غرزة الزوج.. عنف طبي بدعوى تعزيز العلاقة الحميمة

بقلم : آية ياسر



2023-10-11

"كانت الآلام المبرحة تمزق مهبلي كلما مارست العلاقة الجنسية مع زوجي، إلى درجة تفسد على كلينا متعته، بشكل يدفعني أحيانًا إلى البكاء، مما يقطع علاقتنا الحميمية، ويجعل شريكي يبتعد عني في منتصفها دون إشباع لكلينا"، هكذا تصف سلمى معاناتها مع العلاقة الحميمية، التي بدأت تحديدًا بعد الولادة الثانية.

 

تضيف سلمى: "أصبحت أشعر بالنفور من ممارسة الجنس وتهربت من العلاقة مع زوجي لأسابيع، متعللة بالمولود الجديد والتعب وقلة النوم، واستمر الحال لفترة طويلة حتى فطام الصغير وهو ما دفع شريكي للضجر ليسألني صراحة إن كنت أرغب في الطلاق".

 

أفصحت سلمى لزوجها بأنها تعاني من آلام لا تُحْتَمَل خلال العلاقة الزوجية منذ ميلاد الطفل الثاني، ليصدمها زوجها بأنه طلب من طبيب النساء والتوليد على انفراد -قبيل ولادتها- فِعْل شيء ليجعل مهبلها ضيقًا، لأنه غير سعيد بالعلاقة، وهي الشكوى التي كان يكررها منذ أصبحت أمًا، أي بعد ولادة الطفل الأول.

 

"كان زوجي يتذمر من أن الحمل والولادة أثرا على جسدي ولم أفهم في البداية قصده، لكن فيما بعد اعترف لي أنه لم يعد يشعر باللذة نفسها التي كان يحس بها في العلاقة بسبب اتساع مهبلي، وأنه أصبح يتأخر في الوصول إلى النشوة الجنسية".

 

توجهت سلمى على الفور إلى عيادة طبيبة نسائية أجرت لها فحصًا وأخبرتها بأنها خضعت بالفعل إلى غرز لتضييق المهبل من الداخل باستخدام الخيوط التجميلية، وهي عملية تُعرَف إعلاميًا وفي الأوساط الحقوقية بغرزة الزوج أو غرزة إرضاء الزوج، وتُعرَف بين عامة الناس بـ "عملية التضييق"، وهي غرزة إضافية تجري بالقرب من فتحة المهبل بعد الولادة، بغرض تضييقه، وبدعوى أن هذا سيعيد المتعة للشريك خلال العلاقة الحميمية.

 

في حالة هاجر، أُجريت غرزة الزوج بناء على طلبها، بعدما تلقت نصيحة مضللة على إحدى المجموعات النسائية على فيسبوك، وذلك بعدما كنت تسأل في الأساس إذا كان يوجد فارق بين الولادة الطبيعية والقيصرية وأيهما أفضل.

 

"البعض قمن بتخويفي من تأثير الولادة الطبيعية على مهبلي الذي سيصبح مترهلًا ومتسعًا بشكل يجعل زوجي ينفر من ممارسة العلاقة الحميمية معي، لكن أخريات نصحني بإجراء عملية تضييق المهبل بعد الولادة الطبيعية مباشرة، لكن حين مارست الجنس مع شريكي للمرة الأولى بعد انتهاء فترة نفاسي كان الأمر مؤلمًا للغاية وحدث لي نزيف".

 

هكذا تحكي هاجر التي ظنت في البداية أن تلك الأعراض من مضاعفات الولادة الأولى، واستمر لديها هذا الاعتقاد خلال الشهور التي تلت الولادة، حتى قررت زيارة عيادة النساء والتوليد، مُضيفة: "صحيح أنني طلبت من الطبيب إجراء تضييق المهبل، لكنه لم يحذرني من الآثار الجانبية لها، ولم يخبرني أنني على الأرجح لن ألد بشكل طبيعي مستقبلًا، لأنني سأكون عرضة لتمزق المهبل".

