عن الحبّ والحميمية



2018-10-09

بقلم: خولة الفرشيشي (كاتبة وباحثة جامعية في علوم التراث، تشتغل حول الجسد الأنثوي ورمزياته وتمثلاته، ولها مقالات وأبحاث منشورة في صحف عربية عدة)

المصدر: مجلة ميم - meemmagazine.net

 

 

يعرّف البعض مفهوم “الحميمية” بكونها المودّة العميقة المتبادلة بين طرفين، سنستعير من موقع المنتدى العربي لجنسانية الفرد والأسرة هذا المدخل لتعريف الحميمية كنقرة أولى على السطح لنحفر فيما بعد إلى ما أكثر.

تعتبر “الحميمية في أغلب الأحيان عملية وقتية، وكثيراً ما ترتبط بمواقف بعينها، يكون فيها الإنسان منفتحاً صريحاً، حيث يذوب إحساس التوتر والخجل والإلتزام (…) “. إذا الحميمية هي لحظة مكاشفة ومصارحة، تحدث بين طرفين يتعرى كل منهما أمام الآخر دون خوف من الحكم عليه أخلاقياً.  يمكن أن تكون علاقات الصداقة حميمة أو بعض العلاقات في الأسرة الواحدة، وهذا أمر نادر بحكم مجتمعاتنا التي تخلق حواجز بين الأبناء والأولياء.

ويمكن أيضا أن تحدث علاقات عابرة بها مسحة عالية من الحميمية، وقد نقل موقع منتدى الجنسانية هذا المثال وسنورده في نصّ المقال : “من الممكن أن يلتقى إثنان في قطار ويجلسان في مقعدين متلاصقين، ويدور بينهما حوار لتسلية هذا الوقت الجاثم على الصدور، وفي نهاية هذا الحوار يكون قد تعرى كلاهما نفسياً للآخر، وإقتربا بشدة نتيجة هذا الموقف غير المخطط أو المرتب له مسبقاً، ومن الممكن أن يلتقيا ثانية بالصدفة في مكان ما، ولا يتحمل أحدهما رؤية الآخر”.

إنّ الخوف من تعرية الذات هاجس يلاحق الفرد ويحدد علاقاته ويضبطها، فتعرية الذات سلاح ذو حدين يمكن أن يستخدمه الآخر ضدّه. في علاقات الحبّ التي نخوضها، نبحث عن الحميمية التي نفتقدها في الأطر العائلية والأخرى، ولكننا نخاف من نظرة الشريك تجاهنا، لذلك نعيش علاقات الحبّ دون حميمية في أغلب الأحيان إلى جانب الخوف من الغريب فإننا نخشى بناء علاقات حميمية مع أنفسنا نتعرّى فيها مع مرايانا الشخصية، نبوح بها لأنفسنا عن أنفسنا ونكتشف من خلالها أجسادنا، علّنا نصل إلى معرفة الذات.

 ترى هل جرّب أحدكم النظر إلى المرايا مطوّلا ووجد نفسه أليفا أو غريبا عن نفسه وحادث نفسه عن نفسه، دون أن يتهم نفسه بالجنون أو الخرف؟ أحيانا لا نعرف عدد الشامات بأجسادنا على سبيل المثال، وربما لم نجرّب البكاء أمام المرايا أو الضحك لنعرف كيف نكون في حالات الحزن والفرح ولا نكتشف أنفسنا إلا عن طريق الآخر الذي يرسمنا أمامه ونكون نحن غرباء أمام أنفسنا.

 بداخل كلّ فرد منّا صندوق أسرار نملك مفتاحه ونخفيه عن الأعين خوفا وحرجا، أسرار صغيرة ربّما لا تشكل خطرا ولكنّها بالنسبة لنا مهمّة جدّا وتشكل أهميّة كبيرة. في العادة لا نفتح صندوقنا الحميمي إلا في حضرة أشخاص نعرفهم ويعرفوننا بشكل جيّد أو في حضرة غرباء لا نلتقيهم حتى نتجنب الإحراج.

إنّ الرغبة في البوح أشدّ من الرغبة في الإخفاء أحيانا، لكن للبوح قواعده حتى لا نخسر قيمتنا في عين الآخر الذي يشكل رقيبا وحاكما اجتماعيا في الوقت نفسه. في علاقات الحبّ التي نخوضها، نبحث عن الحميمية التي نفتقدها في الأطر العائلية والأخرى، ولكننا نخاف من نظرة الشريك تجاهنا، لذلك نعيش علاقات الحبّ دون حميمية في أغلب الأحيان.

ليس من الضروري التعرّي التامّ أمام الشريك بقدر محاولة بناء مساحة آمنة بين الشركاء العاطفيين والأزواج، فالسكينة والمودة والسكن لا يمكن الحصول عليهما إن حاول الفرد تمثل شخصية الفرد الخارق، الخالي من العقد أو الماضي

فالخوف من خسارة الشريك أوّل هواجسنا، فنحن نحاول دائما أن نظهر بمظهر الفرد الخارق والكامل دون عقد، وهو ما يعيق تواصلنا مع الشريك في مساحة آمنة تجنبنا من أذى المحاكمة والملاحقة.. وأيضا الخسارة.

الحميمية، الخطر الموهوم، هي أولى الخطوات لبناء علاقات كاملة ودائمة، علاقات تجنبنا من الوقوع في فخّ الخسارة أو الخوف.

في هذا السياق يجب أن يتمتع الفرد بمنسوب عال من الثقة في نفسه ومن ثمّ في الشريك، فخسارة شريك لم يتقبل أشياء في حياتنا تعني أنه كان شريكا مزيّفا في علاقة مزيفة، فالعلاقات الكاملة تبدأ بالمكاشفة والمصارحة نسبيا.

ليس من الضروري التعرّي التامّ أمام الشريك بقدر محاولة بناء مساحة آمنة بين الشركاء العاطفيين والأزواج، فالسكينة والمودة والسكن لا يمكن الحصول عليهما إن حاول الفرد تمثل شخصية الفرد الخارق، الخالي من العقد أو الماضي.

يمكن أن يعيش الحبّ دون حميمية، ولكنّه سيفقد فيما بعد رونقه. فالتخفي في أوّل العلاقة يوصل الأزواج إلى الفتور والبرود.. عندما يعرفك الشريك جيّدا يدرك أنّك حزين حتى وإن أظهرت العكس، ويمكن لعناق وحضن أن يبدد فتور العلاقة والبدء من جديد وكأنّكما تعارفتما للتوّ..

فتش اذا عن الحبّ، وستجده كاملا دون نقصان في شخص يراك في كلّ مرّة بقلبه، حتى وإن رأت العين عكس ما رآه القلب.