أبجديات الهوية الجندرية.. تَعَرَّف/ي على الفارق بين الجنس والنوع الاجتماعي

بقلم : تسنيم منير



2023-08-23

ترتدي الفتيات الفساتين الزهرية ويلعبن بالدمى وألعاب الطبخ ويخططن لعرسهن منذ الطفولة ويتمنين أن يصبحن معلمات، بينما يلعب الطفل الذكر بالمسدس والطائرة أو مع رفاقه بالشارع، مرتديًا اللون الأزرق، ويحلم بأن يكون طبيبًا أو ضابطًا أو رائدًا للفضاء.

 

هل حقًا يولد الأطفال بهذه التفضيلات في الملبس وخيارات الألعاب وحتى الأحلام المستقبلية؟ هل يعبر هذا عن فطرتهم/ن القائمة على عوامل طبيعية؟ أم أن البالغين هم من يختارون لون دهان غرفهم/ن ويجلبون لهم/ن الألعاب. ويعززون لديهم/ن، خلال عملية التربية، بعض السلوكيات والأحلام والميول بطريقة الثواب أو الاستحسان والتشجيع لتحقيق هدف ما، بينما يتجاهلون أو يرفضون سلوكيات وميولًا أخرى؟

 

للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى التعرف على الفرق بين الجنس وبين النوع الاجتماعي، وما يخضع له من معايير، وما يترتب عليه من أدوار وسلوكيات مقبولة أو متوافقة اجتماعيًا، وأخرى ليست كذلك.

 

الجنس البيولوجي (Sex)


 

هو التصنيف الذي يشير إلى الخصائص البيولوجية التي تُعَرِّف الإنسان على أنه أنثى أو ذكر، وهي الخصائص التي يحددها الطبيب/ة عند الولادة.

 


من الشائع أن الحكم الأولي على جنس المولود/ة يكون عن طريق النظر إلى وجود القضيب والخصيتين أو الفرج لتصنيف المولود/ة على مستوى الجنس البيولوجي. لكن في بعض الأحيان تظهر الحاجة إلى النظر إلى باقي مكونات جنس المولود.

 

مكونات الجنس البيولوجي للفرد:

 

  • الأعضاء الجنسية: وهي عادة أول مؤشر يستخدمه الطبيب/ة والوالدان للحكم على جنس المولود/ة، وهي تنقسم إلى أعضاء جنسية ظاهرة وباطنة.

 

الأعضاء الجنسية لدى الإناث تتكون من المبيضين والرحم وقناتي فالوب اللتين تصلان بينهما. ينتهي الرحم بالمهبل الذي يصل إلى الجزء الخارجي أو الظاهر الذي يتكون من البظر والشفرين والفرج والإحليل.

 

بينما تتكون الأعضاء الجنسية لدى الذكور من إحليل وبروستاتا وحويصلتين منويتين داخليًا، بينما يتكون الجزء الخارجي أو الظاهر من قضيب وصفن.

 

أما عند ثنائيي/أت أو مزدوجي/ات الجنس البيولوجي (Intersex) فهناك تنويعات تشريحية كثيرة تصل إلى ما فوق الأربعين تنويعة، تمتزج فيها أجزاء داخلية أو خارجية تتنوع بين المؤنث والمذكر للفرد الواحد، مما يصعب الحكم على جنسه/ا بواسطة الأعضاء الجنسية وحدها.

 

  • الكروموسومات: هي جزيئات تشبه الخيوط وتقع داخل النواة في خلايا جسم الإنسان، وكل كروموسوم عبارة عن بروتين يرتبط بجزيء واحد من الحمض النووي DNA، بهدف توريث ونقل الصفات الوراثية للأبناء بحيث يكون كل فرد مختلفًا عن الآخر.
  • تولد الإناث بكروموسومات XX ويولد الذكور بكروموسومات XY. أما في حالة ثنائيي/ات الجنس البيولوجي، فيمكن أن يولدوا بكروموسومات XXY ويمكن أن يولدوا بكروموسومات مختلطة بين XX وXY.
  • الهرمونات: الهرمونات بشكل عام هي مواد كيميائية يتم إنتاجها في الغدد الصماء وتتحكم في معظم الوظائف الجسدية الرئيسية مثل: الجوع والعواطف والمزاج والتكاثر والوظائف الجنسية المتعلقة بالبلوغ.
  • تولد الإناث بهرمونات البروجيستيرون والإستروجين بشكل غالب، ويولد الذكور بهرمون التستوستيرون بشكل غالب، أما ثنائيو/ات الجنس البيولوجي فيولدون بنسب متقاربة من الهرمونات "الأنثوية" و"الذكرية".

