ممارسة العلاقة الجنسية أثناء الحمل



2018-09-28

مقالة للدكتور لؤي خدام حول:

 

ممارسة الجنس أثناء الحمل

 

 

مقدمة
تتصف الفترة التي تمر بها السيدة الحامل بأنها فترة مهمة من فترات حياتها. ستغيّر من وضعها بالأسرة وبالمجتمع وستعطيها صفة الأمومة. هذه الفترة غالبا ما تحفل بالمصاعب الناتجة عن التغيرات الفيزيولوجية التي يتعرض لها جسمها.

 


الأفكار المتضاربة حول الجنس و الحمل
نلاحظ على مر العصور تدخّل الثقافات والمجتمعات في هذا الموضوع. بعض المجتمعات الأولية كانت ترى بمنّي الرجل مادة مغذية للجنين، لكن في مجتمعات أخرى تمنع بعض العادات والتقاليد من ممارسة الجنس أثناء الحمل. كما ونلاحظ عند بعض الأزواج الكثير من المعتقدات التي لا تعتمد على أي تفسير علمي، مثل اعتقاد البعض بأن القضيب سوف يؤذي الجنين أو سيثقب جيب المياه الذي يغلف الجنين، أو أن الجماع أثناء الحمل سيسبب الإجهاض، أو تشوهات الجنين، وقد تصل مخيلة البعض للاعتقاد بأن الجنين سيرى القضيب، أو سيغرق بالمني.

هذه الأفكار المسبقة والمغلوطه تؤدي في معظم الأحيان الى مشاكل في العلاقة الجنسية والحميمية بين الزوجين والتي يصعب التخلص منها حتى بعد الولادة. لكن عند البعض الآخر تكون هذه الفترة مفيدة للمرأة، إذ تعطيها الفرصة للتعرف على جسدها، حيث تروي العديد من النساء أن فترة الحمل طورت حياتهن الجنسية وتعرفوا من خلالها على على قمّة النشوة الجنسية (الأورغازم).

تشير احدى الدراسات الى أن 30% من الأزواج يمارسوا حياتهم الجنسية طوال فترة الحمل بينما يتوفق 30% آخرين عن ممارسة الجماع بعد الشهر السادس، و 40% منذ بداية الحمل (SIMON , Rapport sur le comportement sexuel des français, Julliard – 1972)

 


التغيرات الفيزيولوجية أثناء الحمل
يطرأ على جسم المرآة أثناء الحمل، العديد من التغيرات الجسمية التي قد تؤثر على الوظيفة الجنسية. فمثلا، من المعروف أن حجم الثدي يزيد أثناء الحمل بشكل طبيعي، وعند الاثارة الجنسية او التهييج الجنسي قد تعاني المرأة من ألم في صدرها. فهنالك بعض النساء اللواتي لا يتحملن بأن يُلمس ثديها أثناء الحمل، ولكن قد نلاحظ عند الأزواج الأخريين بأن شكل الثدي المتضخم أثناء الحمل بحد ذاته هو مصدر للإثارة الجنسية.

بالنسبة لباقي الأعضاء التناسلية أثناء الحمل، فقد يحصل في المهبل والفرج إحتقان دموي زائد، وهو أمر طبيعي، وهو بدوره يسبب الى زيادة الافرازات المهبلية ويرطب منطقة الفرج مما يعطي للعلاقة الجنسية متعة أكثر، وقد اشارت بعض النساء الى ان الاورغازما أثناء الحمل تكون قوية أكثر وأن البعض منهن تحدثوا عن وصولهن الى الأورغازم المتعدد.


الرغبة الجنسية لا تتبدل كثيرا أثناء فترة الحمل، لكن في المرحلة الأخيرة من الحمل تنقص وتيرة ممارسة الجنس وتشير بعض الأحصائيات الى أن هذا الأمر شائع عند 75% من النساء الحوامل.

يلاحظ أن تناقص عدد مرات الجماع أثناء الحمل هو شائع أكثر بالحمل الأول، لكن غالباً ما تتأقلم المرأة مع حملها في حالات الحمل التالية. حتى أن بعض النساء يظهرن رغبة جنسية زائدة أثناء الحمل بعد الشهر الثاني.

