العنف الجندري في وسائل التواصل الاجتماعي



2017-04-02

تشرين الثاني 2014

 

تزدادُ في الآونة الآخيرة وتيرة وحِدَّة المواضيع المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك نموذجاً) والموجَّهة ضدّ أفراد تجاوزوا -  قصدًا أو سهوًا - الأدوار الجندرية المعياريّة في الحيّز العام. وذلك إمّا من خلال اللباس والمظهر، أو عن طريق سلوكيات معينة تُصَنَّف جميعها في صفحات الفييسبوك بأنّها تصرّفات خارجة عن الأدوار الاجتماعية المتوقعة من "الرجل" أو"المرأة" وغير لائقة "بمجتمعنا."

 

عادة ما تثير هذه المواضيع والمواقف المطروحة عبرها عاصفة من ردود الفعل عن طريق عشرات بل مئات التعليقات الساخرة والعنيفة، التي تَصِلُ إلى حَدّ التهديد المباشر والخطير تجاه الأفراد المهاجَمين. هذا الجوّ العنيف، يستمرّ بضعة أيّام مستحوذًا على اهتمام مئات المعلّقين/ات. على سبيل المثال: "وين شباب بلدنا؟ تفي ع هيك أشكال"، "الكلب حاسه عنده رجوله أكثر منك،"أو تعليقات تهدد بالقتل مثل:"لا، كتير هيك، أنا بقول داعش لازم يعمل حملة تصفيه بشكل فوري"، أقتلوهم قبل أن يتكاثروا."

 

 

ربط التعابير الجندريّة بالمثليّة

 من خلال متابعة التعليقات لاحظنا كثيرًا من الغلط واللّغط،  أبرزها رَبط هذه التصرفات والتعابير الجندرية "المرفوضة" (بنوتي، بترقوّص، لابس فيزون) بشكل مُطلق وفوري بالمثليّة والمثليّين/ات. هذا اللغط الاجتماعي يعرّف كل من لديه تصرفات أو تعابير "غير رجولية" بأنه "مثليّ"، إشارة إلى أنّ الشاب المثليّ هو بالضرورة "أنثويّ"، والشابة المثليّة هي بالضرورة أكثر "رجولية." ولكن الربط المطلق والدائم للميول الجنسيّة بالمظهر والكلام والتصرّفات هو خطأ شائع.

 إنّ الهوية الجنسية لأيّ فرد مركّبة من الجنس البيولوجي، النوع الاجتماعي، الميول الجنسية، الهوية الجندرية والسلوك الجنسي - ليس هنالك بالضرورة علاقة بين المركبات المختلفة وإن كانت جميعها تكوّن هويتنا الجنسية. كذلك الأمر بين التعابير الجندرية والميول الجنسيّة، حيث لا توجد علاقة مطلقة بين الإثنين.

 

 

الرجولة والذكورية، قضية نسوية

العنف تجاه هؤلاء الأفراد، هو وجه آخر للعنف المتعارف عليه أكثر، والموجَّه ضد النساء والفتيات اللواتي يتجرّأن -مثلًا- على الظهور بملابس "مستفزة"، أو يتجاوزن حدود دورهنّ كنساء في المجتمع (خاضعات،ملتزمات، لا جنسيّات…). التعليقات التي نقرأها في الآونة الأخيرة تتشابه مع الكمّ الهائل من التعقيبات العنيفة تجاه النساء والتي تصل إلى التهديد بالقتل والاغتصاب. العنف تجاه الذكور الذين لم يستجيبوا لتعريفات الجندر المُسقَط عليهم (رجل، رجولة) يندرج أيضا في نفس هذا السياق المجتمعي الذكوري .

 

رفض التعابير الجندرية غير المتماهية مع المجتمع (وكامتداد لها: رفض المثليين) وتصنيفها بأنها غير رجولية يعزّز بطريقة مباشرة فوقية الرّجل على المرأة. فالرفض والعنف هذه المرّة ليسا ضد المرأة التي خرجت عن دورها الاجتماعي، بل ضد هؤلاء الذين "يتشبّهون بالمرأة". إنّ أي خروج عن الأدوار السائدة هو تهديد لمكانة الرجل في أعلى هذا الهرم ممّا يجعله ينصّب نفسه حارسًا للنظام الذكوري.