 

أغراض تجارية


 

تختلف غرزة الزوج عن عملية إصلاح التمزقات المهبلية بعد الولادة الطبيعية؛ كونها خياطة جراحية لتضييق فتحة المهبل عقب الولادة دون داع طبي، بغرض الإرضاء الجنسي للشريك من خلال زيادة وتيرة هزات الجماع، وكثيرًا ما تجري دون موافقة الزوجة والاكتفاء بالموافقة الشفاهية أو الضمنية للزوج.

 

 

 

واللافت أن الكثير من النساء اللواتي أجريت لهن عملية غرزة الزوج لا يعرفن ما حدث لهن، وغالبًا ما يعانين آثارًا جانبية سلبية، وإن كانت هذه الآثار لا تتشابه، فقد يشعرن بالألم وعدم الراحة، أو يحتجن إلى وقت أطول للتعافي بعد الولادة، وقد يصيبهن التورم والالتهابات المهبلية، ويعانين آلامًا خلال ممارسة الجنس.

 

بعض النساء تتشكل لديهن أنسجة ندبية عند فتحة المهبل، وربما يواجهن صدمة عاطفية، أو مضاعفات خطيرة مثل النزيف المستمر أو المتزايد، وقد تصل إلى ظهور علامات للعدوى، كالقيح أو الرائحة الكريهة أو التورم في موضع الغرز، وقد يواجهن تسرب البول أو البراز، وعدم القدرة على استخدام السدادات القطنية خلال الدورة الشهرية، وكثيرًا ما يضطر بعضهن إلى الخضوع بعد ذلك لعملية بَضْع الفرج أو شق العجان في الولادات الطبيعية المستقبلية، كما يزداد لديهن خطر هبوط الرحم.

 

وإذا كانت المرأة تعاني من ضعف قوة العضلات المهبلية بسبب الولادة السابقة بشكل يسبب خللًا جنسيًا، فإنه بمقدورها اللجوء لنوع من الجراحة التجميلية يسمى رأب المهبل، والتي تعمل على شد عضلات المهبل.

 

ورغم كل هذه الآثار السلبية إلا أن هناك حالة واحدة فقط تكون خلالها الغرز ضرورية، حين تحدث تمزقات في المهبل، ربما تمتد إلى المستقيم نتيجة عدم اتساع قناة الولادة المهبلية بما يكفي لاستيعاب خروج رأس الطفل من خلالها، ولكن بشرط ألا تمتد الخياطة إلى فتحة المهبل، بحسب مجلة ميديكال نيوز توداي.

 

ورغم عدم ثبوت جدوى طبية لهذه الممارسة ووجود مضاعفات لها في أغلب الأحيان، إلا أن موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يمتلئ بإعلانات ترويجية لعيادات تجميل وعيادات نساء وتوليد تشجع السيدات على الخضوع لغرزة الزوج أو عملية تضييق المهبل، عبر الجراحة أو بالليزر أو عبر الحقن بالسيليكون أو البوتكس.

 

لا توجد إحصائيات أو دراسات علمية ترصد حجم انتشار غرزة الزوج في مصر، لكن استشاري النساء والتوليد، الدكتور محمد إمام راشد، يؤكد انتشارها، وبالإضافة إلى ذلك يُشبهها في قسوتها بختان الإناث على الطريقة السودانية، مؤكدًا أنها ليست إجراءً طبيًا، وإنما تحولت لدى بعض الأطباء إلى تجارة لا أكثر.

 

ويُفرِّق د. راشد بين غرزة الزوج وبين عملية ترميم وتصليح المهبل، فالأولى ليست إلا غرزة إضافية في الجلد الخارجي لفتحة المهبل بغرض تضييقها دون داعٍ طبي، بذريعة زيادة متعة الزوج خلال العلاقة، أما الثانية فهي جراحة متعارف عليها تُجرى في حالات تمزق عضلات المهبل أثناء ولادة طبيعية عنيفة، أو في حالات إصابة المثانة بالضرر عقب الولادات الطبيعية، مُعتبرًا إعلانات تضييق المهبل، بالليزر أو عبر الحقن بالسيليكون، احتيالًا.

