ظاهرة الزواج المبكر



2017-04-02

أشارت لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية إلى ارتفاع ملحوظ في ظاهرة الزواج المبكر، حيث تم تزويج أكثر من ألف وثلاثمائة فتاة تحت جيل السابعة عشر عام 2004 وذلك وفق الإحصائيات الرسمية. كما وأشارت الإحصائيات إن أكثر من أربع وأربعين بالمائة من مجموع النساء المتزوجات تزوجن قبل سن الثامنة عشرة. أن هذا الواقع لا يأتي باعتقادي صدفة، فلو حاولنا القيام بنظرة معاينة لمجتمعنا ولتعامله مع مفهوم الزواج أو التزويج، لوجدنا أن ظاهرة الزواج المبكر والزواج غير القائم على التفاهم والمحبة والندية هي ظاهرة حتمية.

 

فما أكثر ما سمعنا، وما زالت تسمع الشابات ولاسيما الصغيرات منا من أمهاتها ومن جداتها ومن جاراتها، وحتى من نساء لا تمت لها بصلة، جملا مثل "الله يستر عليك"، و"الله يعطيك"، و"يالله شدي الهمة صرت كبيرة". وكثيرا ما تقال هذه الجمل باهتمام ومحبة، وقصدا من النساء أن نلاقي "العريس" ونرفع مكانتنا داخل المجتمع. ولكن من تقول لنا هذا الكلام تقوله أيضا  رأفة بأم لنا، وشفقة عليها من ألا تقوم بدورها في النظام الاجتماعي القائم، فإن هذا النظام مبني على تزويج البنات والأولاد مع الاختلاف في أهداف التزويج، فالأم والعائلة كما والمجتمع يسعون إلى تزويج الطرفين البنت والولد، أولا لان النظام الاجتماعي مبني على احترام الأسرة أكثر من احترامه للفرد، والأسرة تعني زوجا وزوجة وأولادا والذكور منهم تحديدا. لذا نجد الأم تقوم بالضغط على ابنها أيضا ليتزوج، كما ونرى أن وكلاء المجتمع لا يكفّون عن دعوته للزواج،" يالله هيّا بيتك حاضر ما شاء الله" و"فلانه ما عليهاش حكي شد همتك".

 

ونجد أن الرجال يعانون أيضا ضمن هذا النظام من محاولات التزويج حتى وان لم يرغبوا، ولكن التعامل مع تزويج الولد وأهداف التزويج تختلفان عن حالة البنت، فالأم أو العائلة أو الأصدقاء يريدون للولد (أو لنقل الرجل لان رجولته  تكتمل دون علاقة بالزواج)، الزواج ليجد امرأة تحبه وتهتم به، وتقوم برعايته عند العجز والمرض، وتلد له البنين والبنات. وتبدأ عملية ملاحقة الولد عند اقترابه من سن الثلاثين. وأما في حالة البنات فالزواج مهم لرفع المكانة الاجتماعية، أو بالأحرى لاكتساب هذه المكانة أصلا، ولإثبات أنوثتها. فأنوثة البنت ومكانتها، حسب نظرة المجتمع، مرهونتان بالزواج والخلف.

 

ولكن الزواج مهم أيضا لتثبيت المكانة الاجتماعية لأمها، لان الأم التي لم "تنَفِّق" بناتها مسكينة، وتشفق عليها الجارات والعمات. وتبدأ عملية انتظار الزواج منذ طفولتنا، فالزواج يثبت أن لنا قيمة وثمنا، فنحن "ننفق" و لا "نكسد"، وكلمة نفق هي الكلمة المضادة لكلمة كسد، وهاتان الكلمتان  مأخوذتان من قاموس مصطلحات السلع والبضائع أي الأشياء وليس الإنسان، ولا تمت إلى  الإنسان وإلى  كرامته بصلة. ولا تستعمل هذه الكلمة عند البسطاء أو غير المثقفين حصرا، وإنما هي كلمة تستعمل في بيوتنا جميعا.

أحيانا يتم التعامل حتى مع مجرد وجودنا كحالة إشكالية، فإذا لم نتزوج ف"سنكسد" وإذا تزوجنا ولم نلد أو ولدنا البنات فقط فويل لنا من شفقة المجتمع ومن الحسرة في قلوب أمهاتنا. وإذا تزوجنا ولم ننجح في حياتنا الزوجية فويل لنا ولأسرنا، فالمشكلة مع الزواج والخلف والطلاق والعزوبية لا تكمن فقط في قلق الأهل والأصدقاء على رفاهيتنا الحياتية، وهذا أمر مهم وعلى أهلنا وأصدقائنا وحتى مؤسساتنا أن تهتم برعايته.

