المرأة والجنسانية في المجتمعات الإسلامية



2017-04-02

يعتبر هذا الكتاب حصيلة نشاط متميز لمنظمة "المرأة من أجل حقوق المرأة الانسانية"، وهو اذ يرصد انتهاكات حقوق المرأة في الريف والمدينة، فإنه يقدم ذلك من خلال شهادات وكتابات نادرة لنساء عشن في ظل القمع الجنساني المستمر، على مدى قرون.

 

تستهدف الباحثة التركية بينار ايلكاركان في كتابها هذا، صنع مرآة عاكسة للمساعدة على تطوير رؤية واضة لذواتنا وجنسانيتنا (نشاطنا الجنسي) من خلال تبادل الخبرات والتجارب، والأفكار، والرؤى، والاستراتيجيات.


ان التحكم بجنسيانية المرأة يعتبر الاداة الأقوى للنظام البطركي (الأبوي) في المجتمعات الاسلامية، إن هذا التحكم يتحقق من خلال آليات معقدة من الاستغلال السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، بما في ذلك الاخضاع عن طريق الاكراه والعنف. وضمن هذا السياق، يتم في أغلب الأحوال اساءة استخدام الدين باعتباره أداة قوية للسيطرة، من أجل شرعنة انتهاكات حقوق المرأة الانسانية، وقد فشلت الخطابات الراهنة حول هذه المسألة في الاسلام في أن تأخذ بالاعتبار الفوارق في الممارسات بين المجتمعات الاسلامية، كما أغفلت وتجاهلت مجالات التحرك المتاحة التي تخلقها المحرمات الاجتماعية والسكوت عنه اجتماعياً فيما يتعلق بالسلوك الجنسي، ولكن حتى الخطابات المعتمدة على تحليل وتأويل النصوص القرآنية والكتابات المقبولة تقليدياً لتأسيس الممارسات المعيارية في الاسلام، يمكن أن تؤدي الى نتائج متناقضة فيما يتصل ببنية جنسانية المرأة.


ويذكر أن العقد المنصرم كان قد شهد سيلاً دافقاً من الأبحاث والدراسات التي تناولت الجوانب والملامح التاريخية، والاجتماعية والانتربولوجية للتنظيم الجندري في المجتمعات الاسلامية، ولكن لم يركن سوى القليل منها على موضوع الجنسانية بحد ذاته. وقد لاحظت دينيز كانديوكي ذلك الافتقار الى التشديد على الجنسانية في الاتجاه السائد لدى معظم الدراسات في الشرق الأوسط، وأكدت في بحثها على أن التفسيرات المحتملة لهذه الظاهرة قد تكمن في "النفور من الخوض في مناطق المحرمات الثقافية، وفي ردة الفعل ضد الجوهرانية الجندرية المتضمنة في بعض التفسيرات النسوية الراديكالية التي تحمل بعض الشبه بالتصنيفات التي وضعتها الأصولية الدينية الاسلامية".


لا شك أن النفور من الخوض في مناطق "المحرمات الثقافية" مؤسس على خوف تعاني منه معظم النساء، خوف من الأخطار المحتملة. ويتفاوت شكل ومدى هذه الأخطار، بالطبع، اعتماداً على السياق الاجتماعي، والوضع السياسي، والخلفية الاجتماعية ـ الاقتصادية، علاوة على حضور أو غياب التضامن بينهن. كما تشمل هذه الأخطار المحتملة النبذ والإقصاء، والمهانة والإذلال، والتهميش الاجتماعي، والعقاب القانوني، والنفي، والعنف.


اضافة الى هذه المخاطر، اضافت الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار في الشرق الأوسط والمجتمعات الاسلامية مزيداً من القيود على قدرة المرأة على التركيز على قضايا الجنسانية. فقد طرحت هذه الحركات ادواراً متناقضة للنساء، اذ ربما سمحت، من جهة، للعديد من النساء بالمشاركة بشكل أكبر في الحياة الاجتماعية، الأمر الذي يفكك ويهدم العلاقات والأدوار الجندرية التقليدية. الا انها، من ناحية أخرى، اعتبرت النساء أمهات وحاملات لتقاليد وتراث الأمة.

وأدى هذا الى انبثاق استراتيجيات جديدة للسيطرة على النساء، وخصوصاً فيما يتعلق بالجنسانية، للحفاظ على/واعادة انتاج هوية وتفرد "الجماعة". في نهاية المطاف، اعادت الحركات الوطنية التوكيد على ـ والأسوأ من ذلك، انها ضيقت ـ بارومترات السلوك الانثوي المقبول ثقافياً من خلال ممارسة الضغط على النساء للالتزام بالشروط التي وضعها الخطاب القومي.


كل هذه المقالات المنشورة في هذا الكتاب للباحثات والشاعرات والفنانات: "فاطمة المرنيسي، ليلى أحمد، ميرفت حاتم، غوكشين آرت، دنيز كانديوتي، روبينا سياغول، عائشة إمام، مهري، أليف رفعت، راميزة ايرير، فيهان غوفر، بثينة شعبان، إيبيك إيلكاركان، ديليك سيندوغلو، لوسي كارول، أرشالوس كايير، نوال السعداوي، ريم زهرة، أميرة سنبل، عافية س. ضيا، شهلا هايري، لمى أبو عودة، عائشة دوزكان، فيليز كوتشالي، فيلدان يرميبيش أوغلو، سوزان روغي، عائشة غول التيناوي، غو شاه سيرال، ناهد توبيا". هذه المقالات توضح، ان الاضطهاد الجنسي للنساء المسلمات ليس نتيجة لرؤية "اسلامية" خاصة للجنسانية، لكنه مزيج مركب من حالات عدم المساواة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية عبر العصور.

الا ان اسكات صوت النساء من خلال وضع الجنسانية في "المجال الخاص والشخصي" وبالتالي الادعاء بأنه ميدان المقدس الذي لا يمس من "الدين"، يبقى من أقوى الأدوات والوسائل للهيمنة الذكورية في مجتمعاتنا.

 

 

الكتاب: المرأة والجنسانية في المجتمعات الإسلامية
الكاتب: بينار إيلكاركان
المترجم: معين الإمام
الناشر: دار المدى للثقافة والنشر، 2005