 

ويُحذِّر استشاري النساء والتوليد من كون غرزة الزوج تؤدي إلى تليف الجلد الخارجي لفتحة المهبل مما يسبب ألمًا ونزيفًا وقد تنتج عنها مضاعفات، وعوضًا عن ذلك ينصح السيدات عقب الولادة بممارسة تمارين كيجل، والتي تعتمد على شد عضلات الحوض وإرخائها.

 

دون موافقة الزوجة

 

بدون موافقة الزوجة


 

وفقًا للقانون ليس من حق الطبيب عمل أي إجراء أو تدخل جراحي لم يُطلَب منه ودون موافقة المريض/ة، إلّا في حالات الضرورة القصوى، لكن المحامية الحقوقية المعنية بقضايا المرأة، هبة عادل، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة مبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، ترى أن أطباء النساء والتوليد يضيفون الغرزة الإضافية من باب المجاملة للزوج، مخالفين للصلاحيات المنوطة بهم خلال عملية الولادة.

 

وتعتقد هبة أن الخجل وقلة الوعي لدى بعض السيدات يمنعهن من الشكوى ضد الطبيب/ة، لا سيما أن بعضهن لا يعرفن بالأساس أن تلك الغرزة أجريت لهن، فيعتقدن أن سبب آلامهن يرجع إلى مضاعفات الولادة والتغيرات الجسدية المصاحبة لها، لذا تعتبر التوعية أمرًا بالغ الأهمية، كي تتخذ النساء المقبلات على الولادة إجراء وقائيًا عبر تحذير الطبيب من إضافة الغرزة.

 

ويُرجِع موقع "نادي أكسفورد لحقوق الإنسان" نقص حالات الإبلاغ عن التدخلات الطبية غير المبررة أثناء الولادة إلى عدم اعتراف الأنظمة القائمة بكونها من أعمال العنف أو الانتهاك الجنسي، وصعوبة التفرقة بين الخطأ الطبي والجراحة غير الضرورية، إذ تُمنَح السلطة التقديرية للممارسين الطبيين. 

 

يُفترض بمقدم الخدمة الطبية تقديم شرح وافٍ عن كيفية إصلاح المهبل بعد الولادة، والحصول على موافقة واضحة من المريضة قبل المبادرة بأي إجراء. بالتالي يمكن اعتبار غرزة إرضاء الزوج أحد أشكال العنف الطبي ضد النساء، ويشترك في الممارسة الطبيب/ة والزوج في حالة موافقته.

 

ولا تنفصل هذه الممارسة عن ثقافة المجتمع الذي يعتبر جسد المرأة ملكًا للزوج ومخصصًا لمتعته وخدمته هو والأبناء، كما ترى الناشطة النسوية آية منير، مؤسسة مبادرة سوبر وومان.

 

تشير شهادات النساء المتضررات، بالإضافة إلى شهادات المتخصصين، إلى ضرورة تفعيل التشريعات التي تمنع من اللجوء إلى التدخل الجراحي غير الطارئ دون موافقة خطية مستنيرة من المرأة، أي بعد توضيح طبيعة هذا التدخل ومضاعفاته المحتملة، وذلك للحد من التجاوزات التي تستهدف النساء في دور الرعاية الطبية.

 

ويظل إجراء تضييق المهبل بعد الولادة إجراء مشكوكًا في جدواه، ناهيك عن الشك في مدى أخلاقيته، لأنه يُفقد المرأة الحق في ممارسة حياتها وأمومتها، بل يُفقدها الحق في ممارسة العلاقة الحميمية نفسها بشكل طبيعي.