 

 

الفييسبوك يعكس ظاهرة موجودة

 الخطاب العنيف والشعبوي المنتشر والّذي نلاحظه عبر صفحات الفيسبوك ما هو إلا انعكاس لما يدور يوميّا في ساحات المدارس، صالونات البيوت وشوارع الحارات وباقي المساحات المختلفة، والتي خلافا للفييسبوك (غير الآمن) يُفترَض أن تكون مساحة آمنة وحامية لكل فرد وخصوصًا للأطفال والشباب.

 

 المضايقات في ساحات المدارس مثلًا  ضدّ كل شخص "مختلف" هي  ليست بالشيء الغريب، ولعل أشدها حدّة هي تلك المضايقات الموجَّهة من قبل أولاد الصف وحتى المعلمين/ات، تجاه الأفراد الّذين لا يتماشون مع التعابير الجندرية التي يمليها المجتمع. وقد يبدأ هذا مع العنف الكلامي: "ليش بنوتي؟"، "حسن صبي"، "هومو"، ثمّ يتطوّر إلى مضايقات أكثر مباشرة منها: العنف الجسدي، الاعتداءات الجنسية وغيرها من ممارسات تؤدّي بالفرد إلى الانعزال الاجتماعي، وإلى تدنّي التحصيل الدراسي، الاكتئاب وحتى التّفكير في الانتحار.

 

 عادة هذا الجو العنيف ليس حصرًا على المدرسة والشّارع، بل هو حالة مستمرّة في البيت، ومع الأسرة المصغّرة قبل العائلة الكبيرة. واقع مُهين هو مصير غالبيّة الأشخاص الذين لا تتماشى تصرفاتهم، كلامهم ولبسهم وطريقة مشيهم مع ما يعتبره الآخرون مقبولًا، وما تتوقّعه منّا عائلاتنا.

 

لهذا العنف أشكال ومسبّبات إضافية متعلقة بتأثير المبنى الاستعماري والعائلي في مجتمعنا والعلاقة بينهما. حيث يساهم الأول (الاحتلال والفصل العنصري) -  بتقييد وتحديد قدرة الفرد على التنقّل بحرية. أمّا الثاني (السلطة الأُسَرِيّة والعائليّة) متعلّق بالمبنى الجمعيّ لعائلاتنا، والذي يضع الفرد في مكانة أقل من العائلة و "سمعتها."

 

 

القمع المخفيّ

 بالإضافة إلى الخطاب الفيسبوكي والعنف المباشر في المدارس ومن قِبَل العائلات، هنالك خطاب آخر أكثر مخفيّ في الدوائر التي تدّعي "تقبّل" المثليّة، والذي لا يقلّ خطورة عن الأول. هو خطاب يفترض أنّ كل التعابير الجندرية (التصرفات، طريقة الكلام، المظهر) هي اختيار شخصي، بوِسع الفرد التحكّم به والسيطرة عليه، ويقترح على "المثليين/ات" فيما لو أرادوا التقبّل المجتمعي "تعديل" مظهرهم، بالأخصّ في الحيّز العام وعدم استفزاز المجتمع.

 

هذا الخطاب يلقي بمسؤولية العنف مرة أخرى على الأفراد المعنَّفين جندريًّا، ولا يعترف بالامتيازات الجندرية (التي ليس بوسع كل شخص تبنّيها)، بواسطة نصائح  قد تُسمع عندما ندقّق بها كمشابهة جدا لتلك التي تربط التحرش والاعتداءات الجنسية في لبس وتصرفات المرأة.

 

 

نظرة مستقبلية

لكل منا دور في نبذ هذا العنف والتأثير على محيطنا الخاص. وذلك من خلال الرد، إذا كان في مقدورنا،  على ما نسمعه بالشارع أو المدارس، ونراه في بيوتنا، أو نقرأه في الفييسبوك. أما في حالة عدم قدرتنا على المواجهة لأسباب عديدة، بإمكاننا التوجه وطلب المساعدة من المسؤولين والمختصين/ات في المدارس، أو توجيه الأشخاص المعنّفين إلى أطر داعمة.

 

إلى جانب هذا، ندعو مؤسسات المجتمع الأهلي - وخاصة الشبابية والنسوية والحقوقية - إلى البدء في طرح مواضيع التعددية الجنسية والجندرية بصورة أوسع، وتبنيها كجزء من نشاطها وبشكل يتلاءم مع عملها، وذلك لتطوير معلوماتها وقدراتها للإجابة على العنف الجندري من خلال نشاطها التوعوي والخدماتي.  

 

 

 

 

*  ناشط في مجموعه القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني

 

نشر المقال في صحيفة فصل المقال وموقع قديتا