 

ولكن المشكلة هي أن للقلق منبعا آخر، وهو قلق على المكانة الاجتماعية، فالغالبية تؤمن بان المكانة الاجتماعية للفرد ولاسيما المرأة لا تكُتسب إلا بزوج وأولاد. والبنت تبقى "قنبلة موقوته" لجلب الفضيحة، فان هي لم تتزوج يخاف الأهل من أن ينظَرَ إليها كبضاعة كاسدة أو أن يشكّك في سلوكياتها، والمقصود الجنسية، فويل لها من كل هُمَزَة ولمَزَة. وان هي تطلّقت، تصبح حالتها أصلا مخجلة، وان تزوجت ولم تلد أو ولدت البنات فقط، فويل لها ولأمها من المشفقين والشامتين. لذا تعيش أمهاتنا من كافة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية حالة المثل القائل "هم البنات للممات".  ولكن الهم قد يزول أو يخف مع الزواج. فجداتنا تقول أن البنت "جبرها أو قبرها".

 

في واقع كهذا لا نستغرب أن نجعل الزواج قيمة عليا عندنا، أو قيمة أساسية في حياتنا وليس صدفة أن تحلم معظم الفتيات بالحلة البيضاء، ليست فقط لجمالها، وإنما لان من شانها إكسابنا "إنسانيتنا"، فنحن أو لابسات لهذه الحلة أو "بضائع كاسدة".

في واقع كهذا لا نعجب أيضا وجود ظاهرة الزواج المبكر وحتى ارتفاعها، فالبنت التي تربى على المفاهيم المذكورة، تريد "تلحق" البنت حالها و"تزقط" العريس، "اللقطة"، خاصة في واقع من تعظيم نماذج جمالية في الدعايات وفي الإعلام وفي الكليبات، تربط الجمال بصغر العمر، فالعمر لا يكسبنا قيمة ولكن على العكس، يقلل من أنوثتنا، بينما يرفع من هيبة الرجل ومكانته. وقد حدد المثل الشعبي " اللي ما بتنفقها خدودها بتنفقها جدودها"  ثمننا عن طريق الخدود أو الجدود، رغم إن أيامنا تشهد انخفاض أهمية الجدود لصالح القدود، فالخدود  الخالية من الثنيات والقدود الهزيلة هي ضمان للزواج .

 

إن حملة لجنة العمل للمساواة بقضايا الأحوال الشخصية، تسعى لمحاربة ظاهرة الزواج المبكر خاصة في ظل الإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع هذه الظاهرة عندنا أيضا كنتيجة للواقع السياسي والاقتصادي والقانوني، ولكن هذه الحملة تؤكد أيضا على حاجتنا كمجتمع وكأطر نسوية أن نقوم بتغيير القيم والمباني الاجتماعية التي تتعامل مع المرأة كسلعة، ولا تراها أنسانا كاملا وذا مكانة إلا بوجود رجل سيد عليها.

 

وتؤكد على دورها كزوجة وكأم فقط. هذه المباني تجعل دورنا مقتصرا على الحيز

الخاص، وتؤذينا بداخله، حيث قد يكون للزواج المبكر آثارا صحية ونفسية سلبية على المرأة وعلى علاقتها الزوجية، وتعلو نسبة الطلاق عند المتزوجات في سن مبكرة، كما وتعلو بشكل ملحوظ نسبة الإجهاض ونسب تسمم الحمل. وأما في الحيز العام فإن الزواج المبكر لا يحترم قدراتنا على العطاء، فيقصينا عن هذا الحيز، فهو يحرم النساء من التعليم العالي وأحيانا من الدراسة للمرحلة الثانوية، مما يحرمهن من اكتساب مهنة جيدة، ناهيك عن إبعادهن عن مواقع التأثير كالانخراط في العمل الجماهيري والسياسي.

 

 نشير في النهاية إلى أهمية ان يقوم الأهل بالتعليم العالي للفتيات، والاهتمام أن نربي بناتنا وأبناءنا ليكونوا جزءا من عملية التغيير داخل المجتمع، وان نسعى لان يكون الزواج علمية مشاركة متساوية محترِمة للطرفين، مراعين كون الجيل عاملا أساسيا ومهما في الوعي لبناء علاقة مشتركة وبناء اسر .

من حق نسائنا أن يتم التعامل مهن باحترام، ومن حق أطفالنا أن يولدوا لام واعية ومتعلمة ومرتاحة نفسيا وعاطفيا، ومن حق رجالنا الزواج بنساء تشاركهم مسرات الحياة وهمومها على قدم المساواة.

 

 

 

 

 

 


* كتب المقال ضمن حملة الائتلاف "لجنة العمل في المساواة في قضايا الأحوال الشخصية"
لمناهضة الزواج المبكر. كتبته عرين هواري، مندوبة السوار في الائتلاف.