إن هبوط وتيرة ممارسة العلاقة الجنسية لا يعني بالضرورة بتضعضع الروابط العاطفية بين الزوجين، حيث تبقى الزوجة الحامل بحاجة الى الحميمية والدفء والحب من قبل زوجها. ومن الأمور التي تقف خلف هذا الهبوط بعدد العلاقات الجنسية أثناء الحمل، هي سوء الحالة الجسدية والنظرة الذاتية للجسد. ففي بداية الحمل تعاني المرأة من الغثيان والشعور بالتقيؤ مما قد يخفف لديها الرغبة الجنسية. ولكن عندما تختفي هذه الأعراض خلال الثلث الثاني من الحمل، تسترجع الحامل رغبتها الجنسية. بنهاية الحمل يلعب التعب و ألم الظهر و النعاس وثقل الجسم دوراً مهماً أيضا، فيلاحظ تناقص بعدد مرات الجماع.

 


الأنعكاسات النفسية التي تؤثر على الحياة الجنسية أثناء الحمل
قد تصاب المرأة بإحباط نفسي نتيجة التغيرات التي تحدث بحسمها كما أن قلقها حول كيفية تطور الحمل والمشاكل الصحية التي قد تترافق معه قد يسبب لديها إحباط نفسي وجنسي، كما أن الانعكاسات النفسية قد تحصل لدى الزوج أيضا والذي قد يبتعد أحيانا عن زوجته وتقل إثارته الجنسية نتيجة للتغيرات الجسدية عند شريكته. الزوج أيضا يعيش فترة حرجة، إذ أنه سيصبح أباً، وهذا قد يزيد من توتره وقلقه. 

يذكر سيمون في تقريره أن 10% من الرجال يلجئون إلى العلاقة الجنسية لأول مرة خارج سرير الزوجية أثناء الحمل.

 


مشوار الأشهر التسعة
تتبدل الحياة الجنسية خلال الحمل من شهر لآخر نظراً لمجمل التغيرات التي أشرنا إليها أعلاه.

 


خلال الأشهر الأولى:
يسيطر على المرأة مشاعر فريدة من نوعها. فها هي ستبدأ مغامرة فريدة من نوعها ومميزة. التغيرات الجسدية والأفكار العديدة المقلقة التي تحيط بهذه المرحلة الخاصة ومن الحياة الزوجية تكمن في تناقص عدد الممارسات الجنسية. ويقدر هذا التناقص بـ 20% وسببه الأساسي الهبوط في الرغبة الجنسية. 

مشوار الحمل يعيد المرأة إلى ذكريات طفولتها، ويولد لديها رغبة ملحة بالبحث عن الحماية من شخص أخر، قد يكون هذا الشخص زوجها، فيتزايد ترابطها به، وقد يكون أهلها فتبتعد عن زوجها. تتغذى عند المرأة خلال هذه المرحلة مشاعر المحبة وقد يتظاهر عند البعض الأخر من النساء تزايد بالرغبة الجنسية.

 


خلال الثلث الثاني من الحمل:
تتقبل المرأة والرجل هذا الحمل وغالبا ما يشكل هذا الأمر فرصة ممتازة لتقوية الروابط الزوجية، ومعه غالباً ما تتحسن العلاقة الجنسية بين الزوجين. من عانى من تناقص بالرغبة ببداية الحمل قد يسترجعها عندما يتثبت هذا الحمل وعندما يعتاد على الأعراض المزعجة التي كانت تثقل على بداية الحمل "الوهن العام، الغثيان". كما تنتهي الفترة الحرجة الذي يخاف من خلالها أن يفضل الحمل وتجهض المرأة. 

غالبا ما تتأقلم المرأة مع جسدها بهذه المرحلة، تفتخر بما تحمله، وتتزايد ثقتها بنفسها. ومن ناحية الرجل، يتزايد تعلقه بما تحمله بأحشائها. ويشعر بأن شيء منه يتطور بداخلها. كل هذه العناصر تتشارك لتغذية الرغبة الجنسية.

