم أنثى، يولد معه ملاك، في حال لم يتم ختان الطفل يختفي الملاك ويحل مكانه الشيطان. وهذا يفسر استعمال الموسيقى والرقص في مراسيم الختان. حيث تدل هذه المراسيم على فرح، لضمانهم ابتعاد الشيطان عن جسم الطفل إلى الأبد. كما وأظهر بحث اجري في مصر أن الاعتقاد السائد حول ضرورة الختان، هو لكونه يحافظ على نظافة عضو المرأة الجنسي ويساعدها على الحمل. لأن هنالك اعتقادا بأن البظر يخرج مادة تقتل الحيوانات المنوية.

وعلى كل حال تؤكد هذه المعتقدات على التعامل مع الختان كحاجة إنسانية لأسباب صحية وإنجابية. أي تعرض وكأنها حاجة حتمية من أجل التكاثر أيضا. وليس فقط لادعاءات المتعة الجنسية، مما يصعب مناقشتها والاستئناف عليها. .

 

وأما بالنسبة للبعد الديني فإننا نرى أن ليس هنالك ما يفرض الختان في الديانة المسيحية أو الإسلامية، رغم أن هنالك مسلمين ومسيحيين يتعرضون لها نساء ورجالا لأنها أصبحت عادات نتيجة تأثيرات اجتماعية، وأما في الديانة.اليهودية فالختان إلزامي عند الرجل لكي يعتبر الانسان يهوديا وابن لله.

اعتدنا في الحركة النسوية مناقشة ومعالجة قضايا العنف التي تدربنا على العمل يها، نحاول تحليلها ونجتهد في معالجها، مثل قضايا جرائم الاغتصاب، أو العنف الجسدي ضد النساء، ولكننا ما زلنا لا نطرق العديد من الأبواب في ما يخص العنف ضد النساء، ولاسيما في الجنوب. فختان البنات هو عنف جسدي وعنف جنسي وعنف نفسي فظيع، آثار ختان البنات النفسية والصحية والجنسية كثيرة وقد تصل الموت. تضعنا هذه الظاهرة أمام تحدي كشف النقاب عنها وإخراجها من بئر الصمت، وذلك لكي نفهم الظاهرة بشكل أعمق ونعي حقائق الأمور الجارية من حولنا، ظاهرة كانت بحجج الطهارة والدين والأخلاق أم مختبئة تحت قشور التمدن.
 
 
 
 
 
 

المصادر:

1) الذيب, سامي. ختان الذكور والاناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين. 2000.

2) أبو العز, عزة. دموع النساء, 1998.

3) فياض, محمد. البتر التناسلي للاناث. 1998.

4) Female Genital Mutilation: Proposals for change by EFUADORKENOO.and SCILLA ELWORTHY 1994.

 

 

* سمر راشد مركزة مشروع المدارس في السوار. تم نشر هذه المقالة في نشرة جمعية السوار، عدد 33.

* كافة الاقتباسات هي مما قالته النساء اللواتي قابلتهن في النقب.