 

النوع الاجتماعي

 

ومن هنا يتضح أن جنس الفرد هو مفهوم بيولوجي بحت يعتمد على خصائص الفرد الجسدية، ويترتب عليه قدرة أفراد بعينهم/ن على أداء وظائف معينة متعلقة بتشريح أجسادهم/ن؛ كوظيفة الحمل والولادة والرضاعة الطبيعية.

 

الجندر أو النوع الاجتماعي


 

الجندر أو النوع الاجتماعي مصطلح أكثر تعقيدًا من الجنس البيولوجي، لأنه مرتبط أكثر بالأدوار الاجتماعية، التي ترتبط بمصطلحات الذكورة والأنوثة، والتي يكون الفرد مطالبًا بأدائها وفق تصنيف جنسه، كما تُعَرِّفه منظمة الصحة العالمية على أنه: المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها كل من الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية.

 

على سبيل المثال: في الكثير من المجتمعات يرتبط أداء الأعمال المنزلية، كالطبخ وتنظيف المنزل، بالنساء دون الرجال، رغم أنه لا يوجد ما يجعل الإناث أقدر على أداء تلك المهام من الرجال، إذ أنها لا تتعلق بوجود أعضاء جنسية معينة أو أيًا من مكونات الجنس البيولوجي الأخرى.

 

هذا الربط الاجتماعي جعل تلك الأعمال التزامًا وسلوكًا متوقعًا من الإناث يرتبط بحصولهن على القبول الاجتماعي وتجنب عواقب عدم التوافق مع المجتمع، بينما لا يتوقع المجتمع من الرجال أن يلاقوا أي وصم أو نبذ أو عقاب مجتمعي بناء على عدم أدائهم لها، بل يعد ذلك في كثير من الأحيان مقبولًا، وربما مستحسنًا.

 

يرتبط مصطلح الجندر بالنظام المجتمعي ومجموعة من السلوكيات المنتظرة من المجتمع من الرجل أو المرأة، نظرًا لأنه بناء اجتماعي صُنِع بواسطة الإنسان وليس بصورة طبيعية، ما يجعله متغيرًا بتغير الزمن والموقع الجغرافي والزمان والثقافة وغيرها من العوامل.

 

على سبيل المثال: في أغلب دول العالم، يرتبط ارتداء التنانير بالنساء والفتيات، وتُصَنَّف على أنها مظهر أنثوي صريح، ويكون ارتداء الرجل للتنانير تصرفًا غير مطابق لمعايير الذكورة، على الرغم من أن هناك دولًا اعتبرت ارتداء بعض تفصيلات من التنانير تصرفًا ذكوريًا مقبولًا اجتماعيًا، مثل الإزار في المجتمع الإسلامي، والزي القلطي التقليدي للرجال في دولة أسكتلندا.

 

وهنا لا بد من التطرق إلى مفهوم الأدوار الاجتماعية، لأنه وثيق الصلة بالجندر، إذ أنه بمجرد تصنيف الشخص طبقًا لجنس معين، يجد نفسه/ا محملًا بأدوار وتوقعات مرتبطة بمجتمعه/ا، وتتأثر بعوامل الثقافة والدين والاقتصاد والسياسة.

 

الأدوار الاجتماعية


 

الدور الاجتماعي هو نموذج لسلوك الفرد في المجتمع، حيث يرتبط بتوقعات المجتمع من الأفراد، وتلك التوقعات مبنية على الجنس المعطى لهم/ن عند ولادتهم/ن، حيث يُقَيَّمون بهدف تحديد حصولهم على الامتيازات الاجتماعية المتعلقة بالاحترام والتقدير والقبول طبقًا لنجاحهم/ن في تحقيق تلك الأدوار والتوقعات التي لم يشاركوا في وضعها، بغض النظر عن فرديتهم/ن وعن استحالة قولبة الأفراد طبقًا لقواعد معينة، وتجاهل اختلافهم/ن وقناعاتهم/ن وخياراتهم/ن الشخصية.

