متى ارتديتِ "السوتيان" أوّل مرّة؟



2018-10-09

بقلم: خولة الفرشيشي

(كاتبة وباحثة جامعية في علوم التراث، تشتغل حول الجسد الأنثوي ورمزياته وتمثلاته، ولها مقالات وأبحاث منشورة في صحف عربية عدة)

المصدر: مجلة ميم - meemmagazine.net

 

قبل أن يصبح الجسد بالغا ويلتحق بقيم العائلة والمجتمع ويصبح خاضعا لها، عاش لحظات حريّة منفلتة لم يأبه بها الآباء بل ربّما كانت مصدر فخر لهم، إنّهم يشاهدون في هذه الأجساد الغضة والصغيرة جنسانيتهم ” الإنجاب والمتعة “، وفي لحظة فارقة من الانتقال من الطفولة إلى المراهقة يشدد على أطفال الأمس في التعامل مع أجسادهم بطريقة غير مألوفة، دون أن تساهم الأسرة في التهيئة النفسية لما سيحدث بعد سنوات قليلة من الطفولة، إنّنا نخاف الحديث عن الجسد فطالما كان هذا محرّما والحديث عنه موصوما بالعهر والفساد الأخلاقي.

عندما يتوجه إلينا أطفالنا بأسئلة تدور حول الجنسانية نشيح بوجوهنا عنهم خجلا وخوفا ونهرب من الإجابة حتى نحفظ وقارنا، في هذا السياق يتحدث ميشيل فوكو في كتابه تاريخ الجنسانية، الجزء الأوّل إرادة العرفان “عن قمع العائلة وتكتمها في خوض هذه المواضيع”

” إنّ ما لا يخضع للتناسل أو ما يغير من هيأته بعض التغيير لم يعد له أيّ مقر ولا أيّ قانون، ولا أيّ كلام يقوله أيضا. مطرود ومنكر ومجبر على الصمت في آن واحد. فهو لا يوجد وحسب. بل إنّه يجب ألا يوجد. وسيكون معرضا بالزوال بمجرد ما يفصح عن نفسه أقلّ إفصاح. إما  بالكلام أو بالفعل وبخصوص الأطفال مثلا فمن المعروف أن لا جنس لهم وهذا سبب كاف لرفضه لهم ولمنعهم من الكلام عنه، سبب كاف لصرف النظر عنه والامتناع عن الاستماع إليه متى أتوا لإظهاره، سبب لفرض صمت عام ومطبق”.

 إننا نشعر بالخوف عندما نتحدث عن الجنس وجنسانيتنا أمام أطفالنا وكأنّ الأمر يهدد كيان الأسرة ويعصف باستقرارها، فنكبر في عائلاتنا ونتعرف على أجسادنا بمعزل عن أمهاتنا، تخاف الصبيّة من أوّل علامات البلوغ وتخجل من الحديث عن آلام الدورة الشهرية، ويصمت الطفل وربّما يصدم بعد تجربة الاحتلام الأولى..

نكبر دون أن نتعرف على مصير أجسادنا، نكبر في صمت وخوف، ونكبر وحيدين دون مرافقة أمهاتنا.

طرحت سؤال “متى ارتديت سوتيان لأوّل مرّة وبماذا أحسست في تلك اللحظة ؟” على عدد من الفتيات فكانت الإجابات تلقائية تعكس تلقائية تلك اللحظة التاريخية في تاريخ الجسد الأنثوي، إجابات تتحدث عن تاريخ وقائعي لقمع جنساني مارسته العائلات في حقّ بناتها.

“لم تتحدث معي أمّي كل ما فعلته أنّها جاءت بصدرية وقالت لي من الضروري أن تلبسيها تحت الثياب كنت في الحادية عشر، ثم أغلقت باب الغرفة وخرجت “.

نكبر دون أن نتعرف على مصير أجسادنا، نكبر في صمت وخوف، ونكبر وحيدين دون مرافقة أمهاتنا

“عندما أصررت على عدم لبس الصدرية وبختني أمّي وقالت لي بلهجة حازمة لقد أصبحت صبيّة يافعة لا مجال للدلال كنت في الثالثة عشر، لبستها على مضض ولكنّي لم أفهم لحظتها لماذا لبستها، أنا لست في سنّ أمّي وخالاتي حتى ألبس ما يلبسنه”.

“في الحقيقة لم تتحدث معي أمّي في هذا الموضوع، لقد تحدثت مع ابنة خالتي الأكبر منّي بسنوات وطلبت منها أن تفاتحني في هذا الموضوع أي أن ألبس الصدرية، كان الأمر شبيها بلعبة لقد ألبستني إيّاها ابنة خالتي وأنا أضحك من مظهري الجديد”.

إجابات من ضمن عشرات الإجابات المتشابهة، إجابات تعكس الوعي الجمعي حول الجنسانية التي انحصرت وظيفتها في غرفة نوم الآباء، فالحديث عن الجنسانية حديث البالغين وإن خرجت عن هذا السياق سيتهم الأب أو الأمّ بالجنون والخرف أو بالعهر والفساد الأخلاقي.

إنّ خوفنا من خوض هذه المواضيع الحرجة مع أطفالنا يعرضهم إلى مخاطر كثيرة، التحرّش أولها

تعتبر لحظة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة لحظة مهمّة في تاريخ الأطفال، وهي مرحلة محفوفة بالمخاطر، التي ستكون نتائجها وخيمة فيما بعد خلال المراهقة. عادة ما تكبر الفتاة قبل الأولاد وتصبح ذات جسد يافع، يكبر جسدها بمعزل عن عقلها، فالعشرات من الفتيات اكتشفن وظائف الجسد في حصص العلوم الطبيعية بعد سنوات من بلوغهن، أو أثناء حديثهن في الفسحة مع صديقاتهن، فتعرف الفتاة أشياء عن جسدها وعن الجنسانية خارج البيت، وكأنّ هذه المواضيع خارجة عن الذوق العام والنظام العائلي، ومن المستحسن أن لا نتحدث فيها مع العائلة حتى لا تخسر الفتاة قيمتها المعنوية في عين أهلها.

إنّ خوفنا من خوض هذه المواضيع الحرجة مع أطفالنا يعرضهم إلى مخاطر كثيرة، التحرّش أولها، فإن لم تفهم الفتاة البلوغ الجنسي ومظاهره، فإنّ والدتها تلقيها عن غير قصد  في مستنقع التحرّش وهي التي أي –الأمّ-  لم تعي أنّ طفلتها أنثى بعقل طفولي يترصدها بعض الذئاب البشرية للإيقاع بها..

كما تبني العائلات جدار صمت وحاجزا بينها وبين أطفالها، فتصبح الحياة الحميمة لأطفالها تعاش في الصمت والخوف والرهبة، لذلك من الضروري أن نعلّم أطفالنا ونؤمنهم من الوقوع في المحظور أو في مخاطر التحرش والاغتصاب أحيانا.