 


خلال الشهر الثامن:
عندما لا يوجد أي مانع طبي من متابعة الحياة الجنسية، تصل الرغبة الجنسية إلى قمتها. لكن ورغم ثبات الرغبة يتناقص عدد مرات اللقاء الجنسي لإنشغال الزوجين بتحضير قدوم المولود الجديد. وللمصاعب الجسدية الناتجة عن حجم البطن. قد يكون الرجل هو مصدر التناقص لخوفه مثلاً من أذية الجنين أثناء ممارسة الجنس، قلة مواضع الإثارة بجسد الحامل التي يكبر بطنها ويتشقق وينتفخ جسدها.

 


الشهر التاسع و الأخير:
هو شهر الانتظار والتوتر، الوقت له قيمة كبيرة. الجماع يصبح صعباً من الناحية الجسدية. وتقل الرغبة من الطرفين. لكن تبقى العلاقات الجنسية النادرة بهذه الفترة غنية بالمشاعر المتبادلة وتمتاز برقة متناهية لكي تتأقلم مع الوضع الجسدي للمرأة الحامل.

اللقاء الجنسي بنهاية الحمل يتطلب أن يكون الرجل بظهر المرأة. هذا إن لم تكن المرأة قد اعتادت على هذه الوضعية بالسابق. لكن قد يشكل الأمر مصدراً لمصاعب بتقبل اللقاء الجنسي عند إمرأة اعتادت أن يكون زوجها أمامها، تراه وتشعر بتنفسه وبكل حركاته.

 


هل هنالك من ضرر على الحمل نتيجة ممارسة الجنس؟
من الناحية الوبائية، لا تتوفر أي دراسة علمية تثبت أن الجماع أثناء الحمل يترافق مع زيادة بحالات الولادة المبكرة كما يعتقد الكثيرون.
 
أعتقد البعض أن مادة البروستاغلاندين المتوفرة بالمنّي، لها دور سلبي على عنق الرحم ولكن الدراسات الجدّية لم تستطع إثبات أي شيء من هذا القبيل. كما يشكك البعض بأن الجماع الذي ينتهي بنشوة "إورغازم" عند السيدة يسبب الى تقلصات رحمية مما يضر الجنين. وهذا أيضا لم يثبت علمياً وطبياً. حيث أن رحم المرأة يتعرض بجميع الأحوال الى تقلصات أثناء الحمل. هذه التقلصات تعتبر طبيعية طالما أنها لا تتكرر بنظمها وتنتهي دون أن تؤلم.

تسود بعض الأفكار القائلة ان الجماع والسائل المنوي يحضّر بشكل ايجابي للولادة بفضل تحسينه لنضج عنق الرحم. وهذه الأفكار أيضا لا توجد لها أي إثباتات علمية جديّة، ويبقى الأمر مجرد اعتقاد يحتاج للبرهان.

أما بالنسبة للحالات التي ينصح بها بالامتناع عن الجماع في فترة معينة أثناء الحمل:

ـ جميع الحالات التي يكون به الحمل مهدد بالإجهاض أو بالولادة الباكرة (آلام مخاض مبكرة).

- اذا كانت المرأة تعاني من الآم في المهبل أو البطن.

- نزول مياه من الرحم

ـ اذا تواجدت المشيمة في الجزء السفلي من الرحم مما قد يؤدي الى حدوث نزيف أثناء الحمل.

ـ تبقى قضية الوضعية أثناء الجماع، فمن البديهي تجنب بعض الأوضاع التي يدفع الرجل بثقله فوق الرحم، وتفضل الأوضاع التي تكون بها المرآة من فوق، أو التي يكون بها الرجل على الجنب من الخلف.

 


الخلاصة
بنهاية الأمر، تبقى السيدة هي صاحبة الأمر، فإن رغبت بإيقاف الجماع أو عدم ممارستها في أي وقت فلها ما تريد، ويمكن الاستعاضة عن إيلاج القضيب بنشاطات ومداعبات جنسية أخرى، وغالباً ما يتوفّق الزوجين للوصول لحالة الانسجام الجنسي.