 

من أمثلة الأدوار الاجتماعية الشائعة:

  • الدور السياسي: وهو يتلخص في سلطة اتخاذ القرارات بداية من الأسرة مرورًا بالنقابات والمجالس المحلية والسلطات التشريعية والقضائية وصولًا إلى السلطات التنفيذية، وعادة ما يهيمن الرجال على هذه الأدوار، على الرغم من عدم وجود أي أسباب بيولوجية مثبتة علميًا تجعل الذكور أفضل في اتخاذ القرارات من الإناث.
  • الدور الرعائي: وهو دور عادة ما يلي عملية الإنجاب البيولوجية، ويتلخص في العناية بالأطفال ورعايتهم/ن وتلبية حاجاتهم/ن وتنشئتهم/ن حتى مراحل النضوج والانفصال عن الأسرة. وهو دور عادة ما تحمل النساء العبء الأكبر منه، وكثيرًا ما يتم حصره على النساء وحدهن، هو وما يقترن به من أدوار، كالأعمال المنزلية الخدمية غير مدفوعة الأجر. هنا أيضًا لا يوجد أساس بيولوجي يؤكد أن جنسًا معينًا أقدر على التربية والتنشئة والتقويم من الآخر.

 

المساواة الجندرية

 

تتعدد تلك الأدوار وتزداد بتقدم الحضارات، وتختلف من المجتمعات البدائية مرورًا بالمجتمعات الحديثة، ومن الأسر الصغيرة (النواة) إلى الأسر الممتدة، ويؤخذ على تلك الأدوار قولبتها للأشخاص وحصرها أو إتاحتها لجنس معين (الذكور) الهيمنة على المجال العام والأعمال مدفوعة الأجر، وسهولة الوصول إلى التعليم والترقي الوظيفي والاقتصادي، وإمكانية الوصول إلى السلطة وما يتبعها من قوة. وفي المقابل حصر جنس الإناث في البقاء في المنازل لفترات كبيرة، وصعوبة الوصول إلى التعليم، والعمل والإثقال بالمهام غير المدفوعة، مما يترتب عليه ارتفاع نسب الأمية والفقر وسطهن، وكذلك انخفاض وصولهن للمناصب والتمثيل المجتمعي، ويرتبط باختبارهن أنواع عنف أو تمييز لا يتعرض له نظرائهن من الرجال.

 

الهوية الجندرية


 

تُعَرَّف الهوية الجندرية على أنها الشعور الذي نحس به بداخلنا تجاه الجندر الخاص بنا، وكيفية التعبير عنه من خلال ملبسنا، وسلوكياتنا، وشكلنا الشخصي، وخياراتنا. عادة يبدأ هذا الشعور في مرحلة مبكرة من العمر.

 

تملك معظم المجتمعات مجموعة من التصنيفات الجندرية التي تُستخدم كأساس لتكوين الهوية المجتمعية للفرد بالنسبة إلى أفراد آخرين من المجتمع، وهناك أيضًا خصائص جندرية ملزمة للذكور والإناث تنقسم من خلال الثنائية الجندرية. وتُعَرَّف الثنائية الجندرية على أنها حصر للهويات الجندرية في هويتين فقط: الرجال والنساء.

 

هوية جندرية معيارية أو معايري  (Cisgender)


 

تعني أن الشخص متجانس/ة الجندر، أي تتطابق -وفق المعايير المجتمعية- هويته/ا الجندرية مع الجنس البيولوجي المسجل عند الولادة. فمثلًا شخص وُلد أنثى وترى نفسها كذلك أو ذكر يُعرِّف نفسه كرجل.

 

عادة ما يحظى أصحاب الهوية الجندرية المعيارية بالعديد من الامتيازات الاجتماعية؛ حيث يتعايش الفرد في المجتمع متمتعًا بالقبول والتوافق الاجتماعي ويتمتع بكثير من الحقوق الممنوحة لأفراد المجتمع.

 

الهويات الجندرية طيف واسع


 

يتعرض أصحاب الهويات الجندرية غير المعيارية (كالعابرين/ات جنسيًا وجندريًا الذين يُعَرِّفون أنفسهم طبقًا للنوع الآخر في الثنائية الجندرية، كأن يمنح الفرد جنس ذكر عند ولادته/ا بينما يُعَرِّف نفسه/ا ويشعر بنفسه/ا كأنثى مثلًا، والعكس)، إلى الحرمان من الكثير من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصبحون أكثر عرضة للعنف سواء من قبل سلطات الدول، عن طريق المراقبة والاستجواب والاعتقال أو العنف المجتمعي، بداية من الخطاب العدائي الذي يحمل كراهية، مرورًا بالتحريض والنبذ والوصم، ووصولًا إلى العنف الجسدي والجنسي الصريح، وقد يصل إلى القتل في الكثير من البقاع حول العالم.

 

لا تقتصر الهويات الجندرية غير المعيارية على العبور الجنسي داخل الثنائية الجندرية؛ حيث يصنف بعض الأشخاص أنفسهم على أنهم لاثنائيو/ات الجندر (Non-binary) أي أن جندرهم لا يقع داخل هذه الثنائية، أي ليسوا ذكورًا أو إناثًا، أو أنهم ذكور وإناث في نفس الوقت.

 

قد يكون الأشخاص انسيابيي/ات الهوية الجندرية، وتعتبر هويتهم/ن متغيرة (Gender Fluid) أو أحرار الهوية، ليسوا متمتعين/ات بهوية جندرية محددة وهويتهم/ن تعتبر مزيجًا من هويات أخرى سابقة أو لم يجرِ ذكرها.

 

السيولة الجندرية

تُعتَبَر الهويات الجندرية طيفًا واسعًا تندرج تحتها العديد من الهويات، قد يكون بعضها أكثر شيوعًا من الأخرى، وهي ليست نهائية، بل تزيد وتتعدد باستمرار، ويكون بعضها مزيجًا من البعض الآخر، أو يحتوي على فروق بسيطة حسب اختبار الأشخاص لأنفسهم/ن وجندرهم/ن وكيفية تعبيرهم/ن عنه.

 

 لم تعد الثنائية الجندرية التقليدية قادرة على استيعاب جميع الأشخاص، أو لم يعد من الصحيح الحكم على جندر الشخص من جنسه/ا البيولوجي أو من طريقة مظهره/ا أو ملبسه/ا وبناء عليه اختيار الضمير المناسب لمخاطبته/ا.

 

تُعَرِّف مؤسسة القوس للتعددية الجنسية والجندرية الفلسطينية الهوية الجندرية على أنها: إحساس ونظرة الفرد الخاصة وتجربته الموضوعية لنوعه الاجتماعي. الإحساس الذاتي لكوني رجلًا أو امرأة، كحامل/ة صفات رجولية أو أنثوية، كما أن هنالك أفرادًا يعيشون تجارب جندرية مختلفة حيث يشعرون، بدرجات متفاوتة ومختلفة، بعدم تلاؤم بين جنسهم البيولوجي والنوع الاجتماعي. بعض الأفراد يرون أن تغيير الجنس خطوة ضرورية للوصول إلى التعبير الجندري الداخلي الملائم لهم/ن. ولكن هنالك تعريفات وتجارب جندرية أخرى ومنها: الكويريون جندريًا (Gender Queer)، وعابرو/ات الملبس -ترانسفيستايت (transvestite)، وملكات الدراج (drag-queen) وغيرها من التجارب التي تجعل الأشخاص يفضلوا/ن استخدام ضمائر أكثر ملائمة لهوياتهم/ن الجندرية وشعورهم/ن بأنفسهم/ن.

 

لا سبيل إلى معرفة هوية الشخص الجندرية أو الضمير المناسب لمخاطبته/ا سوى بسؤالهم/ن عن الاسم المفضل لهم/ن؛ هل هو الاسم الممنوح لهم/ن من قبل العائلة وقت الولادة، أم يفضلون استخدام اسم آخر أدق تعبيرًا عن هويتهم/ن. كذلك ينبغي أن نسأل عن الضمير الذي يفضلونه، إذ تتراوح الضمائر بين (هو- هي - هو وهي سويًا - هم/هن – همن... إلخ

 

يظل قوس الضمائر وطرق تعريف الأفراد عن أنفسهم/ن مفتوحًا لأنه كل يوم يجد الناس مفردات لغوية جديدة للتعبير عن أنفسهم/ن وذواتهم/ن وتجاربهم/ن واختبارهم/ن لجندرهم/ن، خاصة أننا نشأنا مع لغة لا تحتوي سوى ضمائر المذكر والمؤنث، ولغتنا فقيرة جندريًا نوعًا ما، ويتطلب الأمر الكثير من البحث، وحتى اختراع مفردات جديدة تضم الأشخاص وتسمح لهم بالتعبير عن اختبارهم/ن لهوياتهم/ن بشكل أكثر قربًا للواقع، وبطلاقة.

 


 

المصادر


genderiyya.xyz

genderspectrum.org

genderiyya.xyz

emedicine.medscape.com

genderiyya.xyz

genderiyya.xyz

britannica.com

obstan.org

healthline.com

emedicine.medscape.com

teentalk.ca

plannedparenthood.org

genderiyya.xyz

web.archive.org

dailymedicalinfo.com

webteb.com